حسابات بكين:
كيف تعاملت الصين مع التصعيد الإسرائيلي في غزة؟

حسابات بكين:

كيف تعاملت الصين مع التصعيد الإسرائيلي في غزة؟



بدأت اللجنة الوزارية المكلفة من قبل القمة العربية الإسلامية المشتركة جولتها الدولية في العواصم العالمية، بزيارة الصين، في ٢٠ نوفمبر الجاري، بهدف دعم فرص الوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وسرعة إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، وإنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية في أسرع وقت، مما يشير إلى نفوذ الصين الجيوسياسي المتنامي في منطقة الشرق الأوسط، ودعمها طويل الأمد للفلسطينيين.

وقد بدا ذلك جلياً أيضاً في كلمة الرئيس الصيني شي جينبينج، في القمة الاستثنائية لمجموعة “بريكس” التي عقدت في ٢١ من الشهر نفسه، حيث أكد على أنه منذ اندلاع الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني الأخير وبكين تعمل على تعزيز محادثات السلام بين الطرفين، وقيادة الجهود الدولية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وقد دعا إلى عقد مؤتمر دولي للسلام لحل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.

أهداف متعددة

سعت القيادة الصينية إلى استثمار استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة ذات التكلفة الإنسانية المرتفعة في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر الفائت، لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، التي أضحت ساحة منافسة جديدة مع الولايات المتحدة، وذلك عبر محاولة تحقيق عدد من الأهداف، التي يتمثل أبرزها في:

1- تعزيز مصداقية الدور الصيني: تُشير عديد من استطلاعات الرأي العام للمواطنين العرب إلى انخفاض نسب التأييد الشعبي داخل الشرق الأوسط للسياسات الأمريكية في المنطقة، ولا سيما في بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة، خلال السنوات الأخيرة، في مقابل ارتفاع نسب تأييد مواطني عديد من دول المنطقة للسياسات الصينية.

فبينما تتزايد معدلات المعارضة الشعبية بين مواطني الدول العربية لمواقف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لدعمها اللا متناهي للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، واستهدافها المدنيين والبنى التحتية من مدارس ومستشفيات القطاع، ورفض الضغط على إسرائيل لوقف الحرب وإدخال المساعدات، فإن بكين كانت على خلاف مع واشنطن بشأن نهجها تجاه الحرب الحالية، ولا سيما فيما يتعلق بالوقف الفوري لإطلاق النار الذي لا تدعمه الأخيرة، رغم الإعلان عن اتفاق هدنة لمدة 4 أيام في 22 نوفمبر الجاري.

2- تأكيد المكانة كـ”قوة كبرى صانعة للسلام”: تحاول الصين ممارسة دور دبلوماسي نشط في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بما يعزز من مكانتها كقوة عالمية رئيسية تسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار الدوليين ودحض الرؤية الأمريكية بأنها “قوة تعديلية” في النظام الدولي الذي ساهمت الولايات المتحدة في تأسيسه في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية في عام ١٩٤٥.

وقدسبق أن أعلن الرئيس الصيني شي جينبينج خلال لقائه برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بكين، في ١٣ يونيو الماضي، أنه مستعد لممارسة دور نشط في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وأجرى المبعوث الصيني الخاص للشرق الأوسط تشاي جون، خلال العام الماضي، اتصالات متعددة بمسئولين في إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وكذلك جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، لمناقشة سبل تفعيل حل الدولتين. وقد كان وقف إطلاق النار الفوري وتحقيق السلام على المدى الطويل من الملفات الرئيسية خلال جولته إلى المنطقة التي استمرت لعشرة أيام تقريباً في الشهر الماضي.

وتحاول بكين تعزيز دورها كـ”وسيط نزيه” بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عبر الترويج إلى أن الدور الأمريكي أخفق في ممارسة هذا الدور، في ظل دعم إدارة الرئيس بايدن لإسرائيل، ومن خلال استثمار نجاح الصين في التوصل إلى اتفاق بين إيران والسعودية، في 10 مارس الماضي، والذي أنهى القطيعة الدبلوماسية بين البلدين منذ عام ٢٠١٦.

3- توسيع نطاق العلاقات مع دول المنطقة: يمكن القول إن الحرب الإسرائيلية في غزة منحت الصين فرصة لتعزيز علاقاتها، القوية بالفعل، مع عدد من الدول العربية، في وقت تنتقد فيه بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة الموقف الأمريكي من استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

وفي المقابل، قادت الصين، التي تترأس مجلس الأمن الدولي لهذا الشهر، الجهود لإصدار المجلس، في ١٤ نوفمبر الجاري، قراراً يدعو إلى الإفراج الفوري عن جميع الرهائن، وإنشاء ممرات إنسانية عاجلة وممتدة في جميع أنحاء غزة لإنقاذ وحماية أرواح المدنيين. وقد أكد وزير الخارجية الصيني وانج يي، خلال لقائه بأعضاء اللجنة الوزارية المكلفة من قبل القمة العربية الإسلامية المشتركة، على دعم الصين لـ”جهود الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه ومصالحه الوطنية المشروعة”.

4- رفع مستوى التنسيق مع روسيا: عززت الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة من التوافق الصيني-الروسي الذي تزايد في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا في ٢٤ فبراير 2022. فينما كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يجري زيارته لإسرائيل لتقديم دعم الولايات المتحدة القوى لحليفتها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، استضاف الرئيس الصيني شي جينبينج نظيره الروسي فلاديمير بوتين في بكين في ١٧ أكتوبر الفائت، وأشاد بـ”الثقة السياسية المتعمقة بين الدولتين”.

ومن دون شك، فإن هذا المسار الجديد في العلاقات بين الدولتين يعود، في قسم منه، إلى وجود توافق عام بشأن تطورات ما يجري على الأرض داخل قطاع غزة. فقد اتهم وزير الخارجية الصيني وانج يي إسرائيل بـ”تجاوز نطاق الدفاع عن النفس”، في حين قارن المندوب الروسي في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا بين ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة وحصار ليننجراد خلال الحرب العالمية الثانية.

حدود الدور

على الرغم من تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، في حديثه إلى الصحفيين في ٢٠ نوفمبر الجاري، بأن الولايات المتحدة ترحب بممارسة الصين دوراً بناءً في الشرق الأوسط، وأن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أوضح ذلك شخصياً في محادثاته مع نظيره الصيني، فإن هناك حدوداً للدور الصيني في عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

صحيح أن الصين نجحت في التوصل لاتفاق بكين الذي أنهى القطيعة الدبلوماسية بين السعودية وإيران، لكن ذلك لا ينفي أنه لا يزال لديها القليل من الخبرة في التوسط في بعض الصراعات المعقدة وطويلة الأمد بالمنطقة، فضلاً عن أن غياب الوجود السياسي والأمني الصيني القوى في منطقة تموج بالانقسامات والتحديات الأمنية لا يوفر لبكين أوراق ضغط على أطراف الصراعات فضلاً عن القوى الإقليمية والدولية المعنية بما يجري فيها من تفاعلات مستمرة ومتشابكة.