الخروج الآمن:
كيف ستتعامل واشنطن مع ملف المتعاونين الأفغان؟

الخروج الآمن:

كيف ستتعامل واشنطن مع ملف المتعاونين الأفغان؟



اكتسب مشهد هروب بعض المواطنين الأفغان عبر مطار كابول وتشبث العديد منهم بأجنحة طائرات النقل العسكرية الأمريكية، اهتماماً خاصاً على مستوى العالم، لدرجة دفعت اتجاهات عديدة إلى استحضار ما يسمى بـ”عملية سايغون” التي وقعت في 29 و30 أبريل 1975 عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ عملية إجلاء سريعة لموظفي سفارتها في سايغون إلى جانب بعض مواطني فيتنام الجنوبية المتعاونين معها- نحو 7 آلاف شخص- بعد استيلاء القوات الشمالية على الأخيرة، والتي عرفت بـ”عملية الرياح المتكررة”.

وقد طرح السقوط السريع للعاصمة الأفغانية كابول العديد من التساؤلات حول آليات التعامل مع مع ما يقرب من 25 ألف متعاون أفغاني مع القوات الأمريكية على مدار عشرين عاماً منذ عام 2001. فعلى الرغم من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأعضاء في حلف الناتو السماح للمواطنين الأفغان بالسفر إليها، إلا أن السرعة التي اتسمت بها سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول وانتشارها بشكل مكثف في مجمل الأراضي الأفغانية، فضلاً عن التعقيدات التي تواجه عملية منح تأشيرات الدخول للأفغان، دفعت الإدارة الأمريكية، وفقاً لاتجاهات عديدة، إلى البحث عن مزيد من الخيارات للتعامل مع هذا الملف.

آليات مختلفة:

يمكن القول إن ثمة آليات عديدة يمكن أن تستخدمها واشنطن في تأمين الخروج الآمن للعناصر الأفغانية المتعاونة معها، ويتمثل أبرزها في:

1- نقل بعض المتعاونين إلى القواعد الأمريكية في باكستان: ربما تستفيد الإدارة الأمريكية من بعض المتعاونين الأفغان، وبشكل خاص المترجمين، في العمل بالقواعد الأمريكية في باكستان، والتي يبدو أنها سوف تمارس دوراً مهماً خلال المرحلة المقبلة، لاسيما بعد الانسحاب الأمريكي في أفغانستان، حيث يمكن أن يقدم هؤلاء خدمات لوجيستية للوحدات الاستخباراتية الأمريكية في باكستان.

2- التركيز على دول الجوار الأفغاني: خاصة طاجيكستان وأوزبكستان، وهما من الدول المرشحة لاستضافة بعض العناصر الأفغانية المتعاونة مع القوات الأمريكية من مترجمين ومقاولين وموردين، إلى جانب أسرهم، حيث يتوقع أن يتم التركيز في هذا السياق على الأفغان المتحدرين من المحافظات الشمالية.

3- التنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي: تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى رفع مستوى التنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي لاستقبال أعداد من المتعاونين الأفغان. واللافت هنا، هو أن بعض تلك الدول تبنت خطوات إجرائية في هذا السياق، على غرار فرنسا التي أعلنت، في 18 أغسطس الجاري، نقل 216 شخصاً من العاصمة كابول إلى باريس، وأوضحت وزارة الخارجية الفرنسية أن “من بين الأشخاص الذين أجلاهم الجيش الفرنسي، 25 فرنسياً، و184 أفغانياً من المجتمع المدني الذين في حاجة إلى الحماية وكذلك 7 رعايا أجانب آخرين”.

وأضافت الوزارة أن “عملية الإجلاء استهدفت معظم الأشخاص من الجنسية الفرنسية والأفغانية – الذين لجؤوا للسفارة الفرنسية بالعاصمة كابول – وأنه تم إجلائهم في الوقت الحالي”، مشيرة إلى أن السفارة الفرنسية تعمل حالياً خارج المطار. كما أشادت وزيرة الدفاع الألمانية أنيجريت كرامب-كارنباور، في 17 أغسطس الجاري، بمهام الإجلاء التي تقوم بها القوات المسلحة الألمانية، موضحة أن الطائرة التي تم إرسالها “حملت ما كان يمكن حمله معها”، وأضافت: “نأخذ معنا كل ما يناسب طائراتنا بطريقة ما من حيث المساحة. وهذا ينطبق على الموظفين الألمان والدوليين وكذلك على الأفغان”.

4- نقل المتعاونين الأفغان إلى محطات مؤقتة: ربما يدفع تأخر حصول العديد من المتعاونين الأفغان على تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، نتيجة التعقيدات الإدارية والإجراءات الأمنية، الإدارة الأمريكية إلى نقل بعض المتعاونين الأفغان إلى بعض الدول، مثل الهند، التي يمكن أن تستضيفهم بشكل مؤقت، لحين انتهاء إجراءات الحصول على التأشيرة.

5- الضغط على طالبان لضمان أمن المتعاونين: قد تحاول الإدارة الأمريكية استثمار قنوات التواصل التي أتاحها اتفاق السلام الموقع مع حركة طالبان في الدوحة في فبراير 2020، من أجل ممارسة ضغوط على الحركة لضمان أمن المتعاونين مع قواتها في العقدين الماضيين. وتشير اتجاهات عديدة إلى أن الحركة ربما تحرص على عدم اتخاذ إجراءات عقابية ضد بعض المتعاونين- في حالة ما إذا لم ينجحوا في الخروج من أفغانستان- في إطار سعيها لتوجيه رسائل طمأنة بشأن الترتيبات السياسية والأمنية الجديدة التي سيتم العمل على إعادة صياغتها في أفغانستان خلال المرحلة القادمة.

6- البحث عن دول ترانزيت لاستقبال اللاجئين الأفغان: يبدو أن الإدارة الأمريكية تبحث عن بعض الشركاء الدوليين الآخرين لاستقبال المتعاونين الأفغان، حيث أعلنت أوغندا، في 17 أغسطس الجاري، موافقتها على استقبال 2000 لاجئ من أفغانستان بشكل مؤقت بناءً على طلب من الولايات المتحدة الأمريكية بعد فرارهم على إثر استيلاء حركة طالبان على السلطة. وقالت إستر أنياكون دافينيا وزيرة الدولة للإغاثة ومواجهة الكوارث واللاجئين في أوغندا في هذا الصدد: “قدمت الحكومة الأمريكية الطلب أمس إلى الرئيس يويري موسيفيني وأعطاهم الموافقة على استقدام 2000 لاجئ أفغاني إلى أوغندا”، وأضافت: “سيبقون هنا مؤقتاً لثلاثة أشهر قبل أن تعيد الحكومة الأمريكية توطينهم في مكان آخر”.

7- الإسراع في إجراءات منح تأشيرات الدخول للمتعاونين الأفغان وأسرهم: كان لافتاً أن واشنطن استبقت سيطرة طالبان على السلطة بالتأكيد على أنها سوف تولي هذا الملف اهتماماً خاصاً، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 10 يونيو الماضي، أن “الولايات المتحدة الأمريكية لديها التزام خاص ومسئولية خاصة تجاه المترجمين الفوريين والمتعاقدين الأفغان”، مشيرة إلى أنها “تعمل على إضافة موظفين في واشنطن وكابل لتسريع الأعمال الإدارية المتراكمة بمنح تأشيرات الدخول للمتعاونين الأفغان وأسرهم”، وأنها “طلبت من الكونجرس الإذن بتمويل مزيد من التأشيرات”.

تجاذبات سياسية:

في النهاية، يبدو أن هذا الملف سوف يكون محور تجاذبات سياسية خلال المرحلة القادمة سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية، على ضوء الانتقادات التي تتعرض لها الإدارة الأمريكية في هذا الصدد، أو بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والقوى الحليفة لها والدول المرشحة لاستضافة هؤلاء المتعاونين من جهة أخرى، خاصة أن بعضها قد يضع سقفاً زمنياً للقيام بذلك، في ضوء تباين حساباتها إزاء المعطيات الجديدة التي فرضتها سيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان.