أدوار مزدوجة:
كيف يسهم الإعلام في دعم العلاقات العربية-العربية؟

أدوار مزدوجة:

كيف يسهم الإعلام في دعم العلاقات العربية-العربية؟



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 15 فبراير 2023، جلسة استماع بعنوان “أدوار مزدوجة: كيف يسهم الإعلام في دعم العلاقات العربية العربية؟”، واستضاف المركز الأستاذ الدكتور محمد شومان، عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عددٌ من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ عمرو عبد العاطي، والأستاذ حسين معلوم، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ محمد الفقي، والدكتور هيثم عمران.

أدوار رئيسية

يشير “ِشومان” إلى بعض أدوار وسائل الإعلام المختلفة، خلال أزمات السياسة الخارجية التي تشهدها هذه الدولة العربية أو تلك، كالتالي:

1- إعلام الجمهور بأبعاد الأزمة: يمكن أن توفر وسائل الإعلام معلومات دقيقة ومحدثة حول الأزمة، بما في ذلك الأسباب واللاعبون الرئيسيون المعنيون والعواقب المحتملة، ويمكن أن يساعد ذلك في ضمان أن يكون المواطنون على اطّلاع جيد ويمكنهم اتخاذ قرارات مستنيرة عبر تقديم تقارير ميدانية لمنح جمهورها وصفاً مباشراً للأزمة، يمكن أن يشمل ذلك مقابلات مع الشهود والخبراء والمسؤولين الحكوميين.

2- صنع المعنى وتقديم سردية منطقية: خلال الأزمات تسقط المعيارية، ويبرز خلل حول فهم ماذا يحدث خلال الأزمة؟ والتشكيك في مفاهيم العروبة، وهناك حاجة إلى صناعة المعنى من خلال سردية حول ما يحدث ولكنها تحتاج إلى أن يقوم بها إعلام رشيد مهني ويحظى بقدر من الاستقلالية.

3- محاسبة الحكومة: يمكن لوسائل الإعلام أن تعمل كجهة رقابية وتراقب تصرفات الحكومة والقادة وتبلغ عن أي مخالفات أو سوء إدارة، ويمكن أن يساعد ذلك في ضمان محاسبة من هم في الحكم على أفعالهم، وأن يكون الجمهور على علم بأي تجاوزات محتملة من جانب النخبة.

4- تشكيل الرأي العام: يمكن لوسائل الإعلام تشكيل الرأي العام من خلال تأطير الأزمة بطريقة معينة، وإبراز قضايا معينة، والتقليل من أهمية الآخرين، ويمكن أن يؤثر ذلك على كيفية تصور الناس للأزمة، وبالتالي التأثير على مواقفهم وسلوكياتهم.

5- تسهيل الحوار والنقاش: توفر وسائل الإعلام منصة للحوار والنقاش، مما يسمح بالاستماع إلى وجهات النظر المختلفة وتشجيع تبادل الأفكار، وبالتالي تعزيز التفاهم والحلول للأزمة.

6- تعزيز الشفافية والثقة: من خلال توفير معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب، ويمكن لوسائل الإعلام تعزيز الشفافية والثقة في الحكومة والمؤسسات الأخرى، بما يعني بناء الثقة في قدرة القادة على إدارة الأزمة بفاعلية.

7- توفير السياق الحاكم للأزمة: عند حدوث أزمة سياسية خارجية، يمكن لوسائل الإعلام توفير المعلومات الأساسية اللازمة لمساعدة جمهورها على فهم الموقف، وقد يشمل ذلك توفير معلومات حول النظام السياسي والأحداث التاريخية التي أدت إلى الأزمة، واللاعبين الرئيسيين المعنيين.

8- تسليط الضوء على وجهات النظر: من خلال تقديم وجهات النظر المختلفة حول الأزمة، بما في ذلك وجهات نظر الأطراف المعنية والمنظمات الدولية والجهات الفاعلة الأخرى ذات الصلة، ويمكن أن يساعد ذلك الجمهور على اكتساب فهم أكثر دقة للأزمة.

9- الدعوة لإيجاد حلول للأزمة: قد تدفع وسائل الإعلام إلى إيجاد حلول للأزمة، سواء من خلال الافتتاحيات أو التقارير الاستقصائية، ويمكن أن يساعد ذلك في التأثير على الرأي العام والقرارات السياسية.

بين الدعم والتهديد

يوضح “شومان” أن أدبيات الاتصال السياسي تُشير إلى إمكانية أن تلعب وسائل الإعلام دوراً مهماً في دعم أو تقويض علاقات التعاون والصراع بين الدول، وعلى المستوى العربي، ويمكن الإشارة إلى دور وسائل الإعلام في تقويض أو دعم العلاقات العربية، وأبرزها:

1- دعم علاقات التعاون العربي:

تعزيز التفاهم المتبادل: يمكن أن تساهم وسائل الإعلام في تعزيز التفاهم المتبادل بين الدول من خلال توفير تغطية دقيقة ومتوازنة لوجهات النظر المختلفة حول القضايا الرئيسية.

تشجيع الحوار والدبلوماسية: من خلال توفير منصة للحوار والدبلوماسية يمكن لوسائل الإعلام المساهمة في تعزيز الحلول السلمية للنزاعات الدولية.

نشر قصص النجاح: عندما تعمل البلدان معاً لتحقيق أهداف مشتركة، يمكن لوسائل الإعلام تسليط الضوء على قصص النجاح هذه لتعزيز المزيد من التعاون وبناء الثقة بين الدول، والابتعاد عن التغطيات القطرية المنحازة.

تعزيز التبادل الثقافي: من خلال تغطية الأحداث الثقافية، يمكن للإعلام أن يعزز التفاهم بين الثقافات وبناء العلاقات بين البلدان.

طرح أفكار ومبادرات: وهو ما يتم عبرإبراز بعض الأفكار والمبادرات لتنفيذها بين البلدان، واقتراح مجالات تعاون مشترك.

2- تهديد العلاقات العربية:

إثارة الصراع وتحفيز الخلافات: قد تسهم وسائل الإعلام في بعض الأحيان في إثارة الصراع وتسليط الضوء على الاختلافات بين الدول، مما يزيد من صعوبة إيجاد أرضية مشتركة، والعمل نحو مسارات التعاون.

الدعاية والمعلومات المضللة: في بعض الحالات قد تستخدم الحكومات وسائل الإعلام للترويج للدعاية والمعلومات المضللة، من أجل التلاعب بالرأي العام وزرع الانقسام بين الدول.

التحيز في التغطيات الإعلامية: عندما تتخذ وسائل الإعلام مقاربة قومية أو متحيزة في إعداد التقارير، فإنها يمكن أن تخلق الانقسامات بين الدول وتعزز عقلية “نحن ضدهم”.

نقص التغطية لبعض الأحداث: وفي بعض الحالات قد لا تغطي وسائل الإعلام قصصاً مهمة حول التعاون بين الدول، مما يؤدي إلى نقص الوعي والتقدير لفوائد التعاون الدولي.

محددات حاكمة

يُحدد “شومان” عدداً من العوامل الرئيسية المؤثرة والحاكمة لأدوار الإعلام في العلاقات البينية العربية، وأبرزها:

1- الطبيعة غير الدقيقة والمتحيزة في التغطيات الإعلامية: وسائل الإعلام التقليدية، وربما أيضاً وسائل الإعلام الجديدة، لا تنقل الأحداث والحقائق كما وقعت بالفعل، وإنما تقوم بذلك بحسب أولويات اهتمام كل وسيلة وسياساتها التحريرية والمصالح التي تعبر عنها، حيث تخضع كل الخطابات لعمليات تدخل وتلاعب، بداية من اختيار الكلمات والمفاهيم والصور المصاحبة وزوايا التصوير ومدة عرض الصورة أو لقطة الفيديو على الشاشة وغيرها من العوامل، وبالتالي فإن ما تقدمه معظم وسائل الإعلام من تغطيات إعلامية لا يمثل الواقع بدقة وموضوعية مما قد ينتج عنه خطابات مضللة ومغايرة لما حدث في أرض الواقع.

2- تأثير أنماط الملكية والخلل في الإعلان: تؤثر أنماط الملكية لكل وسيلة إعلامية في التغطيات للأحداث المختلفة، ورسم السياسات التحريرية لوسائل الإعلام، كما أن دور المعلنين يكون مؤثراً أيضاً في مسار التغطيات.

3- دور الصحفي وأصحاب الحضور الرقمي: يُعد الصحفيون من النخب الرمزية التي تتحالف مع النخب المهيمنة على السلطة في المجتمع وتعمل في خدمتها، من خلال إنتاج وإعادة إنتاج ونشر الخطابات في المجتمع، التي تتضمن أشكالاً من التلاعب، وهو ما يجسد استخدام السلطة الخطابية، كما أن الصحفيين قد يقدمون بعض الكتابات، اعتماداً على نسخة ما من الحقائق، على النحو المحدد بشكل شخصي من قبل الصحفيين وفقاً لنموذجه العقلي.

ومع التقدم التكنولوجي، برز أصحاب الحضور الرقمي “المؤثرون” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وباتوا من “النخب الرمزية”، وفاق تأثيرهم المفكرين والمثقفين، وقد يلجأون إلى المبالغات والشائعات من أجل كسب الشهرة، بما يؤدي إلى نشر وتأجيج الخلافات.

1- ضعف أو غياب ثقافة الحوار والتوتر بين الهويات: ويمكن ملاحظة ذلك بشكل بارز في الفضاء السيبراني، في ظل عدم وجود تقاليد تسمح بالرأي والرأي الآخر، وهذا امتداد وانعكاس للثقافة السياسية السائدة، في ظل شيوع نظريات المؤامرة.

2- بنية القوانين والتشريعات العائقة لحرية التعبير: تتسم البنية التشريعية والقانونية في البلدان العربية، بالتشابه، من حيث إنها تدفع باتجاه السيطرة على حرية الرأي والتعبير، ولكن بنسب مختلفة من دولة لأخرى، كما أن بعض الدول لا تزال تهيمن على وسائل إعلام تقليدية، ولكن هذه الهيمنة تراجعت بفعل وسائل الإعلام الجديدة، وتقديم خطاب متنافس ينتجه الجمهور نفسه.

3- تشظي الجمهور والخطابات الإعلامية: لم تعد هناك سلطة للسيطرة على الأفكار المتصارعة والمتنافسة، خاصة على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل تعدد المنصات المتاحة أمام المجتمع، وهذا يفرض معوقات تتعلق بصعوبة عمل موحد للجمهور، خلافاً لما كان سائداً في وسائل الإعلام التقليدية، قبل التقدم التكنولوجي الكبير.

4- الإعلام كبديل عن أدوات أخرى للصراع: دخل الإعلام سواء التقليدي أو غير التقليدي، كإحدى أدوات الصراع بين الدول، وبالتالي له تأثيرات على مسار العلاقات العربية العربية، وتحديداً أوقات الأزمات.

اللاعبون من خارج النظام الإعلامي العربي: تؤثر وسائل الإعلام من قنوات ومنصات أجنبية، مثل (روسيا اليوم، الحرة، وقنوات إيرانية)، تبث المحتوى باللغة العربية، على ردود أفعال الإعلام العربي، وبالتالي مؤثرة على مسار العلاقات البينية العربية.

فقدان المصداقية: مع تكرار بعض الأزمات، وتحولات مواقف بعض وسائل الإعلام والصحفيين، فإن ذلك يدفع إلى فقدانها مصداقيتها أمام الجمهور.

فوضى مستمرة

وأخيراً، يرى عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية، أن المشهد الإعلامي يتسم بالفوضى، في ظل تصاعد دور وسائل التواصل الاجتماعي، ونهاية عصر وسائل الإعلام التقليدية، وتراجع سيطرة الحكومات على المشهد الإعلامي، في ظل التطور الهائل للذكاء الاصطناعي، وجمع المعلومات، وتشكيل العلاقات، وبالتالي يُرجح تكرار الأزمات وانعكاساتها عبر وسائل الإعلام.

ويؤكد أنه لا بديل عن التعلم من الأزمات السابقة، والبحث بوضوح وشفافية عن جذور الأزمة، ومساءلة الأطراف الإعلامية المسؤولة عن تصاعد الأزمات، وعدم تقديم بعض الأشخاص “كبش فداء”.