"تيكاد ٨":
كيف تعزز اليابان حضورها في المنطقة؟

"تيكاد ٨":

كيف تعزز اليابان حضورها في المنطقة؟



استضافت تونس قمة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا (تيكاد ٨)، وهي القمة الثانية التي تعقد في أفريقيا، يومي ٢٧ و٢٨ أغسطس الفائت، بمشاركة حوالي ٥ آلاف مشارك من اليابان ومن القارة الأفريقية. ويأتي عقد القمة في وقت تتزايد فيه التحديات أمام دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي لا تزال تعاني من آثار جائحة كوفيد-١٩، وتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، وتهديد الأمن الغذائي لعديد من دول المنطقة، ولا سيما تلك التي تواجه أزمات اقتصادية طاحنة، وارتفاع مستويات التضخم.

أولويات عديدة

مثّلت الأزمات التي يواجهها النظام الدولي في أعقاب الحرب الروسية-الأوكرانية، التي دخلت شهرها السابع، والتحديات السياسية والأمنية التي تواجهها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أحد المتغيرات الرئيسية التي أثرت في اتجاهات السياسة الخارجية اليابانية تحت قيادة رئيس الوزراء فوميو كيشيدا، الذي يُركز على ضرورة ممارسة طوكيو دوراً مؤثراً عالمياً، وفي المنطقة وأفريقيا، بالتوازي مع مواجهة مساعي الصين لتعزيز نفوذها فيهما. وتتمثل أبرز أولويات تلك السياسة فيما يلي:

١- دعم الأمن الغذائي العربي: في أعقاب معاناة عديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية المستمرة وتأثيراتها على الأمن الغذائي عالمياً، وتسببها في أكبر زيادة في أسعار المواد الغذائية، واضطراب سلاسل التوريد؛ قدمت الحكومة اليابانية أكثر من مرة خلال الشهرين الماضيين (يوليو وأغسطس) كثيراً من المساهمات المالية لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة لمساعدته في تلبية الاحتياجات الغذائية في الدول العربية التي تأثر فيها الأمن الغذائي بصورة كبيرة، ولا سيما تلك التي تمر بظروف اقتصادية صعبة، أو لا تزال تعاني من ويلات الحروب والصراعات والانقسامات الأهلية. فقد قدمت اليابان، في ٤ يوليو الماضي، مساهمة لبرنامج الأغذية العالمي قدرها ٦,٤ ملايين دولار لمساعدة البرنامج في دعم ما يصل إلى ٢٥٥ ألفاً من النازحين العراقيين المتأثرين بالأزمة الأوكرانية، والذين لا يزالون غير قادرين على العودة إلى ديارهم، بالإضافة إلى الدعم الانتقالي الطارئ لحوالي ١٢ ألف شخص من المحتاجين، والذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وخصصت اليابان، في 14 من الشهر ذاته، منحة طارئة بقيمة ٣,٥ ملايين دولار للبنان من خلال برنامج الغذاء العالمي لمساعدة اللبنانيين على تلبية احتياجاتهم الغذائية، والمساهمة في تخفيف تداعيات الأزمة الاجتماعية والاقتصادية على البلاد.

وفي ١٥ أغسطس الفائت، قدمت الحكومة اليابانية نحو ١,٥٣ مليون دولار لبرنامج الغذاء العالمي لدعم عمليات توزيع المساعدات الغذائية في غرب وشرق ليبيا. وقد سبق أن قدمت نصف مليون دولار لتقديم المساعدة الغذائية لحولي ٨٥٠٠ شخص من النازحين والمجتمعات المضيفة والعائدين في جنوب البلاد الذين يعانون من ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية. وفي ٧ سبتمبر الجاري، قدمت الحكومة اليابانية من خلال برنامج الغذاء العالمي نحو ١,٥ مليون دولار لتوفير المساعدات الغذائية الضرورية للعائلات الفلسطينية الأكثر ضعفاً في قطاع غزة والضفة الغربية.

2- تعزيز التعاون الياباني–العربي المشترك: تسعى اليابان لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال الشراكات الاقتصادية والصحية والتكنولوجية مع دول المنطقة، ولا سيما مع الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية. فقد مثّلت قمة “تيكاد ٨” فرصة استثمارية ودبلوماسية مهمة لتونس بعد تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد. فعلى هامش القمة، وقّعت وزارة الصحة التونسية مع الجانب الياباني أربع اتفاقيات لتمويل شراكة في ٤ مشاريع صحية تعزز التعاون الصحي بين البلدين، وهى مشاريع من شأنها، بحسب وزير الصحة التونسي علي مرابط، تعزيز انتشار تونس على مستوى أفريقيا. كما وقّع وزير الشئون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج عثمان الجرندي، مع نظيره الياباني يوشيماسا هاياشي، 4 اتفاقيات أخرى لتعزيز التعاون في مجالات البيئة والاستثمار، وتعزيز التعاون الفني والمالي بين الطرفين من خلال تقديم طوكيو المساعدة الفنية والقيام بدراسات واستثمارات نوعية وتمويل مشاريع تنموية وبرامج الإصلاحات الحكومية التونسية. وستعزز الوكالة اليابانية التعاون الدولي لتوفير برامج التدريب للموظفين التونسيين، وإرسال خبراء حكوميين وبعثات لتونس لمتابعة إنجاز المشاريع المتفق عليها بين الطرفين. وقد وافقت الحكومة اليابانية على منح تونس تمويلاً بقيمة ١٠٠ مليون دولار في إطار مشروع الاستجابة الطارئة للحماية الاجتماعية من جائحة كورونا.

٣- تخفيف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري: تمارس اليابان دوراً عالمياً في مساعدة الدول النامية في معالجة الآثار السلبية لتغير المناخ، وتدعم بشكل استباقي تدابير تغير المناخ في تلك الدول. وفي هذا الشأن، وقّعت تونس واليابان اتفاقية للتعاون تقضي بانضمام الأولى للمبادرة اليابانية حول آلية التخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في إطار الفصل السادس من اتفاقية باريس للمناخ لعام ٢٠١٥، ولا سيما أن تونس تصنف من الدول ذات مستويات مرتفعة من التلوث، حيث احتلت في عام ٢٠١٩ المرتبة ٢٧ عالمياً بنسبة تلوث فاقت ٧٥٪ ولتكون الثالثة أفريقياً.

٤- تأييد جهود مكافحة الإرهاب: دعمت الحكومة اليابانية الجهود المبذولة في إطار مكافحة الإرهاب، حيث اعتبرت أن مقتل زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري، في 31 يوليو الماضي، بمثابة إنجاز لهذه الجهود التي ستساهم، وفقاً لرؤيتها، في تعزيز السلام والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط. وقد قال المتحدث باسم الحكومة اليابانية، في ٢ أغسطس الفائت، إن طوكيو ستعمل مع المجتمع الدولي لمنع أفغانستان من أن تصبح بؤرة مرة أخرى للإرهاب في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية من كابول في أغسطس ٢٠٢١، ومنع التطرف من الانتشار دولياً.

٥- استمرار إمدادات الطاقة من المنطقة: تعتمد اليابان بشكل كبير على الواردات لتلبية احتياجات الطاقة المحلية، وتحصل على ٩٠٪ من نفطها الخام من منطقة الشرق الأوسط. وفي أعقاب ارتفاع أسعار الطاقة في السوق العالمية بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، عملت الحكومة اليابانية مع شركائها في منطقة الخليج العربي للمساعدة في استقرار أسواق النفط. وتسعى طوكيو إلى إيجاد طرق لتأمين إمدادات طاقة مستقرة من دول المنطقة. ولذلك تولي طوكيو أهمية للحفاظ على حرية الملاحة الدولية في الممرات البحرية التي تنقل الطاقة من منطقة الشرق الأوسط إليها.

٦- مساعدة اللاجئين والنازحين في مناطق الأزمات: تركز السياسة اليابانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على دعم اللاجئين في مناطق الصراعات والأزمات، ولا سيما النساء اللاجئات، عبر البرامج التدريبية والمهنية، ليَكُنَّ قادرات على إدارة أعمال صغيرة من منازلهن، أو الحصول على وظائف في الاقتصاد الرسمي، ودمجهن في المجتمعات المحلية. ففي 14 مارس الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، تقديم طوكيو منحة مالية بقيمة ٣ ملايين دولار، لدعم اللاجئين السوريين الذين يعيشون داخل مخيمات اللجوء في الأردن. وفي ٢٠ أبريل الماضي، قدمت الحكومة اليابانية دعماً بمبلغ ٢٠,٢ مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في وقت تواجه فيه الوكالة تحديات مالية ووضعاً غير مستقر في تمويلها، لتوفير الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان. وفي 12 من الشهر ذاته، قدمت طوكيو ٤,٤٨ ملايين دولار لدعم النازحين والمجتمعات المضيفة لهم في اليمن. وفي 16 أغسطس الفائت، تم الإعلان عن دعم الحكومة اليابانية من خلال الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) مشاريع لتحسين واقع ثلاثة مخيمات (عايدة، وعسكر الجديد، ودير عمار) في الضفة الغربية.

مصداقية عالمية

نجحت الدبلوماسية اليابانية الهادئة في بناء الثقة داخل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث كشفت نتائج استطلاع للرأي –نشرت في مايو الماضي- أجرته وزارة الخارجية اليابانية عن انطباعات مواطني عدد من الدول العربية لليابان، أن ٧٦٪ من المستطلعين يرون أن العلاقات مع اليابان “ودية للغاية” أو “ودية إلى حد ما”. وتملك طوكيو العديد من المحددات التي تجعل دول المنطقة تنظر إليها على أنها فاعل ذو مصداقية، ولا سيما غياب الخلافات التاريخية بين اليابان ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعدم وجود ماضي استعماري لها في المنطقة، وامتلاكها القدرات المالية والبشرية والتكنولوجية المتقدمة التي تعزز من دورها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولكن هذا الدور يواجه تحدياً رئيسياً يتمثل في توسيع الصين من نفوذها في المنطقة، والأزمات الأمنية التي تموج بها العديد من الدول العربية.