توظيف داعش:
كيف يستغل النظام الإيراني حادث كرمان؟

توظيف داعش:

كيف يستغل النظام الإيراني حادث كرمان؟



يسعى النظام الإيراني إلى توظيف الحادث الإرهابي في مدينة كرمان لتحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في تعزيز القاعدة الشعبية المؤيدة له، ورفع مستوى المشاركة في الانتخابات، وتبرير التدخلات الخارجية المستمرة، وتقليص حدة الضغوط الداخلية التي يتعرض لها، وإضفاء وجاهة خاصة على الدعم الذي يقدمه باستمرار إلى الحلفاء والوكلاء.

صحيفة “كيهان”: أمريكا وإسرائيل تنتظران انتقام جنود الحاج سليماني في كل أنحاء الدنيا

ما زالت ردود الفعل المتشددة والتهديدات بـ”الانتقام” تتوالى في إيران رداً على العملية التي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها في مدينة كرمان، خلال الاحتفال بذكرى مقتل القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، في 3 يناير الجاري. ورغم أن هذه العملية تعكس وجود خلل أمني فادح داخل إيران، بعد أن بدأت تتضح بعض المعلومات الخاصة بكيفية دخول عناصر داعش للبلاد ووصولهم إلى كرمان وقيامهم باستئجار مسكن فيها، انتظاراً لتنفيذ العملية، حيث أعلنت وزارة الأمن أنّ أحد الانتحاريين الذين قتلوا في الحادث طاجيكي الجنسية؛ فإنّ النظام بدا حريصاً على توظيف الحادث، لتحقيق أهداف ترتبط بحساباته إزاء ملفات عديدة تحظى باهتمام خاص من جانبه على المستويين الداخلي والخارجي.

أهداف عديدة

يمكن القول إن النظام الإيراني يسعى عبر توظيف الحادث الإرهابي الذي وقع في مدينة كرمان لتحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- رفع مستوى المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمانية: كان لافتاً أن النظام في إيران بدا حريصاً على الربط بين الحادث الإرهابي وانتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) التي سوف تُجرى في أول مارس القادم. وما زال النظام يبدي قلقاً ملحوظاً إزاي تدني نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات، حيث يعتبر أن مستوى المشاركة يعد مؤشراً حول مدى الشعبية التي يحظى بها على مستوى الشارع، وتماسك القاعدة التي تؤيده في مواجهة خصومه من قوى المعارضة الداخلية، في الداخل والخارج، التي يشن بعضها باستمرار حملات قوية ضد السياسات التي يتبناها النظام في التعامل مع القضايا المختلفة.

ومن هنا، فإنّ النظام تعمّد الترويج لسردية جديدة في مرحلة ما بعد وقوع العملية الإرهابية، تتعلق بأن ما يحدث يعبر عن وجود مخطط لنشر الفوضى داخل إيران، وعرقلة جهود النظام لتكريس الاستقرار على المستويين السياسي والأمني.

وكان لافتاً أنه خلال اليوم نفسه الذي وقع فيه الحادث، حرص المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي على منح الأولوية للحديث عن الانتخابات البرلمانية وأهمية المشاركة الشعبية فيها. ففي لقائه مع نخبة من المداحين (يطلق عليهم الإعلام الإيراني “الرادودين والذاكرين لمناقب أهل البيت”)، في 3 يناير الجاري، قال إن “المشاركة في الانتخابات التي سوف تتم بعد شهرين واجب، ومن يعارض الانتخابات فهو يعارض الجمهورية الإسلامية والإسلام”. وربما يكون هذا التصريح أقرب إلى “فتوى” يحاول من خلالها المرشد ضمان مشاركة عدد كبير من المواطنين في الانتخابات، بعد أن أضفى على ذلك طابعاً دينياً واضحاً.

2- تقليص حدة الضغوط الداخلية: رغم أنّ النظام الإيراني نجح في تجاوز اختبار الاحتجاحات التي اندلعت في منتصف سبتمبر 2022 واستمرت حتى بداية يناير 2023، بعد وفاة الفتاة الكردية العشرينية مهسا أميني على أيدي عناصر شرطة الأخلاق؛ إلا أنّ تبعات هذه الأزمة ما زالت قائمة، بل يمكن القول إنها قد تكون مهيأة للتجدد مرة أخرى في حالة ما إذا توافرت ظروف داخلية جديدة مواتية لها.

ومن دون شك، فإنّ ما يزيد من هذا الاحتمال هو إصرار النظام الإيراني على تبني سياسة متشددة في التعامل مع المطالب الداخلية، على نحو بدا جلياً في إقرار قانون “دعم ثقافة الحجاب والعفة” من قبل مجلس الشورى الإسلامي في 21 سبتمبر الماضي، فضلاً عن تنفيذ أحكام بالإعدام ضد بعض المحتجين الذين اتهموا بالعمل على نشر الفوضى، وتدمير الممتلكات العامة، والإفساد في الأرض.

ومن هنا فإنّ إحدى الآليات التي يستند إليها النظام في تبرير الإجراءات التي يتخذها تتعلق بالحفاظ على التماسك الداخلي، والتصدي لـ”محاولات بعض الفئات الداخلية لخدمة أهداف وحسابات أطراف خارجية”، في إشارة تحديداً إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

وبالطبع، فإنّ وقوع الحادث الإرهابي سوف يدفع النظام إلى استغلاله لإضفاء وجاهة خاصة على هذه الادعاءات، خاصةً أنه ما زال حريصاً على الربط بين داعش والدولتين، ويرى أنّ ما يقوم به التنظيم يخدم أهدافهما بشكل مباشر. وقد بدا ذلك جلياً في تصريحات قائد الحرس الثوري حسين سلامي، في 6 يناير الجاري، والتي قال فيها إنّ “العدو حاول تحويل حياة إيران كلها إلى ساحة حرب، من الغزو الاقتصادي إلى الغزو الناعم، فضلاً عن الحرب الاستخباراتية والاغتيالات والمساعي الفاشلة لعزل إيران سياسياً”.

3- تبرير التدخلات الخارجية المستمرة: يُدرك النظام الإيراني، من دون شك، دلالة التوقيت الذي قام فيه تنظيم داعش بتنفيذ عمليته في مدينة كرمان، حيث يرى أن الرسالة الأساسية التي حاول التنظيم توجيهها أنه سوف يتعقّب العمليات الخارجية الإيرانية التي كان يرمز لها قاسم سليماني الذي كان مسؤولاً عن إدارتها في دول الأزمات، قبل اغتياله في العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

ومن هنا، فإنّ النظام يسعى إلى تصدير رواية مضادة مفادها أن التدخلات الخارجية التي يقوم بها هي لمواجهة التنظيمات الإرهابية التي بات بعضها يمنح الأولوية لمواجهة “الشيعة”، التي ترمز لهم إيران، وهي المقاربة نفسها التي سبق أن تبناها المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي في عام 2015 عندما قال إن “إيران تحارب داعش في دمشق لكي لا تحاربه في طهران”.

وبالطبع، فإنّ بعض الاتجاهات سوف تعتبر أن هذه المقاربة ثبت فشلها بدليل أن تنظيم داعش استطاع اختراق الإجراءات الأمنية الإيرانية، والوصول إلى عمق الأراضي الإيرانية، وتنفيذ عمليات إرهابية داخلها، تستهدف رموزها الدينية والسياسية والعسكرية وآخرها التفجيران اللذان وقعا بالقرب من قبر سليماني في 3 يناير الجاري. لكن النظام الإيراني يرد في هذا السياق بأن الأدوار الخارجية التي قام بها حالت دون توسيع نطاق تلك العمليات الإرهابية أو ارتفاع مستواها داخل إيران، وأنها منعت التنظيم من تعزيز نشاطه في الداخل، بدليل أن عدد العمليات الإرهابية التي نفذها داخل إيران يعتبر قليلاً إذا ما قُورن بالعمليات التي يقوم بتنفيذها في دول أخرى، مثل سوريا والعراق.

4- إضفاء وجاهة على الدعم المستمر للحلفاء في الإقليم: سوف يُحاول النظام خلال المرحلة القادمة أن يستغلّ الحادث في إضفاء وجاهة خاصة على الدعم الذي يواصل تقديمه إلى الحلفاء والوكلاء في المنطقة، والذي تحول إلى محور لتجاذبات سياسية في أعقاب اندلاع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، رداً على عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها “كتائب القسام” (الذراع العسكرية لحركة حماس) في 7 أكتوبر الماضي.

وهنا، فإن النظام سوف يستند في هذا السياق إلى أن هذا الدعم جنب إيران دفع كُلفة كبيرة في حالة ما إذا تراجعت إلى داخل حدودها، باعتبار أنه مكّنها من امتلاك أوراق ضغط قوية استطاعت من خلالها ردع خصومها عن مهاجمة أراضيها، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تحديداً.

حسابات معقدة

في ضوء ذلك، يمكن القول إنّ النظام يسعى إلى تحويل الحادث الإرهابي من تحدٍّ إلى فرصة، باعتبار أنه يمكن أن يساعده في مواجهة الحملات التي تشنها قوى المعارضة الإيرانية ضده، والتي تتهمه باستنزافه الأموال الإيرانية في الإنفاق على مغامرات خارجية. لكن النظام سوف يواجه اختباراً صعباً في حالة ما إذا حاول التمادي في هذه السياسة، باعتبار أنه سوف يُضطر إلى ترجمة بعض تهديداته بـ”الانتقام” إلى خطوات إجرائية على الأرض، وهو ما يمكن أن يفرض عواقب وخيمة قد لا تتسامح بالضرورة مع حسابات إيران الحالية.