أولوية المصالح:
كيف كانت قضايا الشرق الأوسط حاضرة في مؤتمر ميونيخ؟

أولوية المصالح:

كيف كانت قضايا الشرق الأوسط حاضرة في مؤتمر ميونيخ؟



رغم أن الأزمة الأوكرانية حازت على الاهتمام الأكبر في المناقشات التي جرت خلال الدورة الثامنة والخمسين لمؤتمر ميونيخ للأمن، التي عقدت في الفترة من ١٨ إلى ٢٠ فبراير الجاري، وركزت على مناقشة أهم القضايا والمستجدات التي تهدد السلام والأمن الدوليين؛ فإن قضايا وأزمات منطقة الشرق الأوسط كانت حاضرة خلال النقاشات واللقاءات التي عقدت على هامش الجلسات، ولا سيما ما يتعلق بفرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وكيفية التعامل مع الدور الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة. ومن دون شك، فإن ذلك يعود في المقام الأول إلى أن الدول المشاركة في المؤتمر معنية بشكل كبير بالتداعيات التي تفرضها تلك الأزمات على أمنها ومصالحها، وترى أن هذه المنتديات قد توفر فرصة لتقليص مساحة الخلافات أو تعزيز الجهود التي تُبذل للوصول إلى تسويات سياسية لها.

مؤشرات عديدة

تكشف متابعة تصريحات ومداخلات المشاركين في جلسات المؤتمر، واللقاءات المتعددة التي عقدها المسئولون على هامش تلك الجلسات، عن تصدر بعض قضايا وأزمات منطقة الشرق الأوسط اهتمام المسئولين العرب والأجانب المشاركين في المؤتمر. وقد كان لافتاً أن رئيس المؤتمر فولفجانج اشينجر أكد، في 18 فبراير الجاري، على أن “السنوات الماضية شهدت سلسلة كاملة من الأزمات، مثل الأزمة الاقتصادية العالمية، والربيع العربي، والصراعات العنيفة في ليبيا وسوريا، وضم روسيا غير القانوني لشبه جزيرة القرم، وذلك إلى جانب الأوقات المضطربة التي مرت بها الشراكة عبر الأطلسي”، مضيفاً أن “الأزمات أصبحت بوجه عام أكثر حدة وعدداً، وأن العديد من الموضوعات أصبحت قضايا أمنية، مثل تغير المناخ وعواقبه”. وقد بدا الاهتمام بمناقشة تلك القضايا جلياً في مؤشرات عديدة يتمثل أبرزها في:

١- استمرار الخلافات حول الاتفاق النووي: استغل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مشاركته في المؤتمر لتوضيح السياسة الجديدة التي تتبناها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي تجاه العديد من الملفات والأزمات الإقليمية، مع التركيز على ضرورة رفع العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على إيران، وتطورات الموقف في مفاوضات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥. وقد ركزت مشاركة عبد اللهيان على إظهار أن إيران هي الطرف الذي تكبد خسائر فادحة بسبب انسحاب الولايات المتحدة بصورة أحادية من الاتفاق في 18 مايو ٢٠١٨. وقد دعا الوزير الإيراني خلال لقاءاته مع وزراء خارجية العديد من الدول الأوروبية، على هامش مشاركته بالمؤتمر، هذه الدول وغيرها إلى مراعاة “الخطوط الحمراء” الإيرانية، وممارسة دور فاعل فيما أطلق عليه “الحقوق المشروعة لإيران”.

وعلى الرغم من تزايد المؤشرات التي تكشف عن قرب التوصل لاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني يتم بموجبه عودة إيران إلى التزاماتها في الاتفاق مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية، فإنه لا تزال هناك الكثير من المخاوف الغربية من تداعيات تنصل طهران من التزاماتها النووية في أعقاب انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق، وهو ما عبر عنه المستشار الألماني أولاف شولتز، الذي انتقد طهران خلال مشاركته في المؤتمر لإمعانها في رفع مستوى تخصيب اليورانيوم، وتقييد عمليات التفتيش التي يقوم بها مفتشون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

2-التحذيرات الإسرائيلية من التحركات الإيرانية: حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، خلال خطاب أمام مؤتمر ميونيخ، من “تصاعد العدوان الإيراني”، ودعا إلى ضرورة اتخاذ جميع الخطوات المطلوبة في حال التوصل إلى اتفاق مع إيران لضمان عدم تحولها إلى دولة نووية، عبر مراقبة عمليات تخصيب إيران لليورانيوم، ومنع تطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس حربية نووية. وقد قال في هذا السياق إن إسرائيل “لن تقبل أبداً أن تصبح إيران دولة نووية”. وركز اجتماع غانتس مع نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، على هامش مشاركتهما في المؤتمر، على القدرات النووية لإيران وتهديداتها الإقليمية.

وعلى الرغم من مخاوف وزير الدفاع الإسرائيلي من تحول إيران إلى دولة نووية، فإنه يعد أحد المسئولين الأكثر تأييداً للاتفاق النووي لعام ٢٠١٥ داخل الحكومة الإسرائيلية، رغم العديد من الضغوط التي تمارسها إسرائيل على الولايات المتحدة لتبني نهج أكثر تشدداً في التعامل مع إيران. ومثل الكثير من المسئولين بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، يعتقد غانتس أن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي هي الخيار الأقل سوءاً، وستخدم مصالح إسرائيل أكثر من الوضع الحالي، الذي لا تتعرض فيه الأنشطة النووية الإيرانية لقيود صارمة.

٣- عودة الاهتمام بتطورات القضية الفلسطينية: في الوقت الذي تزايد فيه انشغال دول الإقليم والقوى الكبرى بالقضايا الداخلية التي تفاقمت تأثيراتها في ظل استمرار جائحة كوفيد-١٩، عاد الحديث مجدداً عن القضية الفلسطينية، مع التركيز على أن استمرارها دون تسوية يعزز من مناخ عدم الاستقرار في المنطقة ويدعم التوجهات المتشددة. وكان لافتاً أن وزراء خارجية كل من مصر والأردن وألمانيا وفرنسا عقدوا اجتماعاً على هامش المؤتمر، في 19 فبراير الجاري، من أجل مواصلة التنسيق والتشاور بهدف دفع عملية السلام في الشرق الأوسط نحو سلام عادل وشامل ودائم على أساس حل الدولتين. وأكد الوزراء في بيان عقب الاجتماع، التزامهم بدعم جميع الجهود لتحقيق سلام عادل ودائم وشامل يحقق الحقوق المشروعة لجميع الأطراف على أساس حل الدولتين، وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والمحددات المتفق عليها، بما في ذلك مبادرة السلام العربية.

4- التركيز على تداعيات استمرار الأزمة اليمنية: ركز وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على أن الدعم الذي تقدمه إيران إلى المليشيا الحوثية المتمردة، حيث تزودها بصواريخ باليستية وأجزاء من الطائرات المسيرة بالإضافة إلى أسلحة تقليدية، وهو ما تنفيه طهران والحوثيون؛ لا يساهم في إيجاد تسوية للأزمة اليمنية، التي تتفاقم مع عرقلة الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في اليمن، وهو ما يمكن أن يفرض تداعيات إنسانية وأمنية واقتصادية عديدة على المنطقة كلها.

الملف الأبرز

تُشير المناقشات واللقاءات التي جرت خلال مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن إلى أن القوى الدولية، في ظل انشغالها بالأزمة الأوكرانية، وتداعيات التصعيد العسكري الروسي على الأمن الأوروبي، ما زالت مهتمة بتقييم فرص إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، ومنع طهران من أن تصبح قوة نووية، باعتبارها القضية الأهم في المنطقة، مع تراجع الحديث عن العديد من الأزمات والحروب الأهلية التي تشهدها الأخيرة، والتي تهدد أمنها واستقرارها، وستكون لها تداعيات ربما لا تقل عن التهديدات التي يفرضها استمرار تصاعد حدة الأزمة الأوكرانية دون تسويتها.