تحركات منسقة:
كيف تواجه “قسد” عمليات “داعش” بشمال شرق سوريا؟

تحركات منسقة:

كيف تواجه “قسد” عمليات “داعش” بشمال شرق سوريا؟



تسعى مليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد”- بدعم من القوات الأمريكية في سوريا- إلى تحجيم نشاط تنظيم “داعش” في منطقة شمال شرق سوريا، من خلال حملة أمنية موسعة على أكثر من مستوى، سواء لملاحقة خلايا التنظيم، أو لضبط الوضع الأمني في مخيم “الهول”، في ظل تصاعد النشاط العملياتي للتنظيم خلال أغسطس الفائت، والنصف الأول من سبتمبر الجاري، وإن كان تركيز النشاط على مستوى النطاق الجغرافي يتجه إلى محافظة الرقة.

تواصل مليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عملياتها الأمنية في منطقة شمال شرق سوريا لملاحقة عناصر وخلايا تنظيم “داعش”، في محاولة لتحجيم النشاط العملياتي للتنظيم، بدعم وتنسيق مع القوات الأمريكية المشاركة في التحالف الدولي لمواجهة “داعش”.

وتشهد منطقة شمال شرق سوريا- التي تخضع لسيطرة “قسد”- اختراقات أمنية من جانب خلايا “داعش” بصورة ملحوظة منذ النصف الثاني من العام الماضي، إلى حد تزايدت معه التخوفات من استعادة التنظيم نفوذه وقدراته العملياتية، اعتماداً على حالة عدم الاستقرار التي تشهدها الساحة السورية، وتعدد الأطراف الفاعلة التي تتنازع على تقاسم السيطرة والنفوذ.

وفي ظل تعدد العوامل المحفزة لنشاط تنظيم “داعش” على الساحة السورية بشكل عام، وفي منطقة شمال شرق سوريا بشكل خاص، فإن “قسد” أطلقت عملية أمنية منذ أغسطس الفائت، غير محددة النطاق الزمني، لتحجيم نفوذ “داعش”.

دوافع رئيسية

يمكن تفسير اتجاه “قسد” إلى تصعيد عملياتها ضد تنظيم “داعش” من أجل تحجيم نشاطه في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تزايد معدل عمليات “داعش”: يتضح من خلال رصد عمليات التنظيم منذ مطلع العام الجاري أن شهر أغسطس الفائت كان أعلى معدل للعمليات منذ شهر أبريل الماضي، وهو نفس الشهر الذي شهد قفزة في معدل العمليات مقارنة بشهري فبراير ومارس، في ظل استجابة فرع التنظيم بسوريا لموجة عنف في إطار “الثأر” لمقتل زعيم التنظيم والمتحدث الإعلامي السابق.

2- استغلال التنظيم نقاط التماس الرخوة: لا يزال التنظيم قادراً على استغلال عدم الاستقرار على الساحة السورية، باعتباره أحد العوامل المحفزة لنشاطه المتزايد من أجل توسيع نطاق نفوذه، سواء في منطقة شمال شرق سوريا، أو في منطقة البادية السورية. وهنا، فإن التنظيم يستغل المناطق الرخوة بين خطوط التماس للمناطق التي تخضع لسيطرة أطراف متعددة على الساحة السورية، إذ إن مجموعات التنظيم تتنقل بين البادية (التي تُعد مقراً لعملياته) التي تخضع لسيطرة النظام السوري مدعوماً بمليشيات إيرانية، إلى منطقة شمال شرق سوريا شرقي نهر الفرات التي تخضع لسيطرة مليشيا “قسد”، في إطار غياب التنسيق بين الطرفين، في ظل توترات واشتباكات متقطعة على طول خطوط التماس، وكان آخرها اشتباكات في ريف دير الزور، في الساعات الأولى من يوم 15 سبتمبر الجاري، من مواقع التمركز على ضفتي نهر الفرات.

3- مساعٍ لفتح مسارات اختراق متعددة: يبدو أن تنظيم “داعش” يسعى إلى الربط بين مجموعاته في العراق وسوريا، لتسهيل عمليات انتقال العناصر بين الجانبين، وليس فقط ربط مجموعاته في الداخل السوري بين منطقة البادية وشمال شرق سوريا، إذ كشف المتحدث فرهاد شامي مدير المركز الإعلامي لـ”قسد”، عن مسارين لربط مجموعاته بين العراق وسوريا: الأول، من المناطق الخاضعة لسيطرة مجموعات تابعة لتركيا غربي محافظة الحسكة إلى جنوب المحافظة باتجاه مخيم “الهول” ثم بلدة تل كوجر -اليعربية- الحدودية. والثاني، من شرق محافظة دير الزور إلى بلدة تل كوجر -اليعربية- الحدودية مع العراق. ومنذ العام الماضي، تتزايد التخوفات من تعافي تنظيم “داعش” واستعادة القدرة على ربط مجموعاته بين العراق وسوريا، واستغلال الحدود للتنقل بين الجانبين، خاصة مع انتقال عناصر لبنانية انضمت حديثاً إليه في صيف 2021، إلى العراق عبر سوريا، بما دفع الجانب العراقي إلى تعزيز تأمين الحدود، والاتجاه إلى بناء جدار خراساني على امتدادها.

4- محاولات تحرير عناصر “داعش” من “الهول”: يُشكل مخيم “الهول”- الذي يضم عناصر لتنظيم “داعش” وأخرى يشتبه في علاقتها بالتنظيم، إضافة إلى أسر تلك العناصر من النساء والأطفال-أزمة متفاقمة لـ”قسد”، في ظل حالة الانفلات الأمني المتصاعدة داخله، في ضوء محاولات عناصر “داعش” فرض سيطرته داخله، ونشر فكر التنظيم وتشكيل خلايا، مما أسفر عن تصاعد حالات العنف ومقتل عدد كبير من المحتجزين في المخيم. وسبق أن أعلنت قوات “قسد” إحباط مخططات خلايا “داعش” خارج المخيم، لتحرير عناصر التنظيم وأسرهم، عبر تفكيك عدد من تلك الخلايا، إضافة إلى استمرار محاولات الهروب من داخل المخيم، وكان آخرها محاولة هروب خلية لـ”داعش” تضم 7 أشخاص، بينهم امرأتان، قبل إحباط المحاولة من قبل القوات الأمنية المسئولة عن تأمين المخيم، بالاشتباك مع تلك الخلية، وفقاً لبيان “قسد” في 8 سبتمبر الجاري.

أبعاد مختلفة

في ضوء التهديدات المرتبطة بتنظيم “داعش” ونشاطه العملياتي والاختراق الأمني لمنطقة شمال شرق سوريا، فإن قوات “قسد” لجأت إلى حملة أمنية لخفض مستوى التهديدات، في ضوء تحركات منسقة، يمكن تناول أبرز أبعادها على النحو التالي:

1- تعدّد مستوى العمليات الأمنية: لم تتوقف الحملة الأمنية التي تنفذها قوات “قسد” على مستوى واحد، وإنما امتدت لتشمل أكثر من مستوى: الأول، ضبط الوضع الأمني في مخيم “الهول”، إذ شنت حملة أمنية لأكثر من أسبوعين، ونفذت المرحلة الثانية من تلك الحملة، والتي أطلقت عليها حملة “الإنسانية والأمن”، بعد اعتقال العشرات من عناصر التنظيم. والثاني، ملاحقة كوادر وعناصر التنظيم في منطقة شرق سوريا، حيث نفذت سلسلة من العمليات الأمنية للقبض على عناصر التنظيم، وبلغ عدد المقبوض عليهم نحو 18 شخصاً خلال أغسطس الفائت.

2- دعم أمريكي لجهود الملاحقة: تُقدم القوات الأمريكية المشاركة ضمن التحالف الدولي لمواجهة “داعش” دعماً لعمليات “قسد”، سواء داخل مخيم “الهول”، أو بالأخص في ملاحقة عناصر “داعش” وخلاياه في منطقة شمال شرق سوريا، إذ شاركت القوات الأمريكية بعمليات إنزال جوي للقبض على عناصر في “داعش” بمحافظتي دير الزور والحسكة، بمشاركة قوات “قسد”، لتفكيك خلايا التنظيم التي تمكنت من اختراق المحافظتين أمنياً خلال الأشهر القليلة الماضية، خاصة في ظل تصاعد معدل عمليات التنظيم خلال أغسطس الفائت، واستمرار العمليات الإرهابية رغم الحملات الأمنية. وأقدمت القوات الأمريكية على تسيير دوريات أمنية في محافظة الحسكة، كما زار قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا، مخيم “الهول”، وفقاً لبيان القيادة المركزية، في 10 سبتمبر الجاري، محذراً من كارثة، وهي الزيارة الأولى من نوعها لقائد القيادة المركزية.

3- الضغط لتسريع تفكيك مخيم “الهول”: تعزز زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية لمخيم “الهول”،والتأكيد على ضرورة إعادة الأجانب المحتجزين في المخيم إلى بلدانهم، من محاولات “قسد” تسريع تفكيك المخيم، في ظل عدم القدرة الكاملة على فرض السيطرة الأمنية والتحكم في الأوضاع داخله بشكل عام، بغض النظر عن الحملة الأمنية الأخيرة التي يمكن أن تستمر لفترة أطول. وتحاول “قسد” ممارسة الضغوط من خلال الولايات المتحدة لاستعادة الدول مواطنيها المحتجزين في المخيم منذ عام 2019، في ظل رفض بعض الدول استقبال تلك العناصر، وتحديداً بعض الدول الأوروبية، التي تميل إلى استقبال النساء والأطفال فقط مثل فرنسا، مع التباطؤ في هذا المسار أيضاً. في المقابل، فإن العراق يدفع هو الآخر باتجاه سرعة تفكيك المخيم وعودة تلك العناصر إلى بلدانهم الأصلية، باعتبار أن استمرار المخيم يُمثل خطورة لإمكانية عودة “داعش” مرة أخرى، مع استقبال دفعات كبيرة من حاملي الجنسية العراقية من المخيم على دفعات.

4- حرمان “داعش” من مصادر تمويلية: تهدف الحملة الأمنية التي تنفذها قوات “قسد”خارج مخيم “الهول” لملاحقة عناصر “داعش”، إلى محاولة حرمان التنظيم من خلاياه التي تساعد على توفير مصادر تمويلية، اعتماداً على فرض إتاوات على سكان منطقة شمال شرق سوريا، والشركات العاملة في مجال النفط وأخرى تستحوذ على بعض الآبار الصغيرة، بما يوفر قدرات تمويلية تمكن التنظيم من مواصلة النشاط العملياتي، إذ أعلنت “قسد”، في بيانات القبض على عناصر التنظيم منذ أغسطس الفائت، أن بعضهم يتولى جمع التمويلات وتقديم الدعم اللوجيستي لخلايا التنظيم.

تحجيم النشاط

وأخيراً، فإن التحركات الأمنية لـ”قسد” بالتنسيق والدعم من قبل القوات الأمريكية ضمن التحالف الدولي لمواجهة “داعش”، يمكن أن تؤدي إلى تحجيم نشاط الأخير في محافظتي دير الزور والحسكة. ومن خلال تتبع النطاق الجغرافي للنشاط العملياتي للتنظيم، وتحديداً خلال أول أسبوعين من سبتمبر الجاري، فإن العمليات يتركز أغلبها في محافظة الرقة، وإن كانت تستهدف قوات “قسد”، إلا أنها تراجعت في دير الزور والحسكة على وقع الحملة الأمنية. وخلال فترة الحملة الأمنية، نفّذت القوات الجوية الروسية ضربات جوية في محافظة الرقة، ويُقدر عدد الغارات منذ مطلع الشهر الجاري بنحو 100 غارة جوية، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، في محاولة لاحتواء ارتدادات زيادة النشاط في الرقة، على وقع الحملة الأمنية في دير الزور والحسكة.