اهتمام مكثف:
كيف تعامل مؤتمر ميونخ للأمن مع قضايا الشرق الأوسط؟

اهتمام مكثف:

كيف تعامل مؤتمر ميونخ للأمن مع قضايا الشرق الأوسط؟



اكتسبت قضايا منطقة الشرق الأوسط مع استمرار الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس داخل غلاف مستوطنات غزة في 7 أكتوبر الماضي وما ارتبط بها من تصعيد على جبهات متعددة، مكانة بارزة في مناقشات مؤتمر ميونخ للأمن في نسخته الستين التي عقدت خلال الفترة من 16 إلى 18 فبراير الجاري، بالتوازي مع دخول الحرب شهرها الخامس.

ورغم أهمية قضية الدعم العسكري لأوكرانيا، في ظل المخاوف الدولية بشأن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن حلفائها في أعقاب تصريحات المرشح الجمهوري الأوفر حظاً للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة، الرئيس السابق دونالد ترامب، التي اعتبرت اتجاهات عديدة أنها تشجع روسيا على الهجوم على شركاء الولايات المتحدة بحلف “الناتو”، فإن ذلك لم يمنع تحول قضايا الشرق الأوسط إلى أحد المحاور الرئيسية لجلسات المؤتمر.

ملفات رئيسية

تتمثل أبرز القضايا التي طرحت في جلسات المؤتمر، وخلال لقاءات المسئولين العرب والغربيين على هامش مشاركتهم في المؤتمر، فيما يلي:

1- استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة: هيمن استمرار الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة بدون أفق لوقف إطلاق النار على مناقشات المؤتمر، ولا سيما في ظل تزايد القلق الدولي من تحولها إلى حرب إقليمية، بسبب تصاعد المواجهات بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، وتزايد احتمالات شن هجوم بري في رفح.

وقد أبدى العديد من المسئولين العرب والغربيين مخاوفهم من التداعيات التي يمكن أن يفرضها استمرار العمليات العسكرية. ولذلك تنامت الدعوات إلى ممارسة الدول الغربية عامة، والولايات المتحدة خاصة، مزيداً من الضغوط على إسرائيل لوقف العمليات العسكرية، وعدم توسيعها، والانخراط في مفاوضات للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

2- استحقاقات ما بعد انتهاء الحرب: كان مستقبل حركة حماس في العملية السياسية الفلسطينية في أعقاب نهاية العمليات العسكرية الإسرائيلية على أجندة النقاش خلال جلسات المؤتمر. فقد ذكر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، خلال مشاركته في إحدى الجلسات، أن السلطة الفلسطينية مستعدة للتعامل مع حركة حماس، مؤكداً الحاجة إلى الوحدة الفلسطينية، لكنه أضاف أنه لكى تكون حماس جزءاً من هذه الوحدة فإن عليها الوفاء بشروط مسبقة معينة.

وقد أكد وزيرا الخارجية المصري سامح شكري والسعودي الأمير فيصل بن فرحان، خلال إحدى جلسات المؤتمر، على أهمية حل الدولتين لضمان أمن منطقة الشرق الأوسط.

3- انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق: كان إنهاء تواجد قوات التحالف الدولي في العراق بعد نجاحها في هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي على أجندة لقاءات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال مشاركته في المؤتمر، بأعضاء بالكونجرس الأمريكي ووزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، والأمين العام لحلف “الناتو” ينس ستولتنبرج، حيث ناقش معهم المباحثات الجارية بشأن إنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق، والانتقال إلى علاقات ثنائية واسعة مع الولايات المتحدة وباقي دول التحالف.

كما أجرى السوداني مباحثات مع نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس حول استمرار عمل اللجنة العسكرية العليا الأمريكية-العراقية، التي ستمهد الطريق للانتقال إلى شراكة أمنية ثنائية دائمة بين الولايات المتحدة والعراق، وبحث أيضاً مع قائد القوات المشتركة لحلف “الناتو” الأدميرال ستيورات مونش الدعم اللوجيستي لبعثة الحلف العاملة في العراق، بعد انسحاب قوات التحالف الدولي.

وتأتي جهود السوداني لإنهاء مهمة القوات الأجنبية في العراق في ظل ضغوط تمارسها المليشيات المسلحة والقوى السياسية الموالية لإيران على الحكومة العراقية في أعقاب مقتل قيادات عسكرية في ضربات شنتها الولايات المتحدة رداً على استهداف القاعدة العسكرية الأمريكية في شمال شرق الأردن في 28 يناير الفائت.

4- التصعيد في البحر الأحمر: سعى رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي إلى استثمار مشاركته في المؤتمر من أجل دعوة الدول الغربية إلى دعم الدولة اليمنية، وزيادة الضغوط على مليشيا الحوثيين التي تهدد الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

فقد قال في جلسة نقاشية حول اليمن والوضع في البحر الأحمر، أن “استمرار سيطرة الحوثيين على بعض المحافظات اليمنية سيُبقي على التهديدات التي تقوض أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط وكذلك خطوط الملاحة الدولية”.

5- التنافس بين القوى الدولية: ركز التقرير السنوي للمؤتمر الذي حمل عنوان “خسارة-خسارة” في الجزء الخاص بمنطقة الشرق الأوسط على تحول المنطقة إلى ساحة لمنافسة القوى الكبرى التي أضحت السمة الرئيسية للعلاقات بين الولايات المتحدة من جانب وروسيا والصين من جانب آخر، بعد أن أضحت المنطقة محط اهتمام متزايد من قِبل تلك القوى، وهو ما عكسته الدعوات التي وجهت إلى دولها للانضمام إلى أطر التعاون الإقليمي.

ففي 24 أغسطس الماضي، دعا أعضاء مجموعة “بريكس” ست دول للانضمام لعضويتها، كان من بينهم مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران. وينظر إلى هذا التوسع إلى حد كبير على أنه جزء من استراتيجية الصين لتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة، وهو هدف سعت إلى تحقيقه من خلال دعوة العديد من هذه الدول للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون.

وتحتفظ روسيا أيضاً بوجود في المنطقة، لا سيما من خلال العلاقات الوثيقة مع سوريا وإيران وكذلك مع منظمة “أوبك”. ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة “المزود الأمني الرئيسي” في المنطقة، مع نشر أكثر من ٥٧٠٠٠ جندي، إلى جانب إطلاقها مجموعة “I2U2” في عام ٢٠٢١ لمعالجة قضايا مثل أمن الطاقة.

خيارات متعددة

مارس التنافس الأمريكي–الصيني والأمريكي–الروسي في منطقة الشرق الأوسط دوراً مركزياً في التحولات البارز التي تشهدها المنطقة. وعلى الرغم من استمرار الوجود العسكري والتعاون الدبلوماسي الأمريكي في المنطقة، فإن هناك قلقاً عربياً من احتمال تراجع الدور الأمريكي في المنطقة في مقابل التركيز على منطقة الإندو-باسيفيك، وهو ما يدفع الدول العربية إلى العمل على موازنة علاقاتها مع القوى الدولية في مختلف المجالات، ومن ضمنها الأمن والاقتصاد والطاقة، لتعزيز مصالحها الوطنية والإقليمية، خاصة في ظل حالة السيولة التي تتسم بها أنماط التفاعلات التي تجري في المنطقة على خلفية التطورات المتسارعة التي تشهدها في المرحلة الحالية.