توسيع العنف:
كيف تفاعلت التنظيمات الإرهابية مع عملية “طوفان الأقصى”؟

توسيع العنف:

كيف تفاعلت التنظيمات الإرهابية مع عملية “طوفان الأقصى”؟



يبرز تعاطي تنظيم “القاعدة” وأفرعه المختلفة، مع أحداث “طوفان الأقصى”، في محاولة لتوظيفها القضية الفلسطينية لصالحه، بإظهار الدعم الكامل لهجوم حماس على المستوطنات في غلاف غزة، مع محاولة إبراز حالة الهشاشة والضعف لإسرائيل، لعدم القدرة على مواجهة الهجوم، مع الهجوم على الدعم الغربي ولا سيما الأمريكي لإسرائيل، فيما تجنبت البيانات المختلفة الإشارة إلى حركة حماس، مع اكتفاء بعضها بالحديث عن كتائب عز الدين القسام، لتجنب الخلاف الأيديولوجي مع الفصائل الفلسطينية، ودعت إلى العنف على أكثر من مستوى سواء بإشعال الضفة الغربية، واستمرار عمليات “طوفان الأقصى”، وتحريض مواطني دول الجوار لفلسطين، والدعوة لاستهداف المصالح الإسرائيلية والأمريكية في كل الدول الإسلامية، ولا سيما في دول أفرعها الرئيسية، مع الدعوة لاستهداف الإسرائيليين في دول الاتفاقيات الإبراهيمية.

مع استمرار الأحداث في غزة، عقب هجوم حركة حماس على المستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة فيما يُعرف بعملية “طوفان الأقصى”، توالت بيانات التنظيمات الإرهابية، وبشكل خاص المرتبطة بتنظيم القاعدة، لإعلان موقفها الداعم والمؤيد لهجوم حماس الأخير، عبر أربعة بيانات رئيسية.

وفي مقابل التفاعل من قبل تنظيم “القاعدة” وأفرعه والجماعات المرتبطة به، لم يعلن تنظيم “داعش” عن موقفه حيال الهجوم أو الأحداث التالية من قصف إسرائيلي للقطاع، أو التمهيد لعملية برية عسكرية، بشكل صريح، ولكنه اكتفى في عدد صحيفة “النبأ” الأسبوعية بتاريخ 12 أكتوبر 2023، بإشارات مبطنة لضرورة نصرة المسلمين، دون التطرق إلى أحداث “طوفان الأقصى”.

تفاعل “القاعدة”

ويمكن التطرق إلى حدود تفاعل بيانات تنظيم “القاعدة” والأفرع والجماعات المرتبطة به، مع أحداث “طوفان الأقصى”، في ضوء قراءة البيانات، والوقوف على طبيعة القضايا المثارة فيها، وهي كالتالي:

1- كثافة التعاطي مع عملية “طوفان الأقصى”: يبرز في سياق تفاعل تنظيم “القاعدة” بأفرعه الرئيسية والجماعات المرتبطة به، كثافة التعاطي مع أحداث “طوفان الأقصى”، إذ توالت البيانات الصادرة عن التنظيم وتلك الأفرع عقب يومين فقط من هجوم حركة حماس على المستوطنات الإسرائيلية، وكان أول بيان صادر عن فرع التنظيم في اليمن، المسمى “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، بتاريخ 9 أكتوبر، أعقبه بثلاثة أيام تقريباً بيان لحركة الشباب في الصومال، نشرته حسابات موالية لتنظيم “القاعدة”.

فيما صدر بيان مشترك بين فرع “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” بتاريخ 13 أكتوبر، وفي اليوم نفسه نشرت حسابات تابعة لتنظيم “القاعدة” عبر مواقع التواصل الاجتماعي بياناً للقيادة المركزية لتنظيم “القاعدة” المعروفة بـ”قاعدة الجهاد – القيادة العامة”.

2- محاولات لتوظيف الوضع في فلسطين: سعى تنظيم “القاعدة” سواء على مستوى ما يُعرف بـ”القيادة العامة” أو الأفرع والجماعات المرتبطة به، إلى محاولة توظيف أحداث “طوفان الأقصى”، وما تبعها من تصعيد بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، خاصة أن تنظيم “القاعدة” لطالما حاول توظيف القضية الفلسطينية لصالحه عبر التحريض على العنف.

وكان زعيم التنظيم أيمن الظواهري، الذي أعلنت الولايات المتحدة مقتله في العاصمة الأفغانية، قد أصدر عدداً من الإصدارات المرئية التي تناول فيها القضية الفلسطينية، وإثارة ما يُعرف بـ”صفقة القرن”، إضافة إلى الاهتمام بحملة “القدس لن تهود” في مجلة “أمة واحدة” الصادرة عن التنظيم.

وخلال البيانات الأربعة للتنظيم وأفرعه، يتضح أن التنظيم يسعى لاستمرار توظيف القضية الفلسطينية، من خلال إشارة بيان “القيادة العامة” إلى: “نقول لهم قولاً واحداً، إن إخوانكم في قاعدة الجهاد وجميع المجاهدين الصادقين في العالم تقف معكم صفاً واحداً في نفس خندق القتال.. إننا معكم على العهد والوعد ونشهد الله أننا لن نخذلكم ما دام فينا عرق ينبض حتى يتم النصر.. ومعركة طوفان الأقصى التي ستُعد بلا ريب درة معارك الإسلام في تاريخ أمتنا المعاصر”.

وفي السياق ذاته، ذكر بيان حركة “الشباب”: “وفي حين إخوانكم المجاهدون في شرق أفريقيا يباركون هذه الملاحم في أرض فلسطين، فإننا نؤكد أننا لم نكن لنتخلف عنكم في مواقع الفداء والتضحية بالنفس والنفيس، ولو وجدنا طريقاً إليكم لما تأخرنا عنكم..”.

3- التركيز على إبراز هشاشة وضعف إسرائيل: ركزت البيانات على إشارات لما اعتبرته “هشاشة وضعف” إسرائيل، عقب عملية “طوفان الأقصى”،وهي نقطة رئيسية في بيان “القيادة العامة”، وذكر: “الواجب الأخوي المحتم أن نشيد بالروح القتالية العالية لفرسان فلسطين.. فلقد فضحوا للعالم أجمع حجم القدرات الإسرائيلية والغربية والعمالة العربية، وهشاشة التقنية والتكنولوجيا الغبية.. ومن حجج الله على أهل الأرض أن أشهدهم هشاشة الدول العظمى وعلى رأسها أمريكا وربيبتها إسرائيل، وحجم الفشل الاستراتيجي الإسرائيلي ومن حالفه في كل الميادين الاستخبارية والعسكرية والأمنية والاقتصادية”.

وتطرق بيانحركة “الشباب” إلى أنّ الدعم المتواصل لم يمنع عملية “طوفان الأقصى”، إذ ذكر: “فما كان الغرب وربيبته التي يسمونها إسرائيل يتوقعون مثل هذه الضربة المزلزلة لكيانهم اللقيط، وقدموا لها أرتال الدعم المتواصل وأطنان التمويل اللا محدود، ثم في الأخير فضحت عملية “طوفان الأقصى” مدى هشاشته وضعفة وخواره”. وبالمثل، اعتبر بيان فرع التنظيم في اليمن، أن الهجوم “فضح على مرأى ومسمع من العالم أجمع، كل تلك الهالة الإعلامية عن جيشه واستخباراته، قد جعلتها هذه العملية سراباً”.

4- انتقاد الدعم الدولي لإسرائيل ولا سيما الأمريكي: وجهت البيانات الأربعة، انتقادات للدعم الغربي والدولي لإسرائيل، وخاصة مع إظهار أمريكا الدعم الكبير عقب “طوفان الأقصى”،وهي محاولة للتحريض ضد داعمي إسرائيل. وتطرقبيان “القيادة العامة” إلى: “تداعي الكفر العالمي بالوقوف مع العدو الصهيوني ودعمه بالسلاح والرجال والمال والمعلومات، فعلى أبناء أمتنا الواحدة، وأهل القبلة الواحدة، وأهل الكتاب، أن يتوحدوا صفاً واحداً في مواجهة الكفر العالمي.. وأن يكون الجهاد في داخل فلسطين وخارجها”.

كما هاجم بيانحركة “الشباب” الدعم الأمريكي والأوروبي، بالقول: “نرى كيف اجتمع الصليبيون في أمريكا وأوروبا، وفي كل أرض يرفع فيها الصليب وتعبد فيها الأوثان.. على مساندة اليهود المعتدين، وتجريم البطولة الماجدة، ووصمها بالإرهاب والتطرف، كما هي عادتهم دائماً مع المسلمين في تصنيف دفع العدو الصائل بالإرهاب”.

5- عدم إبراز الخلاف الأيديولوجي مع حماس: وكان لافتاً أن البيانات الأربعة لم تذكر حركة حماس أو الجهاد الإسلامي، فيما كان التركيز على إطلاق توصيفات مثل “المجاهدون والأبطال”، في سياق اعتبار عملية “طوفان الأقصى” غزوة أو عملاً جهادياً.

وفي حين اكتفى بيان حركة “الشباب” بعدم الإشارة إلى أسماء أي من الفصائل الفلسطينية، والاكتفاء فقط بالإشارة إلى: “نبارك لإخواننا المجاهدين في فلسطين الحبيبة ونهنئهم على هذه الغزوة المبشرة، ونحيي كل الأبطال البواسل والمغاوير..”، فقد أشار بيان فرع التنظيم في “بلاد المغرب الإسلامي”، إلى كتائب عز الدين القسام وجند الأقصى، وذكر: “نرسل لإخواننا المجاهدين في فلسطين عموماً وفي قطاع غزة خصوصاً من جند الأقصى وكتائب الشهيد عز الدين القسام، برسائل الحب والولاء..”. وبالمثل أشار فرع التنظيم في اليمن إلى: “نبارك الانتصارات المباركة والموفقة في غلاف غزة، وفي سائر الأراضي المحتلة، والتي قامت بها كتائب الشهيد عز الدين القسام ومن أعانهم من الفصائل الإسلامية”.

وهنا ركز تنظيم “القاعدة” وأفرعه والكيانات المرتبطة به، على إبراز عملية “طوفان الأقصى”، وربما تفضيل عدم ذكر اسم حركة حماس والجهاد الإسلامي، تجنباً لإثارة واستدعاء الخلافات الفكرية والأيديولوجية في سياق الأحداث الأخيرة.

دعوات للعنف

وفي ظل المقدمات التي حددتها البيانات الأربعة المشار إليها سلفاً، يمكن تحديد بعض دعوات التحرك من قبل التنظيم وأفرعه، وتحديداً على مستوى التوجيه والدعوة للعنف سواء في المنطقة أو خارجها، كالتالي:

1- الدعوة لاستمرار العمليات من غزة: تصدرت دعوات لاستمرار المواجهات في فلسطين، وتحديداً قطاع غزة، عقب عملية “طوفان الأقصى”، وهي رسالة بارزة في بيان فرع التنظيم في اليمن، حينما وجه حديثه للفصائل الفلسطينية، دون تحديد أسماء، وذكر: أيها المجاهدون قد بدأتم السير فأكملوا المسير، وإياكم والتراجع فإن في ذلك هلاككم وتسلط العدو عليكم وعلى أهلكم وشعبكم وأمتكم، فالله الله في الثبات”.

2- التحريض على إشعال الضفة الغربية: وفي محاولة لتوسيع رقعة المواجهات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في سياق “طوفان الأقصى”، فإن فرع التنظيم في “بلاد المغرب الإسلامي” دعا إلى دعوات عنف في الضفة الغربية، وركز في جزء من بيانه على هذه الجزئية، وقال:”إلى أسود الإسلام في الضفة الغربية.. أشعلوا الضفة الغربية ناراً تحت أقدام اليهود، وباغتوهم من كل بيت وحارة وشارع، ولا تجعلوهم يستفردون بإخواننا وإخوانكم في قطاع غزة”.

ولكن البيان لم يكتفِ بتصعيد الموقف في الضفة الغربية ضد إسرائيل، ولكنه دعا إلى مواجهة السلطة الفلسطينية، من خلال الإشارة إلى: “هبوا لملاقاتهم وقاتلوا اليهود ومن يحمي اليهود، لا تترددوا في أن تجتثوا من طريقكم كل من يريد للضفة أن تخمد تحت مسمى التنسيق الأمني، لأنها والله خيانة، ما عاد الوقت يسمح بالتريث”.

3- الدعوة لإمداد الفصائل بالأسلحة والعون: فيما وجهت بعض البيانات، وفي مقدمتها بيان حركة “الشباب”، إلى تقديم الدعم للفصائل الفلسطينية، وذكر في حديثه لما وصفها بـ”الأمة المسلمة”: “أمدوهم بالمال والرجال، لا تنفكوا مرابطين على ثغور المدد والدعم للمجاهدين في فلسطين والشام وكل مكان تصله أيديكم وقدراتكم، لتتخلص أمتنا من المحتلين المعتدين، وتتحرر من هيمنة الغرب الكافر”.

4- تحريض على دول الجوار الجغرافي لفلسطين: امتدت دعوات التحريض على العنف إلى دول جوار فلسطين، إذ زعم بيان فرع التنظيم في “بلاد المغرب الإسلامي” أن “استأسد أحفاد القرود يهود في أكناف بيت المقدس، تحميهم جيوش الاحتلال العلماني لدول المسلمين، وتحيط دويلة يهود المسخ، بأسوار الحماية، تحرسهم من غضبة أمة الإسلام، فاعرفوا أيها المسلمون عدوكم، وهبوا لنصرة إخوانكم المسلمين في فلسطين.. وما بيننا وبين تحرير بين المقدس إلا هدم حدود سايكس بيكو التي فرقت أمتنا، والالتحام بمجاهدي أرض الرباط”.

وركز بيان فرع التنظيم في اليمن،على توجيه دعوة لمواطني مصر والشام ولبنان والأردن، بالقول: “أنتم أقرب البقاع لفلسطين، والحمل أثقل عليكم.. فقوموا لنصرة إخوانكم هناك، وعدوا العدة لدعمهم ومساندتهم.. ولا يثنيكم حكام العمالة والتبعة للغرب”.

5- دعوة لعمليات إرهابية بالدول الإسلامية: ووجه بيان “القيادة العامة” أفرع التنظيم لبذل كل الجهد لمواجهة الدعم الغربي لإسرائيل، ودعا إلى توسيع عمليات استهداف إسرائيل وأعوانها في الدول الإسلامية، وذكر: يا أبطال الإسلام في كل الثغور، لتستهدفوا أعوان إسرائيل الذين تحركوا لدعمها ونصرتها وإمدادها بالذخائر، زلزلوا الأرض من تحت القواعد الأمريكية ومطاراتها وسفاراتها في منطقتنا الإسلامية، مع استهداف البوارج التي جاءت لتتبختر في بحار المسلمين”.

6- الحثّ على مقاطعة إسرائيل وداعميها: دعا بيان “القيادة العامة” إلى مقاطعة كل ما هو غربي ويهودي كرد فعل على أحداث “طوفان الأقصى”.

7- تحريض على العنف بدول “الاتفاقيات الإبراهيمية”: حرض بيان “القيادة العامة” بشكل صريح على العنف في الدول التي وقعت الاتفاقيات الإبراهيمية، لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، إضافة للدول التي يُرجح أن تقيم علاقات مع إسرائيل، وجاء في البيان دعوة صريحة على العنف لاستهداف الإسرائيليين، وذكر: “على أبناء الإسلام أن يتحمسوا بحماس المجاهدين، ويقتبسوا من نورهم ونارهم شعلة لاستهداف الصهاينة في شوارع دبي وأبوظبي بالإمارات، ومراكش والرباط بالمغرب، وجدة والرياض بالسعودية، والمنامة بالبحرين”.

استغلال متعمد

ويتضح من خلال التفاعل الكثيف من قبل تنظيم “القاعدة” وأفرعه والجماعات المرتبطة به، أن هناك رغبة في استغلال أحداث “طوفان الأقصى” بشكل متعمد، لصالح التنظيم، خاصة مع إدراك التنظيم مركزيةَ هذه القضية بالمنطقة العربية والدول الإسلامية، وبالتالي إمكانية إحياء أيديولوجيا تنظيم “القاعدة”، خاصة وأن بيان “القيادة العامة” دعا إلى “توحيد الجهود والجبهات، ولنسعَ جميعاً لتحرير الأقصى، فبتحريره ستتحرر الأمة كلها، وإن أعداء أمتنا نمر من ورق، تلقى الضربات في مغرب الإسلام وشرق أفريقيا ويستمر الجهاد في جزيرة العرب وشام الرباط”.