محددات رئيسية:
كيف تعاملت واشنطن مع ملفات المنطقة في “حوار المنامة”؟

محددات رئيسية:

كيف تعاملت واشنطن مع ملفات المنطقة في “حوار المنامة”؟



ركزت كلمات ومداخلات المسئولين الأمريكيين الذين شاركوا في منتدى “حوار المنامة” السنوي الذي يعقده المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بمملكة البحرين خلال الفترة من ١٩ إلى ٢١ نوفمبر الجاري، على مقاربات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه منطقة الشرق الأوسط وأزماتها. ويأتي ذلك مع قرب إعلان وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عن مراجعتها لتوزيع القوات الأمريكية حول العالم، والتي يتوقع أن تتضمن تقليل الانخراط الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، في الوقت الذي تركز الولايات المتحدة على مواجهة روسيا والصين باعتبارهما التحدي الاستراتيجي الأبرز، بالتوازي مع إنهاء ما يسمى بـ”الحروب اللانهائية”، والتخطيط لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق، مع بعض الاستثناءات بما يحافظ على مصالح واشنطن وحلفائها في المنطقة.

رسائل مختلفة

تضمنت كلمة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بمنتدى “حوار المنامة” السنوي، ومداخلة برايت ماكجورك منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي لشئون الشرق الأوسط في الجلسة الختامية به، العديد من المحددات الرئيسية التي تقوم عليها المقاربة الأمريكية إزاء المنطقة، ويتمثل أبرزها في:

١- استمرار الالتزام الأمريكي بأمن الشرق الأوسط: في الوقت الذي تبدي اتجاهات عديدة قلقاً من عواقب تراجع الاهتمام الأمريكي بأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ومنح إدارة جو بايدن الأولوية لمنطقة “الإندو-باسيفيك”؛ لمواجهة الصعود الصيني، سعى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى تأكيد أن الإدارة الأمريكية ملتزمة بأمن واستقرار المنطقة، بالتوازي مع الالتزام بعدم حصول إيران على السلاح النووي، بينما تجري الولايات المتحدة مفاوضات غير مباشرة مع إيران في فيينا للعودة مجدداً إلى الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عام ٢٠١٥. وقد شارك الوزير مخاوف دول المنطقة بأن الخطر الإيراني لا يقتصر على البرنامج النووي، بل يشمل أيضاً “تحديات خطيرة” منها دعم المليشيات المسلحة في المنطقة لزعزعة الاستقرار وبرنامج الطائرات من دون طيار، وهو ما أكد عليه أيضاً برايت ماكجورك منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي لشئون الشرق الأوسط خلال حديثه بالجلسة الختامية للحوار.

وتأتي زيارة وزير الدفاع الأمريكي في أعقاب زيارات سابقة لمسئولين بالإدارة الأمريكية، على غرار المبعوث الأمريكي إلى إيران روبرت مالي، من أجل طمأنة حلفاء الولايات المتحدة قبل انعقاد الجولة السابعة من المفاوضات غير المباشرة مع إيران لإعادة تقييد برنامجها النووي في 29 نوفمبر الجاري، وكذلك للاستماع إلى الحلفاء في المنطقة قبل استئناف هذه المفاوضات.

٢- دعم الشراكات الأمريكية مع دول المنطقة: في الوقت الذي تخطط الولايات المتحدة لتقليل الانخراط في منطقة الشرق الأوسط، فإنها تعمل على تعزيز الشراكات الأمنية مع دول المنطقة لتعزيز جهودها في حماية أمن واستقرار المنطقة بدعم من جانبها، وهو ما أكد عليه وزير الدفاع لويد أوستن، حيث أشار إلى أهمية مساعدة حلفاء وشركاء واشنطن في التعامل مع التحديات المشتركة، ودلل على ذلك بالمساعدات التي قدمها حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة خلال عمليات الإجلاء الواسعة التي قامت بها واشنطن في أفغانستان بتوفير الممرات الآمنة للأمريكيين والأفغان المُعرَّضين لخطر الانتقام من حركة “طالبان” التي سيطرت على الحكم في منتصف أغسطس الماضي. ولهذا أكد على أن واشنطن ستقدم كافة أنواع المساعدة والاستثمار والتمويل في التعاون الأمني، والتعليم العسكري المهني، وبناء القدرات، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتدريبات المشتركة، وتعميق وتعزيز الشراكات الأمريكية بالمنطقة التي تعد – بحسب تصريحاته – جزءاً أساسياً من مهمته كوزير للدفاع.

وتوازى ذلك مع تأكيد عدد من المسئولين الأمريكيين على أن إعادة توزيع الولايات المتحدة لأصولها العسكرية في المنطقة لا يعني تراجع الالتزام الأمريكي، حيث أن الولايات المتحدة تحتفظ بعشرات الآلاف من قواتها في المنطقة، وهو ما يعكس حجم الشراكات الأمنية والاستراتيجية بينها وبين شركائها في المنطقة والتي تهدف إلى ردع إيران ووكلائها عن تهديد حلفاء واشنطن، أو المصالح والأمن القومي الأمريكي، ومواجهة الإرهاب ومنع تنظيم “داعش” من استعادة نفوذه في العراق وسوريا، والحفاظ على حرية الملاحة في أهم الممرات المائية في العالم الموجودة بالمنطقة.

٣- تعزيز الدفاعات الجوية في المنطقة: في إطار الالتزام الأمريكي بأمن المنطقة، قال أوستن وماكجورك أن الولايات المتحدة ستعمل على تعزيز الدفاعات الجوية في المنطقة، حتى يصبح حلفاؤها أكثر قدرة على مواجهة الهجمات الصاروخية الإيرانية والطائرات من دون طيار. ومن دون شك، فإن ذلك لا ينفصل عن تصاعد اعتماد إيران على هذه الأدوات في تعزيز تدخلاتها في المنطقة وإدارة مواجهاتها مع خصومها، لاسيما إسرائيل والولايات المتحدة نفسها، حيث أن ذلك يرتبط، على الأرجح، بالهجوم الذي تعرضت له قاعدة “التنف” التي تتواجد بها قوات أمريكية، في 20 أكتوبر الفائت، والذي رجح مسئولون أمريكيون أن تكون إيران مسئولة عنه، حيث يمثل رداً من جانبها على الهجمات التي تشنها إسرائيل ضد مواقعها في سوريا.

٤- توجيه تهديدات ضمنية قبل مفاوضات فيينا: أوضح الرئيس الأمريكي جو بايدن، في وثيقة “التوجيه الاستراتيجي المؤقت لاستراتيجية الأمن القومي” التي صدرت في ٣ مارس الماضي، أن “الدبلوماسية هي الملاذ الأول للولايات المتحدة وأن الجيش الأمريكي يدعمها”. ولذلك فضلت الإدارة الأمريكية – حتى الآن – الخيار الدبلوماسي من خلال المباحثات غير المباشرة مع إيران التي تهدف إلى تعزيز العمل بالاتفاق النووي، الذي يفرض قيوداً على أنشطتها النووية. واتساقاً مع هذا التوجه، أعلن أوستن أن “الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بتحقيق نتيجة دبلوماسية للمسألة النووية”، لكنه قال، مثل باقي مسئولي الإدارة الأمريكية، أن “واشنطن تنظر في جميع الخيارات اللازمة في حال فشل الخيار الدبلوماسي”، وإن كان يرى أن الإجراءات التي اتخذتها طهران في الأشهر الأخيرة لم تكن مشجعة، ولاسيما تلك المتعلقة برفع مستوى أنشطتها النووية.

ورغم أن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا حريصتين على احتواء خلافاتهما حول أفضل خيار للتعامل مع الأزمة النووية الإيرانية وإبقاءها طي الكتمان، خلال الزيارات المتبادلة بين المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين، إلا أن ذلك لم يحدث خلال الجلسة الختامية للمنتدى، حيث شهدت المناقشات بين مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال هولاتا وماكجورك خلافاً علنياً نادر الحدوث حول الحاجة إلى تهديد عسكري موثوق به لردع إيران عن المضي قدماً في برنامجها النووي. فقد أعلن هولاتا أن تل أبيب ستدافع عن نفسها ضد إيران إذا احتاجت لذلك وأنها تقوم بالتحضيرات في هذا السياق. وفي المقابل، قال ماكجورك إن الولايات المتحدة تركز على محادثات فيينا وتريد أن تنجح الدبلوماسية، وفي حالة فشلها ستنظر الإدارة الأمريكية في خيارات أخرى، لكنه أضاف أن “العمل العسكري قد يضر بالبرنامج النووي الإيراني”، وأنه “لن يغير سلوك طهران”.

متغيرات مُؤثِّرة

رغم كل هذه الرسائل التي تواصل الإدارة الأمريكية توجيهها إلى دول المنطقة، إلا أن المسارات المحتملة للتفاعلات الأمريكية مع أزمات المنطقة، فضلاً عن مستوى الوجود العسكري الأمريكي، سوف يرتبطان بمتغيرات أخرى ربما تكون مُؤثِّرة في المرحلة القادمة، لاسيما ما يتعلق بالنتائج التي سوف تنتهي إليها مفاوضات فيينا، والتصعيد المستمر بين إيران وإسرائيل في مناطق مختلفة، ومحاولات “داعش” تعزيز نفوذه من جديد داخل دول الأزمات.