عقدٌ من الصراع:
كيف ساهم الفاعلون الخارجيون في تعقيد الصراع السوري؟ (ملف خاص)

عقدٌ من الصراع:

كيف ساهم الفاعلون الخارجيون في تعقيد الصراع السوري؟ (ملف خاص)



شهدت الازمة السورية على مدار عشر سنوات منذ بدء الصراع درجة هائلة من التعقيد والتشابكات، وهي التشابكات التي ارتبطت بديناميات التفاعل بين الداخل والخارج، حيث إن أطراف الصراع في الداخل، سواء النظام السوري أو المعارضة أو حتى القوى التي استغلت الصراع لتحقيق مشاريعها الذاتية مثل القوى الكردية في سوريا؛ ساهموا -بشكل أو بآخر- في تحويل الأزمة السورية إلى صراع بالوكالة يحظى فيه الفاعلون الخارجيون بتأثير جوهري. ولقد اتسم حضور الفاعلين الخارجيين في الصراع السوري بعددٍ من السمات الرئيسية:

أولها استغلال حالة الصراع لإنتاج موجةٍ جديدةٍ من الإرهاب والراديكالية في المنطقة، إذ كان السياق السوري محفزًا لظهور تجربة “داعش”، وإنشاء التنظيم لدولته المتخيلة داخل الأراضي السورية والعراقية، واستقطاب عناصر أجنبية للانضمام للتنظيم. والمثير للانتباه أن التنظيم أنتج في مرحلة بزوغه، قبل انهياره ومقتل زعيمه، نمطًا من السلطة المؤسسية البديلة لسلطة الدولة. وبالرغم من انتهاء تجربة “داعش” في سوريا، فقد ظل التنظيم تهديدًا للاستقرار في سوريا؛ إذ لا يزال للتنظيم حضور في منطقة صحراء البادية الممتدة في وسط وشرق سوريا، وينفذ بعض الهجمات ضد قوات سوريا الديمقراطية والقوات الموالية لنظام “الأسد”.

ومن جهةٍ ثانية، أفضى تواجد الفاعلين الخارجيين في الصراع السوري إلى التأثير على توازنات الصراع. ففي سوريا توجد شبكة من الفاعلين الخارجيين المنخرطين في الصراع لأهداف ومصالح مختلفة، وأبرز هؤلاء الفاعلين إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة كما يظهر الدور الإسرائيلي بين حين وآخر. وفي هكذا سياق، انعكس حضور الفاعلين الخارجين على توازنات الصراع. فعلى سبيل المثال، عزز التدخل الروسي، بصورة رئيسية، من موقف نظام “الأسد”، كما أن التدخل التركي الذي كان مدفوعًا في المقام الأول بالتخوفات لدى أنقرة من تنامي النفوذ الكردي في شمال سوريا، ساعد فصائل المعارضة السورية المسلحة، المتحالفة مع أنقرة، على تدعيم موقفها.

ثمة سمة ثالثة ارتهنت بتسوية الصراع السوري، وتعقيدات التسوية، إذ إن تداخل العديد من الأطراف الخارجية في الصراع السوري فرض المزيد من الضغوط على مسار التسوية، وأدى إلى إطالة أمده، خاصة أنه أنتج ظاهرة مفسدي التسوية spoilers الذين يعارضون أي مفاوضات أو اتفاقيات لتسوية الصراع لا تحقق مصالحهم، وهو ما يدفعهم إلى توظيف شبكة الوكلاء الداخليين في الصراع لممارسة المزيد من العنف.، او لتحقيق تغيير ديموغرافي يحقق النفوذ للطرف الإقليمي كما تفعل تركيا المستفيدة بإطالة الازمة لإعادة رسم ديموغرافيا الشمال السوري في مواجهة الاكراد عبر سياسية التتريك Turkification ، ويدور حول توسيع نفوذ الإمبراطورية العثمانية خارج حدود الدولة التركية، ومحاولة التأثير على الحقوق المدنية والثقافية للعرب والأكراد وغير المسلمين، ويتم ذلك من خلال اتّباع مجموعة من الإجراءات تتمثل في فرض الإدارة التركية والتأميم الاقتصادي والاستيعاب الثقافي، مع جعل السلطة المركزية بيد تركيا، التي تتجه بدورها لهندسة المعايير والإجراءات اللازمة لتحقيق التتريك داخل مناطق شمال سوريا، حيث تقوم تركيا بتوظيف أدوات سياسية ومدنية للتأثير على ممارسة الحقوق من قبل المواطنين السوريين، من بينهم الأكراد والموالون للحكومة، كما تستخدم الموارد الاقتصادية الموجودة بمناطق شمال سوريا لتحقيق هدفين رئيسيين: أحدهما تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار ومساعدة السوريين، والآخر يتمثل في استخدام هذه المشاريع لتحقيق نمو اقتصادي على المستوى المحلي التركي.

وعطفًا على ما سبق، يُناقش هذا الملف، الذي يضم تحليلات وتقديرات مركز العالم العربي وعروضًا صادرة عن مراكز الفكر والرأي الغربية، ديناميات الصراع السوري استنادًا إلى فرضية التفاعل بين الفاعلين الداخليين والأطراف الخارجية المنخرطة في الصراع، وكيف أثّرت سياسات الأطراف الخارجية على المتغيرات الحاكمة وتوازنات الصراع.