جهود مستمرة:
كيف عكست جولة كوريلا الرؤية الأمريكية لقضايا الشرق الأوسط؟

جهود مستمرة:

كيف عكست جولة كوريلا الرؤية الأمريكية لقضايا الشرق الأوسط؟



قام قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا، الذي تولى منصبه في بداية أبريل الماضي خلفاً للجنرال كينيث ماكينزي، بزيارة لعددٍ من دول منطقة الشرق الأوسط، بداية من ٧ مايو الجاري، هى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والكويت ولبنان ومصر والأردن وإسرائيل. وتأتي تلك الزيارة في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية مع بعض دول المنطقة بعض التوتر على خلفية التباين في التعامل مع تطورات الأزمة الأوكرانية، وإصرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على إبرام صفقة مع إيران حول الاتفاق النووي لا تستوعب كل القضايا الخلافية العالقة بين إيران وهذه الدول، على غرار التدخلات الإقليمية وبرنامج الصواريخ الباليستية.

رسائل متعددة

ركزت جولة قائد القيادة المركزية الأمريكية ولقاءاته المتعددة مع العديد من المسئولين السياسيين والأمنيين والعسكريين في الدول التي قام بزيارتها على توضيح رؤية واشنطن لكيفية التعامل مع التهديدات التي تؤثر على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من تأكيده على أن الهدف من تلك الجولة هو الاستماع إلى رؤى تلك الدول إزاء الملفات المختلفة. وتتمثل أبرز الرسائل التي حملتها جولة كوريلا فيما يلي:

1- تأكيد استمرار الالتزام الأمريكي بأمن المنطقة: أبدى بعض شركاء الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط قلقاً إزاء استمرار الالتزام الأمريكي طويل الأمد تجاه أمن واستقرار المنطقة، ولا سيما في أعقاب عملية الانسحاب من أفغانستان في ٣١ أغسطس من العام الفائت قبل حلول الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر ٢٠٠١، والانشغال الأمريكي بأمن الحلفاء الأوروبيين في ظل استمرار العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي بدأت في ٢٤ فبراير الماضي، بالتوازي مع تشكيل تحالف آسيوي لاحتواء الصين. ومن هنا، فإن جولة كوريلا تضمنت تطمينات بأن الولايات المتحدة الأمريكية لديها التزام ثابت وصارم بالأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، قال قائد القيادة المركزية الأمريكية: “لقد كنا ولا نزال ملتزمين بالشرق الأوسط”. وقد شدد على التزامه بتطوير برنامج دفاع جوي وصاروخي متكامل في جميع أنحائها لمواجهة أي محاولات لزعزعة أمن واستقرار المنطقة ودولها، ولا سيما مع التطور المستمر في وسائل تهديد المليشيات المسلحة لدول الشرق الأوسط.

2- مواجهة التهديدات المستمرة للمليشيات: يرى قائد القيادة المركزية الأمريكية أن الهجمات التي تشنها مليشيا الحوثي لا تهدد دول المنطقة فحسب، وإنما تعرض العسكريين الأمريكيين والمصالح الأمريكية والأمن الإقليمي للخطر. ولذلك شدد كوريلا على ضرورة وقف تدفق الأسلحة للمليشيا المتمردة وخاصة من جانب إيران، وتعزيز الجهود لاعتراض تدفق الذخائر التقليدية القادمة إليها عن طريق البحر، من خلال تكثيف عمليات مكافحة التهريب بالتعاون مع دول المنطقة.

3- تأمين الممرات البحرية في الشرق الأوسط: في وقت تعمل واشنطن على استقرار أسعار النفط في الأسواق العالمية بعد أن شهدت ارتفاعات غير مسبوقة في أعقاب العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وضمان استمرار تدفق النفط من المنطقة، واستمرار سلاسل الإمداد التي تواجه أزمات متعددة منذ بداية جائحة كوفيد-١٩؛ أكد قائد القيادة المركزية الأمريكية على أهمية الممرات المائية في الشرق الأوسط، مثل قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز، باعتبارها طرق عبور رئيسية للطاقة والتجارة. ولهذا، شدد على أن الحفاظ على ممرات مائية آمنة ومأمونة هى مسئولية حاسمة للولايات المتحدة الأمريكية وشركائها.

4- دعم القوات المسلحة اللبنانية: أكد الجنرال كوريلا، خلال زيارته لبيروت، على الالتزام الأمريكي بدعم القوات المسلحة اللبنانية لكونها العمود الفقري لأمن لبنان واستقراره وسيادته. وقد سبق أن شدد خلال جلسة استماع له بلجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ، في ٨ فبراير الماضي، قبل تصديق المجلس على توليه المنصب، على أهمية الشراكة الأمريكية مع الجيش اللبناني لكونه المؤسسة الدفاعية الأكثر موثوقية لخدمة جميع الطوائف اللبنانية، وتوفير الأمن داخل الدولة، وذكر أن تلك الشراكة ستمكن الجيش اللبناني، الذي يعمل على حماية المعدات العسكرية الأمريكية التي يحصل عليها، من مواجهة نفوذ حزب الله والمساعي الإيرانية والروسية والصينية لتعزيز حضور خصوم واشنطن في لبنان. ومن هنا، أثنى كوريلا، خلال لقائه بقائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون، على أهمية الدور الذي قامت به القوات المسلحة اللبنانية في توفير الأمن للانتخابات التي أجريت في 15 مايو الجاري، مشيراً إلى أنه كان دوراً حاسماً للعملية الانتخابية.

5- التعاون مع الدول العربية في مواجهة الإرهاب: أكدت لقاءات قائد القيادة المركزية الأمريكية على الدعم الأمريكي للدول العربية في جهودها لمكافحة الإرهاب باعتباره التحدي المشترك الأخطر الذي تواجهه المنطقة ويهدد الأمن الإقليمي، ولا سيما بعد انتقال دور التحالف الدولي ضد الإرهاب من مرحلة مواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي بعد النجاح في القضاء عليه إلى مرحلة المساعدة في بناء القدرات العسكرية لبعض الدول التي تنشط التنظيمات الإرهابية على أراضيها وتقديم المشورة والدعم العسكري، وذلك لمنع عودة ظهور التنظيمات الإرهابية مرة ثانية، ولا سيما تنظيم “داعش” بعد فقدانه السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي التي كان يسيطر عليها في السابق في العراق وسوريا، وتهديد أمن دول المنطقة واستقرارها.

6- تعزيز الجهود الأمريكية لردع إيران: ما زالت القيادة المركزية الأمريكية تؤكد أنها تولي أهمية خاصة لمواجهة الأعمال المزعزعة للاستقرار والتصعيد التي تقوم بها إيران، والتي ترى أنها تشكل تهديداً لواشنطن وشركائها الإقليميين. ولذلك أكّد كوريلا، الذي قال خلال جلسة الاستماع قبل التصديق على توليه المنصب، أن طهران هى المصدر الأول لزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي بسلوكها الخبيث. وخلال جولته الشرق أوسطية، أشار إلى أن مواجهة التهديد الإيراني تتطلب تعاوناً إقليمياً وجهداً حازماً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها، وأن القيادة المركزية ملتزمة بهدف ردع إيران، خاصة أن المخاوف الأمريكية بشأن إيران تتجاوز قدراتها النووية. وقد سبق أن حذر من تخفيف العقوبات الأمريكية على طهران لأنها قد تستخدم بعض الأموال ‏المفرج عنها في دعم التنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة الموالية لها في المنطقة مما يزيد المخاطر على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط.

7- توسيع نطاق التنسيق العسكري مع إسرائيل: تضمنت زيارة الجنرال كوريلا لإسرائيل، التي التقى خلالها العديد من المسئولين الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين، تأكيدات أمريكية باستمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل للدفاع عن نفسها في وقت تبحث فيه الأخيرة خيارات التعامل مع البرنامج النووي الإيراني في ظل إخفاقات مفاوضات فيينا غير المباشرة. فخلال الزيارة، حضر قائد القيادة المركزية الأمريكية المناورات الأكثر شمولاً التي تجريها إسرائيل منذ عقود، والتي حملت اسم “عربات النار”، وتضمنت تدريبات إضافية مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، والتي تختبر استعداد الأخيرة للحرب وتوجيه ضربات جوية وهمية ضد إيران، بينما تستعد تل أبيب للخيارات العسكرية بشأن البرنامج النووي الإيراني. واستبقت الزيارة -التي ركزت على التعاون العملياتي المستمر بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي والتعامل مع التهديدات والتحديات العملياتية المشتركة في المنطقة- اللقاءات التي عقدها وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في واشنطن خلال زيارته للأخيرة في 19 مايو الجاري، والتي توازت مع الضغوط التي يمارسها مشرعون جمهوريون على الإدارة الديمقراطية لتعزيز القدرات العسكرية لإسرائيل للدفاع عن نفسها ضد إيران.

اهتمام ملحوظ

على الرغم من انشغال الإدارة الأمريكية بتعزيز أمن حلفائها الأوروبيين الذين يتعرضون لتهديدات جدية لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في أعقاب العمليات العسكرية الروسية داخل الأراضي الأوكرانية، وإدارة التنافس مع الصين؛ إلا أن المؤسسات الأمريكية، ولا سيما العسكرية بصورة أساسية، تولي اهتماماً كبيراً للتهديدات الأمنية والعسكرية في الشرق الأوسط، وترى أن هناك ضرورة للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، التي لا تزال تحظى بأهمية خاصة للأمن والمصالح الأمريكية، لاعتبارات استراتيجية واقتصادية وأمنية عديدة.