خارطة طريق:
كيف تنظر الحكومة الأردنية إلى رؤية “تحديث الاقتصاد 2033″؟

خارطة طريق:

كيف تنظر الحكومة الأردنية إلى رؤية “تحديث الاقتصاد 2033″؟



تعد رؤية “تحديث الاقتصاد 2033” التي أطلقها الأردن للسنوات العشر المقبلة “2022 – 2033″، بمثابة خارطة طريق للبلاد. إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه يتعلق بإمكانية تحقيق أهداف هذه الرؤية بما تنطوي عليه من طموح اقتصادي في ظل عدد من العقبات، ومنها رفض الرأى العام رفع أسعار الوقود، فضلاً عن ارتفاع التكاليف الخاصة بمدخلات الإنتاج، وزيادة أسعار الطاقة، وارتفاع الجمارك. والأهم، كيفية معالجة المشكلات الناجمة عن ارتفاع المديونية، وعدم توافر الدعم الكافي للمستثمرين.

أطلق الأردن رسمياً، في 6 يونيو الجاري، وبحضور الملك عبدالله الثاني، وضمن المحاولات الحكومية لتحسين الاقتصاد ومعالجة الفقر والبطالة، التي وصلت إلى مستويات قياسية، رؤية “تحديث الاقتصاد 2033″، التي تقوم على ثلاث مراحل زمنية تشمل 366 مبادرة، وتستهدف توفير مليون فرصة عمل، خلال السنوات العشر القادمة.

وتحت شعار “مستقبل أفضل”، تقوم الرؤية الأردنية، التي تأتي في 124 صفحة، على ركيزتين استراتيجيتين: النمو المتسارع من خلال إطلاق كامل الإمكانات الاقتصادية، والارتقاء بنوعية الحياة لجميع المواطنين؛ بينما تُشكل الاستدامة ركناً أساسياً في هذه الرؤية المستقبلية، وذلك حسب ما جاء في “الملخص التنفيذي” للرؤية.

وتكمن أهمية رؤية التحديث الاقتصادي في اعتبارها بمثابة “خارطة طريق” ومنهجية عمل “عابرة للحكومات”، بحسب ورقة الموقف التي أصدرها المنتدى الاقتصادي الأردني، في 6 يونيو الجاري. وتمثل رؤية التحديث الاقتصادي أحد مسارات ثلاثة متلازمة، تدخل بها الدولة الأردنية “المئوية الثانية”، بحسب ما أكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول.

ثلاثية التحديث

يمثل المسار الأول التحديث السياسي، الذي تم إنجازه من خلال قانون الانتخاب والأحزاب السياسية، والتعديلات الدستورية المرتبطة بهما، إضافة إلى التغيير الذي سوف يحدث على شكل السلطة التشريعية، خلال الدورات الانتخابية المقبلة، بحيث يصبح “ثلثا” أعضاء مجلس النواب حزبيين.

ويتناول المسار الثاني التحديث الاقتصادي، الذي جاء كنتيجة لمخرجات اجتماعات نظمها الديوان الملكي، ضمت 500 من المتخصصين والخبراء وممثلين عن القطاعين العام والخاص، والبرلمان، ومؤسسات المجتمع المدني، تحت شعار “إطلاق الإمكانات لبناء المستقبل”.

ويتضمن المسار الثالث التحديث الإداري، أو بالأحرى تحديث القطاع العام، بهدف الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، وتسهيل الإجراءات البيروقراطية، ورفع كفاءة العاملين، بحسب المتحدث باسم الحكومة.

وبخصوص رؤية التحديث الاقتصادي، التي ستكون بمثابة “خارطة طريق” للسنوات المقبلة، فقد أشار رئيس الوزراء الأردني بشير الخصاونة، خلال إطلاق الرؤية، إلى ثلاث مراحل زمنية للتنفيذ. المرحلة الأولى، قصيرة المدى تتراوح بين عامى “2022 – 2025″، وتشمل إجراء تحسينات على السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والاستفادة من الموارد والمهارات وتعزيزها. فيما تمتد المرحلة الثانية متوسطة المدى بين عامى “2026 – 2029″، وتشمل الوصول إلى موارد ومنتجات ومهارات جديدة، ومواكبة للتطورات الاقتصادية. أما المرحلة الثالثة طويلة المدى بين عامى “2030 – 2033″، فتقوم على معالجة أى فجوات استراتيجية والاستعداد لمراحل النمو المستقبلية.

طموح اقتصادي

تنصرف إحدى أهم الملاحظات على رؤية التحديث الاقتصادي الأردنية، إلى الطموح في الوصول إلى الاقتصاد الوطني القوي، الذي يرفع من معدلات النمو ويستطيع توفير فرص العمل؛ والذي -بدوره- سوف يُساهم في رفع ترتيب الأردن في مؤشر تنافسية الاستدامة العالمية، ليصبح أعلى 40%. وهذا بالتزامن مع تحسين الوضع البيئي العام في البلاد، لكى ينعكس على مؤشر الأداء البيئي العالمي، ليصبح ضمن أعلى 20%.

وبالإضافة إلى محاولة رفع ترتيب الأردن، في مؤشر “ليجاتوم” للازدهار، ليصبح ضمن أعلى 30%، بحسب ما جاء نصاً (ص 29)؛ فإن الرؤية تهدف إلى اجتذاب 41 مليار دولار في شكل تمويلات سوف تساعد في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للأردن إلى 58.1 مليار دينار (82 مليار دولار)، بحلول عام 2033، بدلاً من 30.2 مليار دينار حالياً.

وتهدف الخطة إلى تحقيق الاستدامة في سوق العمل، خلال العقد المقبل، من خلال توفير مليون فرصة عمل (من بينها 99 ألف فرصة عمل بـ”دوام كامل” في القطاع السياحي) بواقع 100 ألف فرصة عمل سنوياً. هذا فضلاً عما تم الإعلان عنه، حول الاستثمار السعودي في قطاع الصحة بقيمة 400 مليون دولار، بما يساهم في النهوض بالقطاع الصحي، وتحفيز السياحة العلاجية في البلاد.

عبر هذه الأهداف الاستراتيجية، يبدو الطموح الاقتصادي بوضوح في رؤية التحديث الاقتصادي، التي انطلقت المرحلة الأولى منها مع بداية الإعلان عنها. ويتواكب مع هذا الإعلان، من جانب، انتهاء المراجعة الرابعة لبعثة صندوق النقد الدولي للاقتصاد الأردني، في إطار اتفاق التصحيح الهيكلي الموقع بين الأردن والصندوق، لمدة أربع سنوات تنتهي العام المقبل.

أيضاً، يتواكب مع الإعلان عن انطلاق رؤية التحديث الاقتصادي، الزيادة في المساعدات التي يحصل عليها الأردن من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي وصلت إلى 1.65 مليار دولار سنوياً.

تعاون خارجي

إضافة إلى زيادة المساعدات الأمريكية إلى الأردن، فقد أعلنت الأمم المتحدة الترحيب بإطلاق رؤية التحديث الاقتصادي، كجزء من أجندة الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي في الأردن. وأشارت في بيان لها، في 8 يونيو الجاري، إلى العمل من أجل تطوير إطار التعاون الجديد للأعوام “2023-2027″، بما يتيح الفرصة لمواءمة الأولويات المدرجة ضمن إطار التعاون لدعم تنفيذ الرؤية الاقتصادية الجديدة.

وفضلاً عن الأمم المتحدة، جاء الإعلان في منطقة البحر الميت، في 2 يونيو الجاري، عن حزمة قرارات أردنية-أوروبية مشتركة، من أهمها إطلاق منصة مشتركة للاستثمارات، بالإضافة إلى حزمة دعم للأمن الغذائي والحماية الاجتماعية. ومن المتوقع، كما أعلن المفوض الأوروبي لسياسة التوسع والحوار أوليفر فارهيلي، في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع، أن تصل قيمة الاستثمارات إلى 2.5 مليار يورو. كما كشف عن تخصيص 25 مليون يورو للدعم الغذائي، و24 مليون يورو للحماية الاجتماعية، خلال الفترة “2022–2027”.

وربما تأتي في هذا السياق، الملاحظة الخاصة بالإعلان عن رؤية التحديث الاقتصادي، بعد أيام من التوقيع على وثيقة مبادرة “الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة”، في 29 مايو الفائت، بين مصر والأردن والإمارات، في إعلان من الدول الثلاث عن مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي المشترك، في 5 مجالات صناعية.

عقبات محتملة

رغم التفاؤل الكبير من جانب الحكومة، ومن قِبل عدد من المراقبين على الساحة الاقتصادية الأردنية؛ إلا أن تصريح وزير الداخلية مازن الفراية، بعد الإعلان عن الخطة الاقتصادية بأيام ثلاثة، قلّص هذا التفاؤل، حينما صرح بأن “على الأردنيين الاستعداد لرفع أسعار الوقود مجدداً، أربع مرات على الأقل خلال الأشهر المقبلة”. مثل هذا التصريح، في حقيقته، وبما يعنيه من ارتفاع أسعار الوقود، وغيره من السلع بالتبعية، يدفع كثيراً من الأردنيين إلى عدم إبداء الحماسة نفسها التي أبداها رئيس الوزراء، وطاقم وزارته، لخطة التحديث الاقتصادي التي أعلنها.

صحيح أن الخطة التي أعلنتها الحكومة طموحة وجيدة، وتستهدف الانتقال بالاقتصاد إلى مستوى المنافسة؛ إلا أنه يبقى من الصحيح -أيضاً- أنها تصطدم بالكثير من العقبات، أهمها البيئة التشريعية التي تعرقل الاستثمارات، سواء لجهة التوسع فيها أو لجذب استثمارات جديدة، بما يتطلب تطوير هذه البيئة، وتسهيل الإجراءات أمام المستثمر الأردني أو الأجنبي.

إلى جانب ذلك، فإن هناك تعقيدات متعددة تقف حائلاً أمام تحقيق أهداف الرؤية، ومن بينها: غياب النافذة الواحدة، فضلاً عن ارتفاع التكاليف الخاصة بمدخلات الإنتاج، وزيادة أسعار الطاقة، والكهرباء والمياه، وارتفاع الجمارك. والأهم، كيفية معالجة المشكلات الناجمة عن ارتفاع المديونية، خلال السنوات العشر السابقة، من 9 مليارات دولار إلى أكثر من 49 مليار دولار حسب بعض التقديرات.

تفاؤل حذِر

خلاصة القول، إن رؤية التحديث الاقتصادي تأتي في ظل الحالة الصعبة التي يعانيها الاقتصاد، مع انتشار البيروقراطية، وغياب الدعم الكافي للمستثمرين، لتمثل أحد مسارات ثلاثة تستهدف الانتقال بالدولة إلى مستوى المنافسة الاقتصادية والحماية الاجتماعية. إلا أن عدداً من العوامل تدفع التعامل مع هذه الرؤية إلى ما يمكن تسميته بـ”التفاؤل الحذر”، في مقدمتها أن الخطط الاستراتيجية الطويلة لم تعد كثير من الحكومات تلجأ إليها في ظل تسارع التغير في الظروف السياسية والاقتصادية، محلياً وإقليمياً وعالمياً. ومن ثمّ لابد للحكومة من أن تقوم ببناء “مُسَرِّعات استراتيجية” لبناء تنمية مستدامة، بحيث تتمكن من الانتقال من إدارة الأزمات إلى إدارة القدرات؛ بما يعني الاهتمام بالتخطيط القائم على الأثر المباشر وتفعيل منظومة اتخاذ القرار، في الإطار العام للتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، إلى جانب أهمية ضمان الحكومة الحفاظ على “ثقة المواطنين”، بتطوير خطاب إعلامي مرن، وتسليط الضوء على بعض الممارسات المبتكرة للحكومة، عبر الاستفادة من تجارب حكومات أخرى على مستوى المنطقة والعالم.