تفعيل الآلية:
كيف يسهم مؤتمر دول الجوار الليبي في تحقيق نتائج فعلية؟

تفعيل الآلية:

كيف يسهم مؤتمر دول الجوار الليبي في تحقيق نتائج فعلية؟



خلص اجتماع آلية دول الجوار الليبي المنعقد بالجزائريومي 30 و31 أغسطس المنقضي إلى 16 بنداً، تعكس اتجاه الأطراف المشاركة وهي (ليبيا ومصر والسودان وتشاد والنيجر وتونس)، بالإضافة إلى ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إلى تنسيق الانخراط المشترك للتعاطي مع تطورات الحالة الليبية فى ظل المخاوف من انهيار العملية السياسية، والعودة مرة أخرى إلى مربع الصراع المسلح، ما قد يفوق الفرضة الأخيرة لتجاوز ليبيا عتبة مراحل الانتقال السياسي المتكررة، وربما يعيدها إلى أسوأ ما كانت عليه، قبل معركة طرابلس 2019 – 2020.

محاور ثلاثة

ويمكن تقسيم هذه البنود إلى 3 محاور رئيسية:  

1- قضايا الداخل الليبي: والتي تعاطت مع ملفات العملية السياسية، خاصة ملف الانتخابات، الذي حيث تم التشديد على دعم الوصول إلى العملية الانتخابية واجرائها في موعدها، والملف الأمني الخاص بالمقاتلين والمرتزقة الأجانب، بالإضافة إلى إدانة عمليات تهريب الأسلحة والمرتزقة، والتنسيق مع مجموعة 5+5 فى هذا السياق.

2- قضايا التنسيق المشترك: حيث تم الاتفاق على تفعيل آلية دول الجوار لأمن الحدود، بالاضافة إلى الاتفاق على قيام وفد وزاري يمثل آلية دول الجوار الليبي لزيارة ليبيا في إطار دعم وتشجيع العملية السياسية، ودعم خطوة مفوضية الاتحاد الأفريقي الخاصة بعقد مؤتمر للمصالحة الليبية، وإعادة تفعيل اللجنتين السياسية التى تترأسها مصر، والأمنية التي تترأسها الجزائر واجتماعهما فى أقرب الاجال.

3- القضايا ذات الصلة بالأطراف الدولية خارج الآلية: والتي تم مخاطبتها بدعم الآلية، والحفاظ على السيادة الليبية بعدم الانخراط فى الشأن الليبي، ودعوة الأمم المتحدة والأطراف المنظمة للفاعليات الدولية بشأن ليبيا إلى إشراك دول الجنوب الليبي (السودان – تشاد– النيجر) إلى المشاركة فى تلك الفعاليات، حيث لم توجه لهم دعوات من قبل لمؤتمرات برلين 1-2.

إشكاليات رئيسية

في هذا السياق يمكن القول أن تحليل نص المخرجات المشار إليها وسياق الخطاب الذي ورد فيه، يعكس عدد من الإشكاليات الرئيسية ومنها:

1- محدودية الفاعلية في تجاوز الملفات الضاغطة: في واقع الأمر لا يمكن التوقف عند أي من المخرجات على أنها تشكل نقلة نوعية في الآلية باستثناء الإقرار على تفعيلها كآلية دبلوماسية فيما بين الأطراف للتعامل مع الملف الليبي، فمن اللافت للنظر أن تلك المخرجات ربما لا تختلف جوهرياً عن مخرجات الاجتماع الأول الذي عقد لتلك الآلية فى يوليو 2014 في تونس (تضمن البيان الأول الحرص على السيادة الليبية ووقف الصدام المسلح وتشكيل وفد وزاري لزيارة ليبيا.. ودعم قرارات الأمم المتحدة بشأن ليبيا لاسيما حظر الأسلحة إلخ)، باستثناء تغير التواريخ والإحالة إلى القرارات المستجدة لمجلس الأمن بشأن ليبيا، وإعادة الاعتبار لآلية تنسيق أمن الحدود الرباعية المقررة عام 2018 والتي لم تفعل بالأساس بسبب معركة طرابلس في ابريل 2019.

2- إشكالية التناقض مع خطوات استباقية لدول الجوار الليبي: على الرغم من حيث البيان الختامي على تفعيل الاتفاقية الرباعية (ليبيا وتشاد والسودان والنيجر) لأمن الحدود، لكن من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هناك خطوات استباقية قامت بها بعض تلك الدول، وهي السودان وتشاد قبيل انعقاد اجتماع الآلية فى الجزائر، حيث قام رئيس المجلس العسكري التشادي محمد ادريس ديبي بزيارة الخرطوم وأصدر من هناك بياناً أكد فيه على رفضه عودة مجموعات المرتزقة فى الداخل الليبي. كما أن تشاد أعلنت عن خفض عدد قواتها المشاركة في عملية مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي. وقبيل ذلك بنحو شهرين، وفى إطار لقاء دول الساحل الأفريقي شددت النيجر هي الأخرى على رفضها أسلوب التعاطي مع الملفات الأمنية الليبية من جانب القوى المختلفة، لأنها تشكل عملية إزاحة للمقاتلين الأجانب وللمرتزقة، وجماعات الجريمة المنظمة وتهريب السلاح إلى دول الجنوب الليبي وبالتالي تصدر الأزمات الأمنية إليها.

3- غياب آليات التنفيذ لضبط الحدود الرخوة وخروج المجموعات المسلحة الأجنبية: تفعيل اللجنتين السياسية والأمنية هو انعكاس لتفاهم مصري – جزائري بشأن الملف الليبي، فالجزائر لديها موقف من الجيش الوطني الليبي، وحدثت احتكاكات بينها وبين القيادة العامة على خلفية موقف القيادة العامة من الانتشار فى الجنوب اللييي بعد حادثتي “سبها – زلة” الإرهابيين، كما أن الجزائر تدعم الطوارق في إطار التعاون لضبط الحدود، بينما على الجانب الأخر من الممكن أن تسهل مصر عملية التنسيق مع القيادة العامة والجزائر لتفادي هذا الإشكال، لكن يظل أيضا توجه دبلوماسي، فى حين تغيب الآليات التنفيذية الفعلية، على عكس ما تقوم به القوي الغربية، حيث يقوم الجانب الأوروبي بعملية مراقبة ساحلية فى إطار العملية “إريني” البحرية، كما أن ألمانيا التي تدير المنظومة الدولية للقوى المنخرطة فى ليبيا أنشأت قناة تواصل مع روسيا ومع تركيا للقيام بعملية انسحاب تدريجي (متناسب ومتدرج ) للمرتزقة والمقاتلين الأجانب، أضف إلى ذلك أن القوى الإقليمية لا تملك أدوات فعلية لانهاء الوجود العسكري الأجنبي فى ليبيا.

نافذة فرص

لكن على الجانب الأخر، لا يمكن التقليل من بعض الفرص التي تشكلها الآلية ومنها على سبيل المثال:

1- فائض قوة التقارب معزز للتمثيل في كافة الفاعليات الليبية: رغم محدودية آلية دول الجوار، لكن تفعيلها على هذا النحو وتكثيف حضورها على الساحة الليبية، سينعكس على دورها كآلية يمكنها مزاحمة الأدوار الدولية، وبالتالي فالقيمة المضافة هي أن الآلية يمكنها حجز مقعد وتمثيل فى كافة الفاعليات الليبية، بصوت واحد ومنسق وهو ما لم يكن يحدث من قبل، بل على العكس من ذلك كانت أطراف الآلية تتنافس وتتسابق على استقطاب القوى الليبية في المؤتمرات والفاعليات، من جهة، كما تتنافس وتتسابق على استقطاب القوى الدولية والإقليمية في الوقت ذاته من جهة أخرى. وهو ما يشكل الحد الأدنى من أهمية هذه الآلية، فقد أصبحت القاهرة والجزائر وتونس على خط متقارب تقريبا.

2- الدعم الأمريكي للآلية لمنع تمدد موسكو وأنقرة: حيث أن الولايات المتحدة كانت أول المرحبين وبشكل استنثنائي بالاجتماع، ودعم مخرجاته، حيث تقاوم الولايات المتحدة عملية تمدد التهديدات فى الجنوب الليبي، وتخشي معها تمدد قوى مثل تركيا وروسيا إلى الساحل الإفريقي عبر مظاهر وآليات الفوضي المنتشرة فى ليبيا، وذلك فى ضوء تقديرات أمريكية تشير إلى أن مجموعة “فاغنر” تركز حالياً على الانتشار فى تلك المناطق، بالإضافة إلى تركيا التي تسعى إلى التسلل إليها عبر البوابة الليبية، ويدعم ذلك محاولات موسكو التمركز عسكريا فى السودان، بالإضافة إلى التواجد التركي فى الصومال، مع تراجع الحضور الفرنسي فى تلك المنطقة في إطار انتهاء عملية “برخان” ما يفسح الطريق أمام موسكو وأنقرة لملء الفراغ هناك، وهو ما ترفضه واشنطن لكنها لا تسطيع التصدي له وكبحه. ويعتقد أن مصالح أغلب أطراف الآلية تتماس مع هذا التوجه بشكل أو بأخر لاسيما ما يتعلق بتقويض تمدد الجانب التركي على وجه التحديد.

3- تجسير العلاقة مع الجنوب الليبي: ففى ظل التقارب العربي (مصر وتونس والجزائر وليبيا) كان من المتصور أن هناك اصطفاف – غير مباشر – مع دول الجنوب (السودان – تشاد – النيجر) والتي تتجه إلى تحرك فى اتجاه معاكس فى التعامل مع ارتدادات الأزمة الليبية عليها، وبالتالى فإن إدخال هذه الأطراف في المعادلة، بالإضافة إلى دعم مشاركتهم فى الفاعليات والمؤتمرات الخاصة بليبيا ربما يغير من هذا التوجه. كما يمكن أن يدفع التنسيق المشترك وتبادل الخبرات والتنسيق الأمني إلى تغير توجهات أطراف مثل تشاد من القيادة العامة، فتشاد تعتبر أن القيادة العامة هي التي وفرت الملاذ الآمن والسلاح لمجموعات التمرد التشادي التي أسفرت في الأخير عن مقتل الرئيس ديبي.

وبالتالي قد تجسر فجوة الخلافات القائمة بينهما. كذلك بين القيادة العامة والجزائر فى السياق ذاته. مع الوضع فى الاعتبار أن الآلية ستنفتح على مجموعة (5+5) التي يتم الرهان عليها حالياً كعنوان للترتيبات الأمنية في ليبيا، بما يعني أن المدخل للقيادة العامة سيكون عبر فريق القيادة فى اللجنة العسكرية المشتركة. فالمطلوب فى الأخير هو دعم الجيش الوطني الليبي وتمكينه من السيطرة على حدود البلاد، وتقويض ظواهر الفوضى الأمنية في الجنوب.

4- محور توازن بين القوى المحلية والدولية: على اعتبار أن عنوان العملية السياسية الحالى هو حكومة الوحدة الوطنية فى طرابلس، ما يعني استمرار الانفتاح عليها، ويحد من المخاوف من تكرار سيناريو حكومة الوفاق التي حظيت بدعم تونس والجزائر نسبيا بينما كانت على خلاف مع القاهرة، ومن ثم فالآلية قد تسهم فى محاولة التصدي لتكرار هذه السيناريو، أضف إلى ذلك إلى أنها ربما تشكل عامل دعم للتوجهات الليبية الوطنية، فقد دعا رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي أطراف الآلية إلى دعم توجه ليبيا إلى عقد مؤتمر دولي جديد خاص بالرؤية الليبية لحل الأزمة فى البلاد، وإن كان من الصعوبة بمكان أن يكون هذا المسار محل ترحيب من القوى الغربية، التي تعتبر أن الإرادة الدولية هي التي يجب أن تفرض وقعها على الحالة اللبيية، لكن ربما تكون آلية دول الجوار عامل توازن بين الطرفين الدولي والمحلي فى دعم الرؤية الوطنية الليبية.  

استدراك الغياب

في الأخير يمكن القول، أن هناك فرص وقيود بالنسبة لآلية دول الجوار الليبي، كفاعل في الملف الليبي فى المستقبل، فالمخرجات لا ترقى من حيث الآليات التنفيذية إلى التعامل مع مستوى التهديدات المتصاعدة على المسرح الليبي، لكن لا يمكن التقليل أيضا من أن مجرد إعادة الزخم للآلية يشكل مبادرة أولية لاستدراك الغياب، لكن هذه فى ضوء تقييم المخرجات فمن المتصور أن الآلية لم تتجاوز العتبة الدبلوماسية بين أطرافها، وهو ما يشكل الحد الأدنى المطلوب من التوافق بينهم على مقاربة سياسية تجاه ليبيا، لكن المحك الرئيسي للآلية سيختبر فى اجتماعاتها المقبلة التي ستكون محطتها الأولى في القاهرة، خاصة مع قرب المرحلة الانتقالية من نهايتها بينما تواجه تحديا مصيريا.