نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 20 يونيو 2023، جلسة استماع بعنوان “تحركات استباقية: كيف واجهت المملكة المغربية تهديدات التنظيمات الإرهابية؟”، واستضاف المركز الأستاذ محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ حسين معلوم، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ محمد الفقي، والدكتور هيثم عمران، والأستاذ محمد عمر، والأستاذة نادين مهدي.
ركائز رئيسية
يشير “بنحمو” إلى أن المغرب يواجه تهديدات معقدة ومركبة، تتعلق بحالة الفوضى في العالم منذ انهيار حائط برلين، وما أعقبه من حالة فوضى في النظام الدولي، والمرحلة الحالية تعد مرحلة انتقالية لنظام دولي جديد متعدد الأقطاب، وأحد مظاهر التهديدات ظهور الحروب الهجينة، كما أن ثمة تهديدات ناشئة تتصل بالمحيط الإقليمي، سواء بالعمق في منطقة الساحل والصحراء، أو اتصالاً بالأزمات في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، إضافة للوجهة “الأطلسية”، والانفتاح على الأمريكتين، ولهذا تداعيات على نشاط الجريمة الدولية المنظمة العابرة للحدود.
ويرى أنه في ظل تعدد مستويات التهديدات التي تواجه المغرب، فإنها اتجهت إلى تبني استراتيجية متعددة الأبعاد والأوجه لمكافحة الإرهاب، والتي أسهمت في نتائج إيجابية، ووفرت حماية للمغرب وجعلته بمنأى عن العديد من العمليات الإرهابية، وتستند إلى عدد من الركائز، أبرزها:
1- تفكيك خطاب التطرف في المملكة: أمام تهديد متطرف مرتبط بالجانب الروحي للمغاربة، من حيث انتشار أفكار التطرف، فإن الاستراتيجية ركزت على مواجهة هذا الفكر من خلال هيكلة الحقل الديني، أو إعادة تأطيره، من خلال الاشتغال على إنهاء الفوضى في دور العبادة، وإزالة العشوائية المرتبطة بدور العبادة وإغلاق دور العبادة غير المرخصة، والتي لا تتوفر فيها شروط استقبال المواطنين.
كما أن الدولة اهتمت بتأهيل الأئمة، وفق العديد من المعطيات الحديثة، خاصة مع الانفتاح على العالم وثقافاته، والتركيز في عمليات التأهيل على الانفتاح على النص الديني بعيداً عن التكفير وعدم احترام الآخر، وكان لقناة محمد السادس للقرآن دور مهم في تفكيك خطاب التطرف.
2- إطلاق برامج التنمية المجتمعية: هناك ركيزة اقتصادية واجتماعية في استراتيجية مكافحة التطرف، خاصة أن التطرف يسعى لأن يجد مكاناً وسط الهشاشة والفراغ، إذ إنه من بين الجوانب التي تستغلها الجماعات المتطرفة هي الفراغات التي تعرفها المناطق الهشة اجتماعياً واقتصادياً، التي تعيش حالة من الفقر والعزلة وغياب التنمية، وغياب الفرص للشباب، ولذلك أطلقت الدولة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وحققت تلك المبادرةنجاحاً كبيراً لأنها جاءت بفكر لمواجهة الأسلوب الذي يستغله المتطرفون لاستقطاب بعض الأنصار الجدد، وبذلك تعطي فرصاً للشباب والمنتمين لهذه المناطق المنعزلة أو الفقيرة، لإقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة.
كما أن هناك مشروع مؤسسات الجهوية الموسعة، وتمثيل الجهويات، وهو مشروع يعطي الصلاحية في الاختصاصات الكبيرة، بهدف بناء مجال ترابي منسجم مع مخططات التنمية.
3- تعزيز قيم المواطنة والمساواة: ركزت الاستراتيجية المغربية أيضاً على الاهتمام بالجانب التربوي والثقافي والإعلامي، لتعزيز قيم المواطنة وتأسيس المساواة، من خلال الجانب التربوي، بتنقية الكتب المدرسية لتعزيز قبول الآخر، إضافة للتركيز على الجانب الثقافي والإعلامي، لإبعاد المتطرفين عن إشاعة أفكارهم بطرق ميسرة.
كما منحت الدولة دوراً للمجتمع المدني النشط، وهو ما كان له دور في مواجهة التيارات الإسلاموية، خاصة وأن منظمات المجتمع المدني تمثل الأطراف التقدمية، وكان لها دور في تحركات على الأرض لمواجهة تلك التيارات، من خلال قدرتها على حشد المغاربة في الدار البيضاء، لمواجهة حشد التيارات الإسلاموية في الرباط.
4- تنفيذ ضربات أمنية استباقية: يعد البعد الأمني أحد الجوانب الأساسية في استراتيجية مكافحة الإرهاب، ولكنه ليس الوحيد، واتجهت الأجهزة الأمنية إلى إعادة بناء التعاون الداخلي بين كافة الأجهزة الأمنية في الدولية، الذي كان قائماً بالفعل، ولكن الهدف هو العمل في إطار من التناغم، خاصة على مستوى تحليل المعلومات الأمنية والاستخباراتية، وتطويرها إلى معلومات استخباراتية عملياتية، وبلورة الرد المناسب في الزمن والمكان المناسبين.
ويمكن ملاحظة الضربات الأمنية الاستباقية التي نفذتها الأجهزة الأمنية خلال السنوات الفائتة، إذ بلغ عدد الخلايا التي تم تفكيكها نحو ألفي خلية، بعدد أفراد نحو 3800، وهؤلاء مشتبه بضلوعهم في تلك الخلايا.
5- تحديث قدرات الأجهزة الأمنية: اتجهت الدولة إلى مرحلة تحديث كبيرة في قدرات ووسائل الأجهزة الأمنية، من خلال مرحلة خبرة للفاعلين في المجال الأمني، وتزويدهم بجميع الوسائل التي تؤمن عملهم.
وهذا لا يتوقف فقط على مكافحة الإرهاب، وإنما يمتد إلى طبيعة التهديدات المتعلقة بالمحيط الجغرافي الإقليمي، خاصة على مستوىمواجهة الجريمة الدولية العابرة للحدود، وهناك تعاون وترابط بين الإرهاب والجريمة المنظمة، مثل تهريب الأسلحة والمخدرات وكذلك شبكات الهجرة غير الشرعية.
6- زيادة التعاون الإقليمي والدولي: تمكنت المغرب من بلورة وعي مبكر بضرورة التعاون مع مختلف الأجهزة الأمنية الإقليمية والدولية،وهناك انفتاح كبير على التعاون الدوليمع إسبانيا والولايات المتحدة، وتمكين الأجهزة الأمنية الأوروبية من معلومات أبعدت مخاطر محدقة، في باريس أو ألمانيا وبلجيكا، إضافة إلى التعاون في المحيط الإقليمي على مستوى الدول الأفريقية.
وكانت مناورات الأسد الأفريقية في المغرب في دورتها الـ 19 أبرز مثال على التعاون الدولي والإقليمي، بمشاركة أكثر 6 آلاف جندي، وتركز المناورات على مواجهة الإرهاب، مع التأكيد على أن العلاقات المغربية الخارجية تقوم اليوم أكثر على تنويع الشراكات، فهناك علاقات استراتيجية مع أمريكا وأوروبا، كما أن هناك انفتاحاً على التعاون مع الصين وروسيا.
تحديات عميقة
رغم إقرار “بنحمو” بنجاحات الاستراتيجية المغربية لمكافحة الإرهاب خلال السنوات الماضية، إلا أنه يتطرق إلى عدد من التحديات الأمنية البارزة التي تحتاج إلى مواصلة العمل للحد من تأثيراتها وتداعياتها على الأمن المغربي خلال الفترة المقبلة، وأبرزها:
1- انعكاسات توتر العلاقات مع الجزائر: تشكل العلاقات المغربية الجزائرية حجر عثرة أمام بناء استراتيجية إقليمية لمواجهة التهديدات الإرهابية والأمنية، إذ لا يمكن إجراء علاقات طبيعية مع الأشقاء في الجزائر، لأن لهم خياراتهم. نتمنى أن تتطور العلاقات إلى الأفضل لأننا نواجه نفس التهديدات، إذ إن الخلاف تستفيد منه أطراف أخرى.
ورغم صعوبة بناء استراتيجية إقليمية، فإن المغرب يدعم الدول في المحيط الجغرافي، مثل النيجر ومالي وتونس، إذ لعب المغرب دوراً كبيراً في استقبال عدد كبير من العسكريين من هذه الدول للدراسة في الأكاديميات العسكرية المغربية، كما أن هناك تعاوناً استخباراتياً وتبادل معلومات. في المقابل، فإن هناك موتاً سريرياً للاتحاد المغاربي، في ظل أن إمكانية التعاون غير مواتية. وربما الأوضاع التي تعيشها تونس اليوم تعطل هذا التعاون، خاصة في ظل الانشغال بأولويات وتحديات داخلية، وتجعلها تتجه نحو الأقرب وليس الأبعد.
2- تأثيرات استمرار ملف الصحراء: يمثل استمرار ملف الصحراء أزمة كبيرة في ظل عودة العديد من المقاتلين من مناطق الصراع، خاصة أن عدد المقاتلين الذين خرجوا من دول الجوار للمغرب إلى سوريا والعراق بلغ بضعة آلاف، وهناك من عاد إلى منطقة الساحل الأفريقي، وبالتالي فإن استمرار هذا النزاع الإقليمي المفتعل على ملف الصحراء، يفسح مجالاً لاستمرار التهديد الإرهابي.
إذ إن هناك تقاطعاً بين المنتسبين لـ”البوليساريو” والتنظيمات الإرهابية، مثل أبو الوليد الصحراوي، كما أن تلك المنطقة تشكل تهديداً على مستوى استغلال شبكات الجريمة المنظمة الدولية للشباب الذين يتحدثون الإسبانية للعمل في تجارة المخدرات، ورغم التهديد القائم فإن الأجهزة الأمنية المغربية تتمتع بيقظة كبيرة، وحاضرة بقوة على هذه المستويات.
3- تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية: فرضت الحرب في أوكرانيا تداعيات مستقبلية على أمن منطقة الساحل، وبالتبعية التهديدات بالنسبة للمغرب، خاصة وأن طرفي الأزمة يستغلان عناصر مسلحة وتوظيفهم في الحرب، وعند انتهاء الحرب، التي لا يتوقع أن تنتهي خلال العام الجاري، ماذا سيكون مصير تلك العناصر؟ وهذا السؤال هو الجوهري الآن.
إذ يمكن أن تنتقل تلك العناصر إلى منطقة الساحل، وبالتالي زيادة حجم التهديدات في تلك المنطقة، عقب انتهاء الحرب، خاصة مع نشاط لمجموعة “فاغنر” في مالي على سبيل المثال.
4- عرقلة الهشاشة الأمنية للاستثمارات: يعد المغرب ثاني أكبر دولة أفريقية من حيث الاستثمارات داخل القارة، وهي أول دولة أفريقية في الاستثمارات بمنطقة الساحل، والحالة الأمنية تؤثر سلباً على الاستثمارات بشكل عام في القارة، وهناك تعاون بين المغرب وعدد من دول الجوار الجغرافي، ولكن الوضع الهش داخل بعض دول الساحل له تأثيراته.
وهناك مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي، وسيربط بين القارة الأفريقية والقارة الأوروبية، ويمر عبر13 بلداً، وسيغير وجه هذه الدول. وهو مشروع بحاجة إلى تأمين، لكي يعود بالنفع على ساكني هذه المنطقة، ولكن هذا المشروع على قدر أهميته فإنه يحتاج إلى ترتيبات أمنية بين مختلف الدول.
5- صعوبة بلورة حلول أفريقية: تدفع المغرب إلى ضرورة تبني حلول أفريقية للمشكلات في أفريقيا، من خلال التعاون مع مختلف الدول، دون الحاجة إلى حلول خارجية، من أطراف كانت مستعمرة للدول الأفريقية سابقاً، ولكن يبدو أن هذا الطرح ينطوي على صعوبة، خاصة في ظل حالة الهشاشة داخل بعض الدول.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المغرب يواصل دعم كافة الدول لفرض الأمن والاستقرار في القارة الأفريقية، إذ يعيش في منطقة الساحل نحو 500 مليون فرد، وتشارك القوات المغربية بفاعلية ضمن قوات حفظ السلام الأممية.
تنويع الشراكات
ويقر “بنحمو” بأن المغرب رغم علاقاته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، التي تتسم بالقوة والاستمرارية والثقة، في ظل خارطة طريق أمنية بين البلدين لعام 2030، إلا أن المغرب يهتم بتنويع الشراكات الأمنية والعسكرية، خاصة في ظل اتجاه إلى التصنيع العسكري المحلي، والتصدير لاحقاً.
ويرى أن الاهتمام الأمريكي الكبير بالمغرب يرتبط برغبة أمريكية حثيثة بالحصول على قاعدة عسكرية في المغرب، إذ إن أمريكا تستثمر في شريك استراتيجي بتلك المنطقة.
وساد اتجاه في النقاش حول إمكانية أن يكون التطبيع المغربي مع إسرائيل محفزاً لنشاط الفكر المتطرف في المغرب، إلا أن “بنحمو” استبعد هذا الأمر خلال الفترة المقبلة، وتأثيرات هذه القضية على التطرف، مع التأكيد على موقف المغرب الثابت من دعم القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس الشرقية.