أزمة مزمنة:
كيف تواجه أوروبا الهجرة غير الشرعية من المنطقة؟

أزمة مزمنة:

كيف تواجه أوروبا الهجرة غير الشرعية من المنطقة؟



أعاد حادث غرق مركب يقل مهاجرين قبالة جزيرة لامبيدوسا الإيطالية، كان قد أبحر من مدينة صفاقس التونسية، التي تعد نقطة الانطلاق الرئيسية للمهاجرين غير الشرعيين الذين يسعون للوصول إلى إيطاليا بالقوارب، في 24 يونيو الفائت، الحديث مجدداً عن قضية الهجرة غير الشرعية من دول شمال أفريقيا إلى الدول الأوروبية، التي أضحت تولي أهمية خاصة لمواجهة موجاتها المتزايدة، لا سيما مع صعود الأحزاب اليمينية إلى السلطة في عدد منها وتبنيها سياسة متشددة في هذا السياق، وكذلك تزايد الضغوط على الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات مشتركة من أجل معالجة تلك القضية التي تفرض العديد من التداعيات على المجتمع الأوروبي في المرحلة الحالية، في وقت لا تزال فيه العديد من دول الاتحاد تعاني من آثار جائحة كوفيد-١٩ حتى الآن.

وقد أعلنت المنظمة الدولية للهجرة، في ١٤ يونيو الفائت، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شهدت معظم حالات الوفاة أثناء الهجرة على مستوى العالم، والتي سجلها مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة. فقد أشارت في تقريرها إلى أن ما يقرب من ٣٧٨٩ شخصاً لقوا حتفهم على طرق الهجرة داخل ومن شمال أفريقيا والشرق الأوسط المؤدية إلى أوروبا ومناطق أخرى في عام ٢٠٢٢، أي بزيادة ١١٪ عن العام الذي سبقه، وهي أعلى حصيلة منذ عام ٢٠١٧ الذي سجل ٤٢٥٥ حالة وفاة.

جهود متعددة

لمواجهة تزايد موجات الهجرة غير الشرعية من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، اتخذت العديد من الدول المصدرة للمهاجرين، وتلك المستقبلة لهم، العديد من الإجراءات خلال الشهر الفائت، لمواجهة تلك الظاهرة التي تثير قلق طرفيها، ومن أبرز تلك الإجراءات ما يلي:

1- شراكة أوروبية شاملة مع تونس: في إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية من شمال أفريقيا إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، اقترح الاتحاد الأوروبي خلال زيارة رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، لتونس، في ١١ يونيو الفائت، تقديم مساعدات لإنعاش الاقتصاد والحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين، حيث تعد تونس بوابة للمهاجرين وطالبي اللجوء الذين يحاولون القيام برحلات خطيرة للوصول إلى أوروبا. فقد أعلنت وزارة الداخلية الإيطالية، في ١٠ يونيو الفائت، أن أكثر من ٥٣٨٠٠ مهاجر وصلوا إلى إيطاليا عبر البحر منذ بداية العام، وهو ما يشكل ضعف عدد العام الماضي إجمالاً (٢١٧٠٠ شخص)، ومعظمهم جاؤوا من تونس.

ويأتي الاقتراح الأوروبي لشراكة أوروبية شاملة مع تونس بعد أيام من توصل دول الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق يتم بموجبه تقاسم مسئولية رعاية اللاجئين والمهاجرين، الأمر الذي يقضي بوجوب تقاسم الأعباء المترتبة جراء ذلك، ويمهد الطريق أمام السماح لإيطاليا بترحيل طالبي لجوء ومهاجرين إلى دول مثل تونس. ويتولى الاتحاد الأوروبي تمويل العودة الطوعية للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء عبر تونس إلى بلادهم.

2- الدعوة لتنظيم مؤتمر دولي: رفض الرئيس التونسي قيس سعيّد، عشية زيارة الوفد الأوروبي لبلاده، من مدينة صفاقس الساحلية نقطة الانطلاق الرئيسية للمهاجرين، أن تمارس تونس دور “شرطي الحدود” لأوروبا. وقد طالب في المقابل بتنظيم مؤتمر دولي يجمع دول شمال أفريقيا وشمال البحر المتوسط ودول الساحل والصحراء للتوصل إلى حل جماعي لملف الهجرة غير الشرعية. وقد بحث سعيّد في اتصال هاتفي مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، في ٢ يونيو الفائت، المبادرة التونسية لـعقد مؤتمر رفيع المستوى يضم دولاً أفريقية وأوروبية بهدف معالجة أسباب تنامي موجات الهجرة غير الشرعية من دول شمال أفريقيا لأوروبا والتوافق على إجراءات لمواجهتها.

3- إحباط محاولات اجتياز الحدود البحرية: على الرغم من نظر الدول الأوروبية لتونس على أنها الدولة المصدرة لغالبية موجات الهجرة غير الشرعية من مواطني دول أفريقيا جنوب الصحراء لأوروبا لقرب الدولة من أوروبا، حيث لا تتجاوز المسافة ١٥٠ كم بين شواطئ تونس وجزيرة لامبيدوسا الإيطالية، فإن تونس، وفقاً لبيان صادر عن الإدارة العامة للحرس الوطني، أحبطت في الفترة من ٢٧ إلى ٢٩ يونيو الفائت ٦٥ محاولة اجتياز للحدود البحرية، خلال عطلة عيد الأضحى، وقامت بإنقاذ ٢٠٦٨ مهاجراً، بينهم ٢١٠ تونسيين حاولوا العبور نحو السواحل الأوروبية.

وفي محاولة لمنع الهجرة غير الشرعية من شواطئ شمال لبنان باتجاه دول أوروبا التي تتزايد بوتيرة متسارعة رغم حادث غرق مركب في ٢٣ أبريل الماضي، نجحت السلطات اللبنانية، في ٣٠ يونيو الفائت، في احتجاز مركب صيد يُشتبه في أنه كان يستعد لنقل ركاب بصورة غير شرعية عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا.

4- توسيع نطاق التعاون البريطاني-الإيطالي: كشفت صحيفة “تليجراف”، في ٣٠ يونيو الفائت، عن تعاون بين بريطانيا وإيطاليا لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين من شمال أفريقيا إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط وإعادتهم إلى دول شمال أفريقيا، من خلال تعزيز تبادل المعلومات الاستخبارية بشأن مهربي البشر، والعمليات المشتركة، وتعاون قوات الحدود ووكالات الجريمة الوطنية بالدولتين. ويأتي التعاون بعد الاجتماع الذي عقد بين رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، في 27 أبريل الفائت، واتفاقهما على أن البلدين بحاجة إلى إعطاء الأولوية للتعاون في معالجة الهجرة غير الشرعية في شكل “شراكة الهجرة الاستراتيجية” الجديدة.

مقاربة شاملة

تشكل بعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا سيما تونس وليبيا، أحد الممرات الرئيسية للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، سواء من قبل مواطنيها، أو من جانب مواطني دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وخاصة الدول التي تعاني من الحروب الأهلية، والتصحر والجفاف، الأمر الذي يزيد من حدة الأزمات الاقتصادية التي يعيشها مواطنوها، وهو الأمر الذي يشير إلى أن معالجة قضية الهجرة غير الشرعية من المنطقة إلى أوروبا تتطلب مقاربات تعالج أسبابها في الدول المصدرة لها، وتعاوناً دولياً متعدد الأطراف لمعالجة التحديات والأزمات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط، والتي تدفع مواطنيها للهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية، وتقديم حلول ملموسة للتصدي للهجرة المناخية، وكذلك فتح الدول الأوروبية آفاقاً جديدة للهجرة المنظمة، بدلاً من التعامل مع أعراض المشكلة وليس أسبابها الجذرية.