ترحيل الخلافات:
كيف تعاملت واشنطن مع تداعيات الزلزال في تركيا وسوريا؟

ترحيل الخلافات:

كيف تعاملت واشنطن مع تداعيات الزلزال في تركيا وسوريا؟



فرض الزلزال الذي تعرضت له مناطق في تركيا وسوريا، في 6 فبراير الجاري، تداعيات عديدة، كان من بينها تعطيل تدفق المساعدات الأممية من تركيا إلى المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إجراء تغييرات في سياستها تجاه سوريا القائمة على عزل نظام الرئيس بشار الأسد من خلال فرض عقوبات قاسية، ومنع محاولات تحسين العلاقات بين سوريا والعديد من الدول بعد مضى اثنى عشر عاماً من الصراع الذي بدأ في مارس 2011.

ومع ذلك، فإن ثمة إشكاليتين تواجهان تدفق المساعدات الأمريكية تحديداً إلى سوريا، إحداهما تتعلق بتباين ردود الفعل الداخلية الأمريكية، التي تضفي نوعاً من التناقض على السياسة المتبعة من جانب واشنطن، فيما تنصرف الثانية إلى التعقيدات التي تتعرض لها عمليات تقديم المساعدات في الداخل السوري.  

تحركات متعددة

تمثّلت أبرز التحركات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية لمساعدة تركيا وسوريا على التعامل مع الآثار المدمرة للزلزال فيما يلي:

1- التعهّد بتقديم كافة المساعدات للدولتين: أبدت الإدارة الأمريكية دعمها لتركيا في أعقاب وقوع الزلزال، فقد أكد العديد من مسئوليها، وفي مقدمتهم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الدفاع لويد أوستن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، خلال اتصالهم بنظرائهم الأتراك، التزام الولايات المتحدة الأمريكية بالعمل عن كثب مع حليفتها في حلف شمال الأطلنطي. وتحدثت مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور مع رئيس الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء). وقد وجه الرئيس جو بايدن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للعمل عن كثب مع الشركاء الدوليين في جهود المساعدة. وقررت واشنطن تقديم مساعدة بقيمة ٨٥ مليون دولار من تمويل الوكالة لتركيا وسوريا، وإرسال أفراد الإنقاذ الأمريكيين إلى المناطق المنكوبة، ونشر فريق المساعدة والاستجابة للكوارث التابع للوكالة في جنوب تركيا.

2- الرد على الاتهامات السورية بعرقلة وصول المساعدات: انتقد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في ٨ فبراير الجاري، العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام السوري، حيث قال إنها فاقمت مأساة وكارثة الزلزال المدمر، وأضاف أن العقوبات الأمريكية تمنع البلاد من الحصول على الأدوية اللازمة. وفي رد على تلك الانتقادات، غرّد مكتب شئون الشرق الأدنى التابع لوزارة الخارجية على حسابه بموقع “تويتر” في اليوم ذاته بأن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم بالكامل المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين المتضررين من الزلازل المدمرة، وأنها تتحرك بسرعة لتوفير الإغاثة للناجين والنازحين. وأكد أن العقوبات الأمريكية الحالية لا تؤثر على المساعدات الإنسانية، حتى في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر مزود للمساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا، حيث قدمت أكثر من ١٥ مليار دولار في جميع أنحاء سوريا والمنطقة منذ بداية الحرب الأهلية السورية.

3- الترخيص بعدم تطبيق العقوبات على المساعدات الإنسانية: تطبيقاً لتصريح وزارة الخارجية الأمريكية بعدم عرقلة العقوبات المفروضة على النظام السوري المساعدات الإنسانية للمتضررين من الزلزال، أعلن مكتب الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، في ١٠ فبراير الجاري، في إطار الجهود الأمريكية لمواجهة آثار الزلزال في سوريا، إصدار الترخيص العام ٢٣ الخاص بسوريا للمساعدة في جهود إغاثة ملايين السوريين المتضررين من الكارثة، حيث إنه سيسمح لمدة ١٨٠ يوماً بجميع المساعدات لضحايا الزلزال والتي كانت محظورة بموجب العقوبات المفروضة على سوريا.

وتقدم الولايات المتحدة الأمريكية المساعدات للسوريين المتضررين من الزلزال عبر شركاء محليين، لأنها ترفض التعامل مع النظام السوري، وتطالب بمحاسبة المسئولين عن الانتهاكات خلال الحرب الأهلية، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، في ٦ فبراير الجاري، إن الولايات المتحدة لن تتعامل مع الحكومة السورية، ولكنها ستعمل من خلال المنظمات غير الحكومية السورية لتقديم المساعدات للسوريين.

4- تضامن المشرّعين الأمريكيين مع سوريا وتركيا: أصدر عديد من المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين بيانات عبروا فيها عن التضامن مع الشعبين التركي والسوري في أعقاب الزلزال الذي ضرب البلدين. وقد قدم النائب الجمهوري بيت سيشنز، في ٩ فبراير الحالي، قراراً حث فيه الإدارة الأمريكية على تقديم مساعدة فورية لتركيا. كما أشار إلى مكانتها الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وحلف الأطلنطي. وأصدر السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، يوم وقوع الزلزال، بياناً أكد فيه مواصلة العمل لضمان أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم المساعدة لجميع المتضررين من المدنيين السوريين “الذين نزحوا أو أرهبوا بالفعل بسبب أثني عشر عاماً من العنف الذي لا يُوصف”.

5- جهود القيادة الأمريكية الأوروبية والقيادة المركزية: تعمل القيادتان على التنسيق الوثيق مع وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الأمريكيتين، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وشركاء الولايات المتحدة الأمريكية، لتقديم المساعدات للمتضررين من الزلزال في كل من سوريا وتركيا. ففي ٨ فبراير الجاري، أعلن قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا عن خطط القيادة المركزية لدعم جهود الإغاثة للمتضررين من الزلازل الأخيرة في سوريا وتركيا. وقد شكل مقر القيادة المركزية في تامبا بفلوريدا فريق عمل للتحضير لزيادة الدعم للمتضررين. ومن جانبها، وضعت القيادة الأمريكية الأوروبية القدرات العسكرية والأفراد والمعدات لمساعدة الحكومة التركية في جهودها المستمرة للبحث والإنقاذ في أعقاب الزلزال، في إطار جهودها لدعم المساعدة الأمريكية المستمرة بقيادة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

وقد وصل فريق من القيادة إلى قاعدة إنجرليك الجوية التركية، في ٩ فبراير الحالي، لتحديد كيف يمكن للجيش الأمريكي الاستجابة بسرعة بالقدرات والمعدات لدعم المساعدة التي تطلبها الحكومة التركية من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وقامت الطائرات الأمريكية بمهام من القاعدة لنقل المصابين إلى منشأة طبية محلية، وتقوم مروحيات أمريكية من طراز بلاك هوك بنقل عناصر الإنقاذ إلى المواقع التي تشتد الحاجة إليها خلال عمليات الإنقاذ ويصعب الوصول إليها بالنظر إلى حجم الدمار. وتعمل القاعدة كمركز رئيسي للمساعدة الإنسانية التي تتدفق إلى المناطق المتضررة. ويدعم طيارو القوات الجوية الأمريكية القوات التركية في تفريغ آلاف المساعدات القادمة من الحلفاء والشركاء العالميين.

إشكاليتان رئيسيتان

يواجه استمرارُ تدفق المساعدات الأمريكية لسوريا إشكاليتين رئيسيتين: أولاهما أمريكية، فعلى الرغم من تأييد عديد من المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام السوري لتسهيل توصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين من الزلزال، فإن هناك تياراً داخل الكونجرس الأمريكي يرفض قرار الإدارة الأمريكية بتعليق العقوبات على سوريا.

فمع إصدار مايكل مكول رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب بياناً، في ٨ فبراير الجاري، تحدث فيه عن “عدم السماح للنظام السوري وداعميه باحتجاز الشعب السوري رهينة وسط الدمار الهائل الذي خلفه الزلزال”، فقد أصدر بعد يومين بياناً آخر مع العضو البارز باللجنة النائب جيمس ريش عارضا فيه قرار الإدارة الأمريكية بتعليق مؤقت للعقوبات على النظام السوري، من أجل وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة من الزلازل، حيث يريان أنها خطوة من شأنها تقويض سياسات الإدارات الأمريكية الديمقراطية والجمهورية السابقة القائمة منذ فترة طويلة في المنطقة لمواجهة النظام السوري. وهنا، فإن ذلك قد يضفي نوعاً من التناقض على السياسة الأمريكية التي تتسم في الأساس بالارتباك إزاء التعامل مع التطورات السياسية والميدانية التي طرأت على الساحة السورية.

وثانيتهما سورية، حيث إن تواجد التنظيمات الإرهابية على معظم الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة يحد من أنواع المساعدات التي يستعد العديد من المانحين لتقديمها إلى سوريا، فضلاً عن مواجهة جهود الإغاثة في سوريا لتحديات أخرى بسبب الانقسامات السياسية التي خلفتها الحرب، وهو الأمر الذي من شأنه إبطاء إيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين السوريين، بجانب المخاوف من استغلال إيران أزمة الزلزال لتهريب الأسلحة لسوريا تحت ستار المساعدات.