مسار محتمل:
كيف يؤثر تجنيد “فاجنر” للسجناء والنساء على أزمات المنطقة؟

مسار محتمل:

كيف يؤثر تجنيد “فاجنر” للسجناء والنساء على أزمات المنطقة؟



تواصل مجموعة “فاجنر” تجنيد مقاتلين جدد في محاولة لتوسيع نطاق عملياتها في أوكرانيا وتعويض خسائرها البشرية المتزايدة، وهو ما يمكن أن تكون له تداعيات مباشرة على بؤر الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، لا سيما في سوريا ومالي وأفريقيا الوسطى وموزمبيق ودول أخرى، في ظل الدور الذي تقوم به المجموعة داخل تلك الدول.

يبدو أن الضغوط التي تتعرض لها مجموعة “فاجنر” العسكرية الروسية سوف تدفعها إلى محاولة توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها، على غرار تجنيد السجناء والنساء في صفوفها. وفي هذا السياق، دعا مؤسس المجموعة يفغيني بريغوزين، في 22 ديسمبر الفائت، إلى إرسال سجينات للقتال في صفوف المجموعة في أوكرانيا، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول دلالات تجنيد النساء والسجناء في صفوف “فاجنر” في هذا التوقيت وانعكاسات ذلك على منطقة الشرق الأوسط.

دلالات عديدة

يطرح توجه مجموعة “فاجنر” نحو تجنيد النساء والسجناء في صفوفها مجموعة من الدلالات التي تتمثل في:

1- تصاعد الدور في الحرب الأوكرانية: أشارت صحيفة “بوليتيكو” politico إلى قلق أمريكي من أن تصبح “فاجنر” القوة العسكرية الروسية المهيمنة في الجزء الشرقي من أوكرانيا، حيث تولت المجموعة قيادة بعض العمليات الروسية في أجزاء من منطقة دونباس، وقامت روسيا بتوفير موارد هائلة في عملياتها العسكرية بالمدينة، ولذلك فهي تواصل تجنيد مقاتلين جدد في محاولة لزيادة قواتها وتوسيع نطاق عملياتها في المنطقة.

2- توسع المجموعة في عملية التعبئة: اتجهت “فاجنر” إلى تخفيض معايير التجنيد وتوظيف أفراد كانوا مدرجين على ما تطلق عليه “القوائم السوداء”. وقد أكدت تقارير عديدة أن المجموعة جندت خلال الشهور الأخيرة سجناء ذكوراً بشكل جماعي من السجون الروسية للقتال في الخطوط الأمامية في أوكرانيا مقابل وعود بخفض أحكامهم وتقديم رواتب مغرية.

وأشارت تقارير أخرى إلى رواتب عالية تبلغ حوالي 200 ألف روبل (2800 دولار) كل ستة أشهر من الخدمة العسكرية. في حين كشفت أولجا رومانوف رئيسة مجموعة الدفاع عن السجناء، في أكتوبر الماضي، أن المجموعة أرسلت ما لا يقل عن 20 ألف سجين للقتال في أوكرانيا.

3- تحول في العقيدة العسكرية لـ”فاجنر”: تعتمد “فاجنر” في نشاطها وتجنيد عناصرها على العمل السري، لكن عندما تصدر عنها تصريحات وإعلانات بالتجنيد، فإن ذلك يعني تحولاً كبيراً في طريقة عملها. ففي أغسطس الماضي، نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية تقريراً سلط الضوء على أن “فاجنر” نشرت لوحات إعلانية في مدينة إيكاترينبورغ الواقعة في جبال الأورال، تدعو مقاتلين إلى الالتحاق بصفوفها، وقد اعتبرت الدعوة العلنية إلى التجنيد في صفوف “فاجنر” بمثابة تحول بارز في عملها، منذ أن شنت موسكو الحرب، وهو ما يشير إلى تحول عمل “فاجنر” من منظمة سرية للمرتزقة إلى توسع علني متزايد للجهود العسكرية الروسية في أوكرانيا.

4- تعويض الخسائر في أوكرانيا: يبدو أن “فاجنر” تكبدت خسائر فادحة تدفعها إلى التجنيد أينما تستطيع. وقد أشار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، في سبتمبر الماضي، إلى أن بلاده خسرت حوالي 5973 جندياً منذ بدء الحرب، فيما تكشف تقديرات وزارة الدفاع الأوكرانية أن الجيش الروسي فقد 99740 جندياً منذ بدء الحرب في فبراير 2022.

ويقول الخبراء أن اعتماد الكرملين على الأساليب غير التقليدية لمواصلة القتال في أوكرانيا أمر مقلق بالنسبة لروسيا، فلم يعد لها جيش محترف بالمعنى التقليدي، وهو الآن مكون من بعض الوحدات المهنية، ممزوج بالمرتزقة والسجناء وجنود متعاقدين بأجر قصير الأجل.

5- إنقاذ السمعة والصورة العسكرية: دائماً ما تسعى “فاجنر” للترويج إلى قوة وخبرة عناصرها. إلا أن تعثر القوات الروسية والمرتزقة على حد سواء في أوكرانيا بات يهدد سمعة هذا الجيش الخاص الذي يخشى قادته أن تتضاءل في جميع أنحاء العالم. ومن هنا، بذلت “فاجنر” جهوداً من أجل تجنيد عناصر جديدة في بعض الدول مثل قرغيزستان، لكنها لم تحقق نتائج بارزة، حيث استقطبت عدداً محدوداً من القرغيز.

انعكاسات متوقعة

من المتوقع أن ينعكس توجه “فاجنر” نحو تجنيد السجناء والنساء على بعض الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي:

1- تقليص وجود “فاجنر” في بعض الأزمات: ربما تساهم محاولات موسكو الأخيرة للتجنيد في سد بعض الثغرات على المدى القصير، لكنها لن تحقق الكثير فيما يتعلق بمعالجة النقص “الخطير” في القوة البشرية، وهو ما قد يدفع المجموعة إلى تقليص وجودها وتخفيض عدد عناصرها المنخرطين في عمليات عسكرية في دول مثل سوريا وليبيا وأيضاً في منطقة الساحل الأفريقي. ومن دون شك، فإن ذلك سوف يفرض ارتدادات مباشرة في هذه الأزمات، لا سيما أن “فاجنر” تشكل جزءاً من المعادلة العسكرية والسياسية في بعض الدول، خاصة في مالي وأفريقيا الوسطى.

2- تنامي عملية تجنيد العرب والأفارقة: أشارت تقارير عديدة إلى أن مجموعة “فاجنر” تقوم بتجنيد سجناء من أفريقيا الوسطى للقتال في أوكرانيا، في حين كشفت تقارير أخرى أن المجموعة تقوم بتجنيد القتلة من بعض السجون الأفريقية، لا سيما في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث تطلق سراحهم وتقوم بإرسالهم إلى دونباس بأوكرانيا.

وقد اعترفت “فاجنر”، في 14 نوفمبر الماضي، وعلى لسان بريغوزين، بمقتل طالب من الجنسية الزامبية تم تجنيده في السجن، على الجبهة في أوكرانيا، بعد أسبوعين من قيام لوساكا بمطالبة موسكو بإيضاحات بشأن ملابسات مقتل مواطنها. وبحسب الحكومة الزامبية، كان ميخاني ناثان نيريندا طالباً في معهد موسكو للهندسة الفيزيائية، وحكمت السلطات الروسية عليه بالسجن بعد إدانته بخرق القانون في أبريل 2020.

3- استمرار الحرب وتداعياتها على المنطقة: يكشف تجنيد السجناء والنساء في مجموعة “فاجنر” أن الحرب الروسية-الأوكرانية لن تشهد تسوية قريبة، خاصة في ظل تزايد انخراط العديد من الدول الغربية فيها عبر تقديم دعم عسكري نوعي لأوكرانيا، في الوقت الذي تستعين روسيا بأطراف أخرى مثل إيران و”فاجنر”، حيث تقوم الأولى بتوفير الطائرات من دون طيار التي تستخدمها موسكو في استهداف البنية التحتية الأوكرانية، في حين تتولى الثانية تجنيد عناصر للمشاركة في المواجهات العسكرية.

وربما تكون لذلك ارتدادات مباشرة على بعض أزمات المنطقة، لا سيما سوريا، خاصة في ظل تصاعد قلق إسرائيل إزاء الدعم العسكري الإيراني لروسيا في أوكرانيا، الذي ترى أن طهران تسعى من خلاله إلى تعزيز موقعها داخل سوريا، وهو ما تحاول تل أبيب الرد عليه عبر استهداف الوجود العسكري الإيراني في سوريا.

4- تزايد الانخراط في التجارة غير الشرعية: تنفق “فاجنر”، حسب بعض التقديرات، أكثر من 100 مليون دولار شهرياً لتمويل عملياتها داخل أوكرانيا، ومن ثم فهي بحاجة إلى زيادة انخراطها الاقتصادي في بؤر الصراعات والمناطق الهشة. فعلى سبيل المثال، حصلت “فاجنر” على نسبة 78% من أسهم الشركة الوطنية المسئولة عن تعدين الذهب وتكريره “مارينا غولد” MARENAGOLD في مالي، وتعمل على التمركز في مناطق الشمال والوسط المالي الغنية بالثروات والمعادن.

وقد سعت المجموعة أيضاً للتمركز في شمال موزمبيق، ونشرت حوالي 160 مقاتلاً في منطقة كابو ديلجادو الغنية بالغاز. فضلاً عن انخراطها في عمليات التهريب والتجارة غير الشرعية في الساحل الأفريقي، حيث اتجهت لتأسيس العديد من الشركات لغسل الأموال، لا سيما من تهريب الذهب والألماس في أفريقيا الوسطى.

تراجع الدور

في المجمل، من المتوقع أن ينعكس توجه “فاجنر” نحو تجنيد السجناء والنساء على منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما مع تزايد احتمال تقليص وجودها العسكري في المنطقة ومناطق التماس لمواجهة الخسائر في صفوف قواتها في أوكرانيا. ومع ذلك، قد يستغرق هذا المسار فترة غير قصيرة، خاصة في ظل الدور الذي تقوم به المجموعة داخل دول الأزمات، والذي من شأن إجراء تغييرات بارزة فيه الإخلال بتوازنات القوى السياسية والعسكرية، على نحو قد لا يتوافق مع مصالح قوى إقليمية ودولية عديدة.