جلسة استماع:
كيف تُسهم دبلوماسية القمم العربية المصغّرة في دعم العلاقات البينية؟

جلسة استماع:

كيف تُسهم دبلوماسية القمم العربية المصغّرة في دعم العلاقات البينية؟



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 7 سبتمبر 2022، جلسة استماع بعنوان “كيف تسهم دبلوماسية القمم العربية المصغرة في دعم العلاقات البينية؟”، واستضاف المركز السفير الدكتور محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ محمد الفقي، والأستاذ هيثم عمران، والأستاذة ميرفت زكريا، والأستاذ علي عاطف، والأستاذة نورا بنداري.

أزمات مركبة

يُقر السفير “حجازي” بأن التحديات والتهديدات التي تواجه المنطقة العربية خلال الفترة الحالية على مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية والاستراتيجية، لم تشهدها المنطقة من قبل. ويُفكك طبيعة الأزمات التي تشهدها المنطقة، كالتالي:

1- استمرار الأزمات في دول عربية: لا يزال عدد من الدول العربية تعاني منأزمات وحروب داخلية، في اليمن وليبيا وسوريا والعراق ولبنان والصومال، وبات العالم العربي مشتبكاً مع أزمات مرهقة مستمرة في نفس الوقت، في ظل رغبة بعض الأطراف في تعزيز نفوذها داخلياً، وتجميد الحراك السياسي في بعض البلدان مثل لبنان، وأزمات متجددة في العراق أخيراً، وعدم تحقيق توافق بين المكونات المختلفة في ليبيا، وجميعها أزمات كبيرة تحتاج إلى تحركات من أجل الصالح العربي. في المقابل، فإن أوروبا تعاني من عدم الاستقرار مع أزمة وحيدة مشتعلة هي الحرب الروسية الأوكرانية.

2- تدخلات إقليمية في الشأن العربي: يرتبط استمرار الأزمات في بعض الدول العربية بالتدخلات من قبل دول جوار إقليمية للمنطقة العربية في الشأن الداخلي لعدد من الدول، فهناك دور تركي في ليبيا لدعم أطراف بعينها، بما يعرقل التوافق في المشهد الليبي، فضلاً عن التوترات الناشئة بسبب دورها في شمال سوريا، كما أن تركيا تزعزع الاستقرار في منطقة شرق المتوسط، إضافة إلى الدور الإيراني المتزايد، من خلال التدخلات في اليمن، إذ لا تزال تلعب دورها الهدام والمعوق لاتفاقية السلام، ولا تزال تمارس الاعتداءات عبر مليشيات الحوثي في منطقة الخليج، كما أنها تستهدف كذلك الأوضاع في لبنان وسوريا والعراق، وهي تحركات للتدخل في الشأن العربي.

3- تصاعد حدة الاستقطاب دولياً: أسفرت الحرب الروسية الأوكرانية عن زيادة حدة الاستقطاب على الساحة الدولية، بين الولايات المتحدة ودول أوروبية من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وهو ما يمثل ضغوطاً على الدول العربية كأحد تداعيات هذه الحرب، ورأينا زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة والمشاركة في قمة جدة. وفي المقابل، كانت هناك زيارات لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى المنطقة أيضاً، ويسعى الطرفان إلى استقطاب الدول العربية إلى صفها، وترغب الولايات المتحدة في زيادة دول الخليج إنتاجها من النفط لمواجهة النقص في السوق العالمية الناجم عن فرض عقوبات على النفط الروسي.

4- تفاقم الضغوط الاقتصادية: نظراً لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى تداعيات تفشي جائحة كورونا، فإن عدداً من الدول العربية تواجه ضغوطاً اقتصادية بفعل ارتفاع أسعار النفط وتعطل سلاسل التوريد، ونقص الحبوب عالمياً، وارتفاع أسعار الغذاء، وهو ما أدى إلى ضغط اقتصاديات معظم دول المنطقة من كافة النواحي، في ظل أزمات داخلية لدى بعض الدول، بما يفاقم التحديات.

5- الخلافات العربية-العربية: تشهد المنطقة العربية خلافات عربية-عربية، مثل الأزمة المشتعلة بين تونس والمغرب، وكذلك الأزمة المزمنة بين المغرب والجزائر بسبب الأزمة الصحراوية، والأخيرة لها تداعيات على الموقف الموحّد خارج الأطر العربية، فهذا الخلاف يؤدي إلى انقسام الشمال الأفريقي ويعرقل مصالحه، على مستوى المنظمات الأفريقية، وفي المقابل صعود قوى من جنوب القارة، بما يستدعي تحركات عربية سريعة لاحتواء الخلافات الناشئة.

أهمية كبيرة

ويرى “حجازي” أنه في ضوء الأزمات التي تواجه المنطقة العربية، فإن طبيعة المشكلات والتحديات لا يمكن التعامل معها من زاوية وطنية وإنما برؤية قومية عربية، وهنا يأتي أهمية “دبلوماسية القمم العربية” بين أطراف عربية، مثل قمة العلمين الأخيرة في مصر، التي جمعت إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رئيس دول الإمارات سمو الشيخ محمد بن زايد، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وملك البحرين حمد بن عيسى، ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، وسبقتها قمم أخرى مماثلة. وقد تطرّق إلى أهمية هذه القمم في ضوء التالي:

1- التعامل السريع مع المتغيرات والمستجدات الطارئة: في ضوء التحديات التي تواجهها المنطقة العربية، فمن الطبيعي أن تنشأ دبلوماسية القمم الفرعية، وهي قمم عاجلة تتعلق بالأمن والاستقرار في المنطقة، ويكون التركيز فيها على قضايا بعينها لتحقيق قدر من التوافق بين أطراف فاعلة حيال تلك القضايا، مثل القمم المتكررة بين القادة العرب قبل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة، فكانت هناك حاجة إلى التشاور والتعاون من أجل صياغة رؤية مشتركة، لمواجهة ضغوط الدول الكبرى كأحد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

2- تأمين المصالح الوطنية وتوافقها مع المصالح القومية العربية: تُعد الدبلوماسية فن تحقيق المصالح، أما دبلوماسية القمم فهي فن تحقيق المصالح على أعلى مستوى من خلال مشاركة قادة ورؤساء الدول، إذ توفر هذه القمم المتكررة نوعاً من تأمين المصالح الوطنية، وتحديد معالمها مع قادة الدول الأخرى، الذي يضمن انتقال هذه الإرادة والعزيمة السياسية على المستوى الأدنى والحفاظ على مخرجات هامة كأساس للعلاقات بين الدول، إذ يفترض عدم وجود تعارض بين الإطار الوطني والقومي العربي، كما يجب أن تكون المصالح القومية متسقة مع المصالح الوطنية، فلا يمكن تصور مساعدة دول عربية لأثيوبيا ضد المصالح المصرية، ولا يمكن تصور تخلي أي دولة عربية عن القضية الفلسطينية، أو أمن البحرين الأحمر والمتوسط، وجميعها قضايا من محددات الأمن القومي العربي.

3- حل الخلافات البينية وتحقيق التوافق العربي: يمكن أن تحقق دبلوماسية القمم المصغرة فرصة لحل الخلافات البينية بين الدول العربية، والتباينات في المواقف حيال بعض القضايا على الساحة، مثل تحقيق تفاهمات حيال تهيئة الأوضاع لتهدئة في بعض دول الأزمات العربية، مثل ليبيا واليمن والعراق، كما يمكن أن تُسهم في حل أو احتواء الخلاف بين المغرب والجزائر في الأزمة الصحراوية، وضمان عدم تأثير تلك الخلافات على المصالح العربية، ولكن هذا يتطلب دبلوماسية غربية نشطة تتعامل مع المتغيرات الطارئة لتحقيق قدر من التوافق العربي.

4- فاعلية للتعاطي مع التغيرات والضغوط الاقتصادية: توفر القمم العربية مزيداً من التلاقي من أجل الدفع بمزيد من الاستثمارات البينية بين الدول تأمين الاستثمارات العربية، وضخ بعض الأطراف العربية استثمارات في دول عربية، في ضوء خروج أموال أجنبية من بعض الدول، والأهم تشكيل خطاب حامٍ للمصالح العربية. ويمكن الإشارة إلى نجاح بعض القمم في توفير مشروعات استثمارية ضخمة بقيمة 10 مليارات دولار، لتوطين مشروعات صناعية كبرى في الدول العربية، إضافة إلى مشروعات الربط الكهربائي المطروحة بين عدة دول، وتصدير النفط العراقي عبر الأردن إلى الموانئ المصرية، كما أن هناك مساعي لتأمين ثروات شرق المتوسط، والتصدي لتدخلات بعض الأطراف في تلك المنطقة.

5- مواجهة التحديات الأمنية والسياسية: تستهدف هذه القمم الدفاع عن المصالح العربية البينية ومصالح الأمن القومي العربي، خاصة في بعض القضايا المطروحة، مثل الاتفاق النووي الإيراني، وتداعيات هذا الاتفاق في ضوء التخوفات من استمرار دعم إيران لبعض الأطراف في دول الأزمات العربية، عقب رفع العقوبات على طهران، مما يساهم في تفاقم التحديات الأمنية، خاصة وأنه من غير المتوقع تقديم إيران تنازلات من أجل تحقيق توافق مع الدول العربية، رغم المشاورات المستمرة مع دول الخليج لتحسين العلاقات، وعودة سفراء بعض الدول لطهران، كما أن التحديات لا تزال مستمرة في ضوء تدخلات تركيا في الشأن الليبي، وربما يكون هذا بإيعاز من الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ الروسي. وإذا أرادت الأطراف الإقليمية حالة من الاستقرار، فيمكن عقد مؤتمر أمن وتعاون إقليمي، لتغليب المصالح المشتركة، وتحقيق تفاهمات.

دعم الجهود

ويرى “حجازي” أن دبلوماسية القمم العربية المصغرة ليست بديلاً عن القمة العربية لجامعة الدول العربية، التي تسعى لاتخاذ مواقف جماعية حيال القضايا المطروحة، إذ إن القمم المصغرة لا تتمتع بصفة الإلزامية لكل الدول العربية، ولذلك لا يمكن الاستغناء عن القمة العربية بما تمنحه من مساحة للضغوط والتأثير، وهناك أمل في أن القمة العربية المقبلة في الجزائر يمكن أن ترأب بعض الصدوع في العلاقات العربية-العربية، من خلال نجاح القمة على مستوى التمثيل لقادة ورؤساء الدول العربية والتواصل بين القادة، من أجل الخروج بتفاهمات حيال القضايا العربية والتدخلات الإقليمية في المنطقة العربية، وهنا يمكن أن تكون القمم المصغرة داعمة لجهود التهدئة والاستقرار في المنطقة العربية قبل القمة العربية بالجزائر.

ويتطرق مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى التباينات العربية حيال عودة سوريا لجامعة الدول العربية، مشيراً إلى أن مشهد الاستقرار على الساحة السورية منقوص، وبالتالي فإن الأولوية الحالية لسوريا هي استعادة مكانة الدولة وتحقيق الاستقرار.