احتواء التهديد:
كيف تواجه أمريكا و”قسد” تحركات “داعش” في سوريا؟

احتواء التهديد:

كيف تواجه أمريكا و”قسد” تحركات “داعش” في سوريا؟



تدفع القوات الأمريكية بالتعاون مع قوات “قسد” إلى محاولة احتواء التهديدات المتعلقة بخلايا تنظيم “داعش” في الساحة السورية، وتحديداً نشاط التنظيم باتجاه مناطق شمال شرقي سوريا التي تخضع لسيطرة “قسد”، عقب استغلال خلايا “داعش” القصف التركي لتنشيط خلاياه، ومحاولة تحرير بعض المحتجزين في مقر أمني بالرقة. إذ كثفت “قسد” الحملات الأمنية خلال شهر يناير الجاري، إضافة إلى مواصلة القوات الأمريكية تفكيك الخلايا من خلال عمليات نوعية اعتماداً على معلومات استخباراتية، إضافةً إلى تأمين مقرات احتجاز عناصر “داعش”، ودفع القوات الأمريكية بتعزيزات عسكرية ومواد لوجيستية لدعم عمليات في سوريا.

إذ تتصاعد التخوفات على الساحة السورية، منذ شهر نوفمبر الماضي، من تصاعد عمليات تنظيم “داعش”، سواء في الجنوب السوري، أو بمنطقة البادية بوسط البلاد، واتجاه العمليات إلى مناطق نفوذ وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شمال شرقي سوريا.

ودفعت التطورات المتعلقة بعمليات القصف الجوي والمدفعي التي نفذتها القوات التركية، على مناطق نفوذ “قسد”، وانعكاساتها في تراجع العمليات الأمنية لملاحقة عناصر “داعش”، إلى حالة استنفار في بعض المناطق التي شهدت اختراقات للتنظيم، مع استمرار عمليات الانخراط الأمريكي في عمليات ميدانية ضمن عمليات التحالف الدولي لمواجهة “داعش”.

تصاعد التخوفات

يثير نشاط تنظيم “داعش” تخوفات أطراف متعددة في ضوء عدد من السياقات التي لا ترتبط بالساحة السورية فقط، وإنما تمتد إلى الساحة العراقية أيضاً، كالتالي:

1- التحذيرات الأممية والأمريكية من عودة “داعش”: أثارت عمليات القصف الجوي والمدفعي التركي على مناطق سيطرة “قسد” منذ نوفمبر الماضي، مع استمرار عمليات القصف بطائرات من دون طيار خلال شهر يناير الجاري، ضمن عوامل أخرى مرتبطة باستمرار العوامل المحفزة للهشاشة الأمنية، وقدرة تنظيم “داعش” على التكيف الميداني، جملة من التخوفات من تمكن التنظيم من إعادة بناء قدراته رغم جهود مكافحة الإرهاب المستمرة.

وحذرت تقارير أممية وأمريكية من تصاعد نشاط تنظيم “داعش” الإرهابي، في مناطق نفوذه التقليدية بسوريا والعراق خلال عام 2023، بناء على قدرته على التماسك أمام حملات مكافحة الإرهاب. فيما أشارت تقارير إعلامية إلى تخوف الولايات المتحدة من حملات انتقامية للتنظيم رداً على استهداف قياداته في سوريا من قبل القوات الأمريكية المشارِكة ضمن التحالف الدولي لمواجهة “داعش”.

2- تكثيف “داعش” النشاط العملياتي على الساحة السورية: تشير البيانات التي كشفتها وكالة “أعماق” الموالية لتنظيم “داعش” إلى تكثيف التنظيم عملياته في أواخر شهر ديسمبر الماضي، وإن كان معدل العمليات يميل إلى الاستقرار عند مستوى 14 عملية خلال الربع الأخير من عام 2020، في حين أن إجمالي العمليات خلال الفترة (1 – 26 يناير 2023) بلغ 9 عمليات فقط.

في المقابل، فإن بيانات “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أشارت إلى تنفيذ “داعش” نحو 14 عملية في سوريا منذ مطلع شهر يناير الجاري. ورغم تضارب البيانات المتعلقة بحصر النشاط العملياتي لتنظيم “داعش” في سوريا، فإن المؤشرات تشي بتصعيد عملياتي للتنظيم، مع عدم إغفال تعمد “داعش” عدم الإعلان عن إجمالي عملياته في منطقتي البادية والجنوب السوري.

لكن التحول الأبرز في مسار النشاط العملياتي لـ”داعش” هو الاتجاه إلى تحرير عناصره المحتجزين في السجون أو مقرات الاحتجاز، إذ هاجم عناصر التنظيم مقراً أمنياً مركزياً لـ”قسد” في الرقة خلال شهر ديسمبر الماضي.

3- ضغوط على القوات الأمريكية باستهداف قاعدة “التنف”: بموازاة تصاعد النشاط العملياتي لـ”داعش” في سوريا، فإن القوات الأمريكية المتمركزة على الساحة السورية تواجه تحديات أمنية أخرى، إذ تعرضت قاعدة “التنف” لعملية قصف جديدة خلال شهر يناير الجاري، ورغم أن عملية القصف لا ترتبط بتنظيم “داعش” ويحتمل ارتباطها بمليشيات موالية لإيران في المنطقة، إلا أنها تزيد من الضغوط على القوات الأمريكية، خاصة بعد التخطيط لانخراط عسكري متزايد على الساحة السورية، وتحديداً في مناطق نفوذ قوات “قسد”.

وخلال النصف الثاني من العام الماضي، أشارت تقارير إعلامية إلى تخطيط الولايات المتحدة لإنشاء قواعد عسكرية جديدة في شمال شرقي سوريا، وتحديداً في محافظة الرقة التي تخضع لسيطرة مشتركة بين “قسد” وقوات الجيش السوري ومليشيات إيرانية موالية.

4- تزايد التخوفات العراقية من نشاط تنظيم “داعش”: رغم عدم ملاحظة قفزات في النشاط العملياتي لتنظيم “داعش” على الساحة العراقية خلال الأشهر قليلة الماضية، إلا أن تصريحات المسؤولين العراقيين تُشير إلى تخوفات من نشاط متزايد للتنظيم خلال الفترة المقبلة، ربما يرتبط ذلك بمعلومات استخباراتية تحصلت عليها القوات العراقية في ظل عمليات اعتقال عناصر فاعلة في مجموعات التنظيم هناك.

وفي هذا السياق، برزت تصريحات رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، خلال شهر يناير الجاري، التي أشار فيها إلى حاجة العراق إلى استمرار القوات الأجنبية، وبشكل خاص القوات الأمريكية التي تشارك ضمن التحالف الدولي لمواجهة “داعش”، والتي بات دورها يقتصر على تقديم الدعم المعلوماتي والاستخباراتي والتدريب والتوجيه للقوات العراقية التي تلاحق عناصر “داعش”.

ورغم تعدد التفسيرات السياسية المرتبطة بهذه التصريحات، إلا أنها تعكس تخوفات العراق من “داعش”، مع إدراك أن التنظيم لا يزال يمتلك قدرات على مواصلة نشاطه العملياتي، بما يعني الحاجة لاستمرار عمليات مكافحة الإرهاب، والتنسيق مع القوات الأمريكية و”قسد” لمواجهة تسلل العناصر بين العراق وسوريا.

تحركات مكثفة

أمام التخوفات الأممية، والأمريكية بشكل خاص، من احتمالات استغلال تنظيم “داعش” الأوضاع على الساحة السورية، في ضوء تكثيف التنظيم عملياته، فإن ثمة بعض التحركات الميدانية لمواجهة هذا النشاط، وأبرزها:

1- تكثيف العمليات الأمنية لـ”قسد” بالرقة: لم تقتصر عمليات “قسد” على عودة الدوريات الأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرتها في شمال شرقي سوريا منذ شهر ديسمبر الماضي، بعد الخروقات الأمنية لـ”داعش” في تلك المناطق، من خلال استغلال عمليات القصف التركي، ولكن امتدت لتشمل تنفيذ حملات أمنية مكثفة لعدة أيام في مناطق محددة، وتحديداً محافظة دير الزور خلال شهر ديسمبر، بعد ظهور عناصر التنظيم في المحافظة بشكل علني، وفقاً لتقارير محلية.

وخلال شهر يناير، نفذت قوات “قسد” حملات أمنية على مناطقيشتبه في أنها تمثل نقاط تمركز لخلايا التنظيم، وتحديداً في محافظة الرقة، بعد عملية استهداف مقر أمني مركزي خلال شهر ديسمبر الماضي، إذ أطلقت أواخر الشهر ذاته عملية “صاعقة الجزيرة”، أسفرت عن اعتقال العشرات من قيادات وعناصر التنظيم، وشملت مدينة الرقة وريفها مثل مدينة الطبقة وبلدة الكرامة، إضافة لبلدة صرين.

وفي محاولة لاحتواء تهديدات “داعش”، أطلقت “قسد” عملية أمنية ثانية في 25 يناير الجاري، في نطاق محافظة الرقة والمناطق الريفية التابعة لها، بما يشي باتجاه “قسد” لتصفية خلايا التنظيم، في ظل تعددها والتمركز بمناطق متفرقة، منعاً لاستهدافها.

2- استمرار العمليات النوعية الأمريكية لتفكيك الخلايا: بجانب تقديم القوات الأمريكية المشاركة في التحالف الدولي لمواجهة “داعش” الدعم الميداني والجوي لعمليات “قسد”، واستعادة الدوريات المشتركة في مناطق نفوذ “قسد” لفرض الأمن منذ شهر ديسمبر الماضي، فإن القوات الأمريكية تواصل عملياتها النوعية لتفكيك خلايا التنظيم، من خلال استهداف القيادات والعناصر الفاعلة في الهيكل التنظيم لـ”داعش”، سواء على المستوى العملياتي أو مجموعات الدعم اللوجيستي، وهو النهج نفسه الذي بدأته القوات الأمريكية العام الماضي.

وأشارت تقارير إعلامية، بتاريخ 23 يناير الجاري، إلى إعلان “القيادة المركزية” الأمريكية اعتقال اثنين من قيادات “داعش”، في عملية برية بغطاء جوي، وهما “عبد الله حامد مصلح المداد الملقب بأبي حمزة السوري، وحسام حامد السوري”.

3- دفع أمريكا بتعزيزات عسكرية إلى قواعدها بالحسكة: في منتصف شهر يناير الجاري، تطرقت تقارير إعلامية محلية إلى دفع القوات الأمريكية بتعزيزات عسكرية، أغلبها لوجيستية، إلى قواعدها في محافظة الحسكة، قادمة من القاعدة العسكرية في كردستان العراق، وعبرت إلى قاعدة الشدادي جنوب المحافظة. ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها رصد تحركات عسكرية أمريكية للدفع بتعزيزات عسكرية إلى بعض قواعده في سوريا، إلا أن هذه المرة تشير بعض التقارير إلى إجراء مناورات مشتركة بين القوات الأمريكية وقوات “قسد” في محافظة الحسكة.

4- تعزيز إجراءات تأمين المخيمات والسجون: تمثل محاولات تنظيم “داعش” تحرير عناصره من السجون والمخيمات وتحديداً “الهول”، أحد الأهداف الاستراتيجية للتنظيم في سوريا، والتي تضم الآلاف من تلك العناصر وأسرهم، وفي حال تمكن التنظيم من تحرير بعض من عناصره فقد يدفع إلىزيادة نشاطه العملياتي وعودته إلى سوريا، وانعكاسات ذلك على الحالة الأمنية في العراق، في ضوء هشاشة الحدود بين البلدين، وبالتالي فإن قوات “قسد” بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة دفعت بتعزيز إجراءات التأمين منذ شهر نوفمبر الماضي بعد عمليات القصف التركي.

وتخلت قوات “قسد” خلال شهر نوفمبر عن الدوريات الأمنية وحملات ملاحقة عناصر “داعش”، في مقابل تعزيز تأمين السجون والمخيمات، ودفعت إلى تعزيز الإجراءات في محيط تلك المقرات، قبل أن تدفع إلى تنفيذ حملات أمنية داخل المخيمات بالتعاون مع التحالف الدولي، وفصل بعض الأسر ونقلهم من القطاع السابع إلى القطاع الأول داخل مخيم الهول، للسيطرة على خلايا “داعش”.

تكثيف المواجهة

وأخيراً، فإن تكثيف القوات الأمريكية بالتعاون مع قوات “قسد” التحركات الميدانية والعسكرية لمواجهة خلايا تنظيم “داعش” خلال الفترة الحالية، محاولة لاستدراك تراجع عمليات مكافحة الإرهاب خلال القصف التركي المكثف خلال شهر نوفمبر وديسمبر الماضيين، بما سمح لخلايا “داعش” بتكثيف عملياته على أكثر من اتجاه، وبشكل خاص باتجاه مناطق سيطرة “قسد”، وتدفع العمليات الأمريكية مع “قسد” إلى احتواء التهديدات، ومواصلة الضغط على خلايا “داعش”، منعاً لحالة تدهور أمني يرتبط بتكثيف النشاط العملياتي للتنظيم.