لا أميركا ولا روسيا مع إيران نووية! – الحائط العربي
لا أميركا ولا روسيا مع إيران نووية!

لا أميركا ولا روسيا مع إيران نووية!



قالت واشنطن إن العودة إلى المفاوضات في فيينا مرهونة بالموقف الإيراني، رغم أن الطرفين يتحدثان عن تأخير فيينا، وهناك بعض الأميركيين متحمسون لتفعيل الاتفاق النووي السابق، رغم أن هذا الأمر سيشكل كارثة جديدة لأنه سيؤدي إلى رفع العقوبات عن إيران. يقول لي محدثي السياسي الأميركي المخضرم، إن المسألة الحقيقية ليست المسألة النووية. الوضع في الشرق الأوسط أن إيران تريد السيطرة على المنطقة، لكن هل ستستطيع؟ يطرح خيارين: لنتخيل الإيرانيين وصلوا إلى عتبة الحصول على النووي ولا يسيطرون على المنطقة، أو يسيطرون على المنطقة من دون وصولهم إلى عتبة الحصول على النووي، ما هو الأكثر خطراً؟ إنها السيطرة، لأن الوصول إلى عتبة النووي هو فقط أداة تساعد على السيطرة. إذن إذا كانت إيران قوية جدا للتحكم ليس فقط في سوريا، والعراق، واليمن ولبنان بل أيضا الأردن، فإن هذا أكثر خطراً من الوقوف على العتبة النووية. المعادلة إذن، إذا أردنا النظر عبر الصورة الاستراتيجية فسوف نرى أن الأميركيين، والإسرائيليين والأوروبيين لا ينظرون إلى المسألة استراتيجياً، بل يكتفون بالقول، لا نريد أسلحة نووية. لكن إذا نظرنا إلى المنطقة استراتيجياً عندها نصل إلى نتيجة مختلفة وهي: كل ما هو سيئ لإيران جيد لكل بقية الأطراف، وكل ما هو جيد لإيران هو كارثة على الآخرين.

يشرح: إذا اكتشفت إيران غداً منجماً ضخماً من الذهب، فإنه أكثر خطورة من السلاح النووي، لأنه إذا استطاع النظام الإيراني أن يكون قوياً، فإن الشرق الأوسط في خطر، العرب في خطر وكذلك إسرائيل وأوروبا، وأيضاً أميركا وتركيا. إذن الهدف يجب أن تكون إيران ضعيفة، وهذا أمر معقد على الأميركيين والأوروبيين، لأنهم لا يعرفون أن يفكروا مثل شعوب الشرق الأوسط. تلك الشعوب لديها ميزة مهمة جداً، وهي أن كل ما هو سيئ لعدوي جيد لي. من المؤكد أن هذه ليست طريقة تفكير جيدة، لكن فيما يخص إيران فإنها جيدة.

لنأخذ الحرب العالمية الثانية؛ دعمت الولايات المتحدة جوزيف ستالين الزعيم الروسي، لأنها اعتبرت أن ستالين هو رجل سيئ لكنه الآن يحارب ضد هتلر، «فتقوية ستالين عندها نستطيع أن نقاتل هتلر بطريقة أكثر فاعلية». لذلك في بعض المحطات بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لم يكن كل ما هو جيد لروسيا سيئاً لأميركا. لكن في الوضع الإيراني اليوم فإن الهدف يجب أن يكون كل ما يضعف النظام الإيراني مرحباً به.. لأن الطريقة الوحيدة التي يمكن التعامل مع الخطر الكبير الذي تمثله إيران هو في تغيير النظام، لكن أميركا لا تقف مع تغيير الأنظمة بسبب المتوافق عليه في المجموعة الدولية أنه من غير الشرعي العمل على تغيير الأنظمة.

لكن من ناحية أخرى هناك كثيرون يؤيدون تغيير النظام في إيران ويعتبرون الأمر شرعياً، كي تصبح إيران عامل استقرار في المنطقة، في حين أن النظام الإيراني الحالي هو كارثة على المنطقة. لذلك يبقى الخيار، تأييد كل ما يضعف إيران. لكن هؤلاء يتساءلون هل أنه يمكن إقناع الأميركيين بهذا الخيار؟ إنه أمر مستبعد. لكن ماذا عن الأوروبيين؟ الرد: احتمال تحت الصفر. من هنا التخوف بأن هاتين المجموعتين ستقويان إيران، وهذه نعمة لإيران. يأمل البعض أن يلعب الإيرانيون دوراً أكبر من حجمهم وبأنفسهم ينسفون الاتفاق. لكن الإيرانيين أذكى من ارتكاب هذا الشيء. لذلك تخوف هؤلاء من إيران قوية هو احتمال ممكن جداً. أيضاً الملاحظ أن طرفاً ما يقوم بأعمال تخريبية داخل إيران، بحروب سيبرانية ووسائل أخرى، يقول محدثي الأميركي المخضرم لا أعرف من هو ولكنني متأكد أنها ليست النرويج. ولكن قد تكون إسرائيل، لأن إيران وضعت نفسها في موقع حيث إنها في حرب مع إسرائيل بينما الأخيرة ليست في حرب مع إيران. وهذا خطأ. والمطلوب هو إلحاق الضرر بإيران، ولا تهم الوسائل. يضيف: هذا كان التفكير الاستراتيجي، ولنتحدث الآن عن أمر يستطيع أن يفهمه الأذكياء والمثقفون. لهم أقول إن إيران دولة تعمل ضد الأعراف المتحضرة أكثر من أي دولة في العالم، خصوصاً فيما يتعلق بشبكتها الإرهابية التي تغطي العالم كله. لذلك عندما تقوم دولة بأعمال لم يسبق لأي دولة اعتمادها، يجب مواجهتها بأعمال غير مسبوقة. لقد وصلت أعمالها الإرهابية إلى الولايات المتحدة، لم تشعر بأي رادع، لأن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما شجع على ذلك واستسلم. لذلك أتمنى أن يكون الرئيس الجديد في إيران متشدداً إلى درجة يرفض الرئيس الأميركي جو بايدن الاستسلام له.

وسألت محدثي كيف يرى إيران في عهد الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي؟ سيكون حذراً، رغم التمني بألا يكون. السبب أن الإيرانيين نادراً ما يفقدون حساباتهم واعتباراتهم. على كلٍ الرئيس يتبع المرشد الأعلى، أيضاً يجب أن نتذكر أنه قتل أعداداً كبيرة من الإيرانيين ولم يتم تحييده، وهذا يجعلنا ندرك أن بعض القساة متطورون. نعود إلى ستالين الذي كان قاسياً جداً لكن في الوقت نفسه أدرك الردع الغربي، وتخلى عن برلين عندما دخل الأميركيون.

لكن هل إذا امتلكت إيران القنبلة النووية هل ستجرؤ على استعمالها وضد من؟ كلا، لا أعتقد أنها ستستعملها، ولا أعتقد أنها تريد قنبلة. تريد أن تكون في وضع تستطيع إنتاج قنبلة خلال أسابيع قليلة، وهذا ما يسمى وضع العتبة. الإيرانيون لا يريدون الوصول إلى إنتاج قنبلة بل إلى ترسانة، بمجرد أن يكون لديك خيار الترسانة هو عملياً جيد كترسانة كاملة.. «وهذا يهدد العرب». أسأل: العرب أولاً، ثم الإسرائيليون، ثم الأوروبيون ثم الأميركيون. وهل تعتقد أنه سيكون هناك في الشرق الأوسط سباق نووي؟ نعم؛ إذ لا أعتقد أن دولاً، مثل تركيا ومصر، ستجلس على الحياد عندما يصبح الإيرانيون على عتبة امتلاك سلاح نووي. الأتراك أولاً مع رئيس بشخصية رجب طيب إردوغان، وبعد ذلك المصريون بشخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي.

لا يرى محدثي أن هناك حالياً حلاً، والمشكلة الآن أن الأمور تزداد سوءاً بسبب بايدن. أسأل: ألا تراه يقصف إيران وعملاء إيران يقصفون القواعد الأميركية في العراق؟ قد يرد بطريقة محسوبة، خصوصاً أن الشعب الأميركي بعد العراق لا قابلية لديه لتدخل عسكري في الشرق الأوسط، ثم إن الأميركيين يريدون مواجهة الصين بدل مواجهة إيران. لذلك فإن المقاطعة أمر جيد ويجب تضييقها حتى الخنق.

لكن إذا عادت الوفود إلى فيينا هل سيقبل الأميركيون بإحياء الاتفاق ورفع العقوبات؟ يقول: إذا أوقف الإيرانيون المفاوضات فإن الأميركيين سيضاعفون العقوبات، لكن الإيرانيين أذكى من هذا. مشكلة الأميركيين أنهم يريدون أن يخدعهم الطرف الآخر، والأوروبيون كذلك، ثم إن الإيرانيين مهذبون فإذا طُلب منهم بتهذيب أن يخدعوا الأميركيين فهم على أتم الاستعداد.

يستبعد محدثي أن يوسع الأميركيون إطار الاتفاق السابق ليشمل الميليشيات الإيرانية وبرنامج الصواريخ، لا يعتقد أن أمراً إيجابياً سينتج عن المفاوضات ولا تعني له الكثير عبارة وزير خارجية أميركا أنتوني بلينكن: نريد اتفاقاً أقوى وأطول.

إذن ستنجح إيران في السيطرة على المنطقة؟ إنها لا تحتاج إلى السيطرة على كل الشرق الأوسط، تريد إضعاف السعودية وتريد إضعاف مصر، وقد تعمل على أن تنشئ موطئ قدم لها في الأردن. في الشرق الأوسط هناك دول تئن من الوضع الاقتصادي السيئ، فإذا أعطى الأميركيون المال لإيران فإنها تستطيع استعماله لتثبيت نفسها في تلك الدول. لأن رفع العقوبات يوفر لإيران مئات المليارات من الدولارات التي ستستفيد منها في لبنان والأردن. أستفسر: لكنك تتحدث عن الأردن وتتجنب الحديث عن سوريا، فهل استقرت إيران بقوة الآن في سوريا؟ يجيب: في سوريا ورغم المفارقة، هناك أمران مهمان؛ الأول إسرائيل نسفت كل الوجود العسكري – الميليشياوي في سوريا. الثاني: أن الروس يقفون إلى جانب الأميركيين، لأنهم يريدون السيطرة على سوريا من دون مشاركة إيران، ولهذا السبب سُمح لإسرائيل بالهجمات العسكرية. لكن يوجد أمر آخر فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يريد إيران نووية، وفي الوقت نفسه يدرك أن إيران قوية ستكون سيئة لأميركا، ولذلك لن يسمح لأميركا بإضعاف إيران إلا إذا كان الإضعاف اقتصادياً وهذا ما لا تستطيع روسيا منعه. وفي حديثه عن الصين قال محدثي إنها بدأت تقوم بأعمال تجارية مع الإيرانيين حتى قبل معرفتها بأن المقاطعة سترفع.

أسأله: لاحظت أنك تتحدث كثيراً عن الأردن. هل بدأت إيران التصويب عليه؟ يجيب: الآن سيبدأ مد النفط العراقي عبر الأردن للوصول إلى مصر، ولتسويقه في أوروبا، لكنني لا أعرف الكفاية ما إذا كان النفط العراقي تحت النفوذ الإيراني إلى درجة تحصل هي على العائدات، فإذا كان هذا صحيحاً فإنه يعني مشاركة الأردن في أمر يساعد الإيرانيين. لكنني أكرر لا أعرف ما إذا كان هذا النفط مشروعاً إيرانياً.

مع كل يوم يمر يجد الشرق الأوسط نفسه في ليل أسود، ولكن ليل إيران لن يكون أبيض.

نقلا عن الشرق الأوسط