أعلنت “لجنة ١٩٢٢” بحزب المحافظين البريطاني، في ٢٤ أكتوبر الجاري، أن وزير الخزانة السابق ريشي سوناك (٤٢ عاماً) سيكون زعيم الحزب الجديد، ليصبح رئيساً للوزراء، خلفاً لرئيسة الوزراء السابقة ليز تراس التي استقالت في ٢٠ من الشهر نفسه، بعد جلسة عاصفة في مجلس العموم؛ لإخفاق ميزانيتها المصغرة التي فرضت تداعيات متعددة على الاقتصاد البريطاني، وذلك بعد انسحاب وزيرة الدفاع السابقة بيني موردنت من السباق.
وسيكون سوناك أول رئيس وزراء بريطاني من أصول آسيوية، وأصغر رؤساء الوزراء البريطانيين سناً منذ أكثر من ٢٠٠ عام. وتأتي رئاسته للحكومة المحافظة في وقت تواجه فيه بريطانيا، مثل معظم الدول الغربية، ارتفاعاً في معدلات التضخم لمستويات لم تشهدها منذ عقود، والتي تضاعفت في أعقاب الحرب الروسية-الأوكرانية، التي قوّضت الجهود المبذولة للتعافي من آثار جائحة كوفيد-١٩.
ملفات رئيسية
على الرغم من أن سوناك لم يتولَّ مناصب رسمية تتعامل مع قضايا السياسة الخارجية البريطانية، إلا أنه خلال منافسته ليز تراس على رئاسة حزب المحافظين في أعقاب استقالة بوريس جونسون، في 7 يوليو الماضي، قد أدلى ببعض التصريحات التي توضح مواقفه من عدد من ملفات وأزمات منطقة الشرق الأوسط. واستناداً إليها يمكن الإشارة إلى أبرز مواقفه من بعض تلك القضايا وذلك على النحو التالي:
١- تزايد الانخراط في الحرب ضد الإرهاب: تعهد سوناك بينما كان ينافس على رئاسة حزب المحافظين، في أغسطس الماضي، بأنه في حال انتخابه زعيماً للحزب فإنه سيصلح طريقة تعامل بريطانيا مع منفذي العمليات الإرهابية من خلفيات إسلامية، حيث سيركز على إصلاح برنامج “بريفينت” Prevent- مبادرة بريطانيا لمكافحة التطرف- والذي كان يركز بشكل كبير على المتطرفين اليمينيين بدلاً من المتطرفين الإسلاميين، حيث قالت حملة سوناك إن “التطرف الإسلامي يعتبر أكبر تهديد منفرد للأمن القومي للمملكة المتحدة”. ولذلك سوف يسعى رئيس الوزراء البريطاني الجديد إلى مضاعفة الجهود البريطانية للتصدي للإسلاميين المتطرفين ومعاجلة الفكر المتطرف في السجون البريطانية من خلال فصل السجناء بتهم الإرهاب عن السجناء الآخرين.
وذكر سوناك أنه سيتبنى تعريفاً أوسع للإرهاب ليشمل أولئك الذي يشوهون المملكة المتحدة، انطلاقاً من أن المتطرفين لا يريدون مهاجمة القيم البريطانية فقط، ولكن وجودها ذاته. وتشير التقديرات الرسمية البريطانية إلى أن أبرز التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي البريطاني تأتي من التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق وتلك المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، وهو ما يدعم من احتمالات تزايد الانخراط البريطاني في الحرب ضد الإرهاب التي ما زالت مستمرة في منطقة الشرق الأوسط.
2- توسيع نطاق التعاون مع إسرائيل: سوف يتجه سوناك، على الأرجح، إلى اتخاذ خطوات جديدة لتطوير العلاقات بين بريطانيا وإسرائيل، على غرار توقيع اتفاقية لإنشاء منطقة تجارة حرة، وربما نقل السفارة البريطانية إلى القدس، وهو الاتجاه نفسه الذي كانت رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس تتبناه. وتشير تقارير عديدة إلى أن سوناك سوف يعمل على زيادة التمويل الحكومي لمكافحة معاداة السامية في بريطانيا، كما قد يدعو لإقرار مشروع قانون للقضاء على حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS).
3- الاهتمام بالمساعدات الإنسانية لدول الأزمات: يتماهى سوناك مع الاتجاه العام في بريطانيا إزاء استمرار المساعدات الإنسانية في بعض دول الأزمات في المنطقة، على غرار سوريا. ورغم أنه تعرض لانتقادات بسبب قرار كان قد اتخذه بخفض قيمة المساعدات الخارجية، إلا أنه ما زال حريصاً على دعم التوجه نحو مواصلة تبني دبلوماسية المساعدات في تلك الدول.
4- تبني سياسة متشددة إزاء إيران: ربما يدفع التوتر المتصاعد في العلاقات بين إيران والدول الغربية، سواء بسبب الدعم العسكري الذي تقدمه إلى روسيا من خلال الطائرات من دون طيار، والذي تستخدمه الأخيرة في إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا، أو بسبب تعاملها مع الاحتجاجات الداخلية، رئيس الوزراء البريطاني الجديد إلى تبني سياسة أكثر تشدداً في التعامل معها. ومن هنا، تتزايد احتمالات اتجاهه إلى فرض عقوبات جديدة على إيران. ويضاف إلى ذلك من دون شك، اتساع نطاق الخلافات بين إيران والدول الغربية بسبب تعثر المفاوضات النووية، وفشل الجهود التي بذلت من أجل الوصول إلى اتفاق نووي جديد يستوعب التحفظات التي تبديها تلك الدول إزاء الاتفاق الحالي.
5- منح أولوية لملف الطاقة: سوف تزيد الحكومة البريطانية الجديدة برئاسة سوناك من اهتمامها بملف الطاقة، كأحد انعكاسات الحرب الروسية-الأوكرانية، على نحو سوف يدفعها إلى تطوير علاقاتها مع العديد من دول المنطقة، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي التي تجري بريطانيا معها محادثات بشأن توقيع اتفاقية تجارة حرة. كما يمكن أن تتجه إلى إجراء محادثات مع بعض الدول المصدرة للغاز، على غرار الجزائر، لتأمين مزيد من إمدادات الطاقة.
6- فرض قيود صارمة على المهاجرين: يرى سوناك أن قضية الهجرة غير الشرعية باتت معقدة وصعبة. وعلى الرغم من أنه من أصول هندية، فإنه يعد من أشد الداعمين لاتخاذ إجراءات مناهضة للهجرة، حيث يدعم قوانين الهجرة واللاجئين التي تقلص أعداد المهاجرين لبريطانيا، وتلك التي تتشدد في استقبال اللاجئين. ويسعى رئيس الوزراء البريطاني الجديد إلى منح البرلمان حق السيطرة على من يأتي إلى المملكة المتحدة من خلال إنشاء حصة سنوية لعدد اللاجئين المقبولين باستثناء حالات الطوارئ المفاجئة.
وتشير التحليلات البريطانية إلى أنه من المتوقع أن يختار سوناك تعريفاً أضيق لمن هم المؤهلين للحصول على اللجوء مقارنة بالتعريف الذي تقره الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، مع تعزيز الصلاحيات لاحتجاز المهاجرين غير الشرعيين ومراقبتهم. وخلال توليه وزارة الخزانة، وافق على مخصصات مالية لدعم الجهود المبذولة لمنع وصول اللاجئين إلى لندن. ويتوقع أن يواصل سياسات حزبه المتشددة تجاه الهجرة للحفاظ على القاعدة الانتخابية المحافظة واليمينية للتصويت للمحافظين في الانتخابات القادمة.
واتساقاً مع سياساته المتشددة تجاه المهاجرين، فقد اختار سوناك وزيرة الداخلية بالحكومة السابقة سويلا برافرمان، لتشغل المنصب ذاته بحكومته. ومن المعروف عن برافرمان، رغم أصولها الهندية، تأييدها لتبني سياسات متشددة تجاه المهاجرين. فقد أشارت في رسالة استقالتها إلى أن الحكومة البريطانية السابقة لم تف بوعودها الرئيسية بشأن مكافحة الهجرة غير القانونية، حيث لم تلتزم بخفض أعداد المهاجرين ووقف الهجرة غير الشرعية وخاصة قوارب المهاجرين.
تغييرات محدودة
على ضوء ذلك،لا يتوقع أن تكون هناك تغييرات جذرية في السياسة الخارجية البريطانية تحت رئاسة ريشي سوناك تجاه منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة القادمة، وذلك لسببين: يتمثل أولهما في تقدم التحديات الداخلية البريطانية ومواجهة الأزمة الاقتصادية التي تواجه البلاد أجندة رئيس الوزراء الجديد. فقد أشار سوناك، في أول تصريح له في أعقاب اختياره لمنصبه الجديد، إلى أن “بريطانيا تواجه تحديات جوهرية تتطلب الاستقرار والوحدة” من خلال التقارب بين توجهات حكومته والشعب البريطاني.
وينصرف ثانيهما إلى أن سوناك لا يملك خبرة كبيرة في العلاقات الخارجية. فعلى عكس تراس، لم يكن رئيس الوزراء الجديد وزيراً للخارجية، أو شغل أي مناصب حكومية تتعلق بدور بريطانيا في الخارج، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط. ولذلك سيركز على الملفات التي من شأنها تحسين الوضع الاقتصادي المتردي لبريطانيا، والملفات التي تتقدم أجندة السياسة الخارجية البريطانية بصرف النظر عن الحزب الذي يحكم، ولا سيما البرنامج النووي الإيراني، وإعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة التي انسحبت منها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في ٨ مايو ٢٠١٨، والعلاقات مع إسرائيل.
ولن تختلف السياسة الخارجية البريطانية تحت حكم سوناك كثيراً عن سياسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية تجاه ملفات وأزمات المنطقة، حيث لا يتوقع أن تتخذ مواقف وسياسات تتعارض معهما. فضلاً عن أن سوناك لا يسعى إلى إحداث تغيير في أولويات وثوابت حزب المحافظين تجاه منطقة الشرق الأوسط وقضاياها.