اتّجاهات متعددة:
كيف تعاملت الجاليات العربية والغربية مع الحرب الروسية – الأوكرانية؟

اتّجاهات متعددة:

كيف تعاملت الجاليات العربية والغربية مع الحرب الروسية – الأوكرانية؟



تحركت الجاليات العربية والغربية في اتجاهات متعددة عقب إعلان روسيا عن مساعيها للتصعيد العسكري في أوكرانيا وحتى بعد اندلاع الحرب. فمن جهة، دشنت المؤسسات والجاليات العربية العاملة في أوكرانيا خلية أزمة لإرشاد العرب بكيفية التعامل مع أعمال التصعيد، وناشد طلابُ الجاليات العربية على منصات التواصل الاجتماعي بلدانهم لإجلائهم بشكل عاجل وفتح ممرات آمنة للخروج من مناطق الصراع، وانطلقت مسيرات لأبناء الجالية الأوكرانية بمختلف بلدان العالم للتنديد بالغزو الروسي، ونُظمت مظاهرات للجالية الروسية بعدة مناطق أمريكية، ودعا أفراد الجالية الروسية السلطات الألمانية لحمايتهم من حملات التحريض ضدهم. ومن الجهة الرسمية، تحركت الدول من خلال سفاراتها الدبلوماسية بكييف لإنقاذ وإجلاء مواطنيها العالقين في أوكرانيا، بل وطالبت الجامعة العربية روسيا وأوكرانيا بالتنسيق المشترك لتسهيل عبور مختلف أبناء الجاليات العربية.

فور إعلان الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في بيان بثه التليفزيون فجر الرابع والعشرين من فبراير 2022، عن اتخاذه قراراً بـ”عملية عسكرية خاصة” في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا، ومع اتجاه القوات الروسية لقصف مدن أخرى بمختلف الأراضي الأوكرانية، ووصولهم إلى مشارف العاصمة كييف؛ بات الجميع يتساءل عن مصير الجاليات سواء أكانت عربية أو غربية في أوكرانيا، وهو الأمر الذي دفع بعض الوزارات والجهات المعنية للتواصل مع نظيرتها الأوكرانية لتأمين أوضاع جالياتهم هناك، ولكن كان الحدث الأبرز هو الدور الذي قامت به الجاليات بمختلف أنحاء العالم من جهة، والتأثير السلبي الذي تعرضت له بعض الجاليات الروسية في الخارج من جهة أخرى.

وتجدر الإشارة إلى أن الدولة الواقعة في جنوب شرق أوروبا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 44.9 مليون نسمة، يقيم على أراضيها مواطنون من مختلف بلدان العالم، فبالنظر إلى الجاليات العربية فإن عددها يقدر بنحو 50 ألف نسمة معظمهم من طلبة العلم ورجال الأعمال والعائلات، ويقيم قرابة 5 آلاف منهم بالعاصمة كييف وفقاً للمركز الأوكراني للتواصل والحوار، ولذلك قبل أيام من اندلاع الحرب، أطلقت بعض الدول الأوروبية خاصة صافرة نداء إلى مواطنيها المقيمين بأوكرانيا بسرعة مغادرة البلاد التي كانت تتأهب للدخول في حرب، وكانت البداية بدعوة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” خلال مقابلة له مع قناة “إن بي سي” الأمريكية، في 10 فبراير 2022، المواطنين الأمريكيين إلى سرعة مغادرة الأراضي الأوكرانية، قائلاً: “على الأمريكيين مغادرة أوكرانيا على الفور، لأننا لن نرسل قوات أمريكية إلى أوكرانيا لإجلاء الأمريكيين من كييف”.

ومع ذلك، فإن بعض الجاليات العربية قللت من احتمالية اندلاع حرب، واصفة ما تروج له بعض وسائل الإعلام الغربية بأنه مجرد “حرب إعلامية”، وأن الوضع لا يستدعي الخروج من البلد، وما دفعهم لهذا القول أن الإعلام الأوكراني ورغم دفع موسكو باستمرار بحشود عسكرية على الحدود الأوكرانية، تجاهل هذه الأحداث وكان يبث وفقاً لتصريحات بعض المواطنين العرب بأوكرانيا مع وسائل الإعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعي، برامجه المعتادة ولم يهول من الأمر، إذ قال “وائل العلامي” مدير مركز الرائد الإعلامي بالعاصمة كييف في تصريحات صحفية بتاريخ 16 فبراير 2022: “العديد من الطلاب العرب تواصلوا معي، طلبوا النصيحة والمشورة، هل يغادرون أوكرانيا أم يبقون؟ فقلت لهم إن الأمر لا يستدعي الخروج من البلاد”.

أدوار الجاليات

ولكن مع تغير التوقعات واتخاذ روسيا قراراً بشن عملية عسكرية في الأراضي الأوكرانية، برز دور واضح للجاليات سواء من المقيمين داخل أوكرانيا أو خارجها، التي أثرت عليها الحرب بشكل سلبي يمكن رصده على النحو التالي:

1- وضع خطة طوارئ لممثلي الجاليات العربية في أوكرانيا: قبل ثلاثة أيام من اندلاع الحرب، باتت الأمور أكثر وضوحاً للجاليات العربية التي عقدت على الفور في 21 فبراير 2022 بالمركز الأوكراني للتواصل والحوار اجتماعاً لرؤساء وممثلي الجمعيات والمؤسسات والجاليات العربية العاملة في أوكرانيا، تم خلاله إعداد “خطة طوارئ” تُسهم في تقديم المساعدة لأبناء الجاليات العربية المقيمين بأوكرانيا في حال ارتفعت حدة التصعيد العسكري بين الجانبين الأوكراني والروسي، والتقليل من الشائعات، وتعزيز دور الجاليات العربية. ووفقاً لما أعلنه رئيس المركز “عماد أبو الرب” على صفحة المركز الرسمية بموقع “فيسبوك”، بتأسيس ما وصفه بـ”خلية أزمة للعرب بأوكرانيا” تعمل على إرشاد العرب ومساعدتهم في مواجهة هذه المحنة بهدوء واتزان، إذ شملت الخطة نصائح وإرشادات للعرب تمكنهم من مغادرة موقعهم والتوجه إلى أماكن آمنة في حال وقعت مناوشات بمناطق تواجدهم. كما تضمنت الخطة الإعلان عن سيارات لتأمين عملية نقل أبناء الجاليات العربية إلى أماكن آمنة، سواء نحو الحدود أو لدول مجاورة لأوكرانيا تساعدهم على الخروج الآمن.

2- مناشدات طلاب الجاليات العربية بمناطق الصراع الأوكراني للخروج الآمن: فور اشتعال الحرب وانتقال القصف إلى دول شرق أوكرانيا وخاصة مدينة خاركوف الحدودية مع روسيا شرقي أوكرانيا، والتي تستضيف عدداً من الطلاب العرب الذين يدرسون بجامعات خاركوف؛ خرج طلاب الجاليات العربية على منصات التواصل الاجتماعي لمناشدة السلطات في دولهم لسرعة إجلائهم وتوفير عمليات الخروج الآمن لهم، وكان معظمهم إما من الطلبة المغاربة أو المصريين، وهم الأكثر عدداً، حيث إن أوكرانيا تضم على أراضيها أكثر من 80 ألف طالب من 185 دولة حول العالم، منهم 8832 طالباً من المغرب، و3048 طالباً من مصر، و450 طالباً من العراق، و1300 طالب من لبنان، هذا بجانب طلاب من تونس، والأردن، وليبيا، وفلسطين، ودول عربية أخرى، وفقاً لآخر إحصائيات وزارة التعليم الأوكرانية 2021.

وبينما نجحت بعض الدول في توفير الخروج الآمن لطلابها العالقين في أوكرانيا، فإن دولاً أخرى لم تستطع خاصة التي ليس لها تمثيل دبلوماسي بالعاصمة كييف، وهو ما جعلهم محل انتقاد طلاب الجاليات العربية، إذ نشر عدد من الطلاب الموريتانيين في 25 فبراير 2022 مقطع فيديو على موقع “تويتر” وهم موجودون في أنفاق تحت الأرض، ينتقدون وزارة الخارجية في بلادهم لعدم تحركها بشكل عاجل كباقي البلدان العربية لإنقاذهم وإجلائهم من ويلات الحرب، وبعدها بثلاثة أيام استجابت موريتانيا لهم ولكن عبر المغرب، إذ أعلن رئيس اتحاد الجاليات الموريتانية في الخارج “المختار ولد اخليفة” عن الاستجابة لإجلاء الطلبة الموريتانيين ولكن عبر الطائرات التي تم تخصيصها لإجلاء المواطنين المغاربة العالقين.

3- تنظيم مسيرات لأبناء الجالية الأوكرانية في دول العالم: في الوقت الذي كان يبحث فيه أبناء الجاليات داخل أوكرانيا عن مخرج للفرار من مناطق الصراع، كانت هناك مسيرات تجوب أمريكا وأوروبا وبعض البلدان العربية تقودها الجالية الأوكرانية للتنديد بالغزو الروسي لبلادهم ولمناشدة دول العالم بإنقاذ أوكرانيا، ومعاقبة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بعقوبات اقتصادية صارمة تدفعه للتراجع، فقد كانت البداية في 20 فبراير 2022 عقب إعلان “بوتين” مساعيه للدخول في حرب.

إذ خرج الآلاف من الأمريكيين ذوي الأصول الأوكرانية بمختلف أنحاء الولايات المتحدة في مظاهرات بقيادة “أندري فوتي” رئيس مجلس المنظمات الأوكرانية في أمريكا، ناشدوا خلالها بمقاطعة البضائع والسلع الروسية، وطالبوا إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بفرض عقوبات اقتصادية ومالية صارمة على موسكو، ووجهت القيادية بالجالية الأوكرانية في شيكاغو رسالة إلى إدارة البيت الأبيض لاتخاذ موقف قوي ضد التحركات الروسية. وفي 26 فبراير 2022، خرج أبناء الجالية الأوكرانية أمام مقر السفارة الروسية في النمسا، ونيويورك، والمغرب، في تظاهرات للتنديد بالغزو الروسي، رافعين الأعلام الأوكرانية ولافتات حملت عبارات مناهضة لموسكو، مثل: “أوقفوا الحرب”، و”أوقفوا بوتين”، و”ارفعوا أيديكم عن أوكرانيا”، و”لا للعدوان الروسي”.

4- رفض أبناء الجاليات الروسية غزو أوكرانيا: إن قرار الرئيس “بوتين” بغزو أوكرانيا لم يُثر حفيظة أبناء الجاليات الأوكرانية والعربية فقط، وإنما امتد الأمر إلى الآلاف من الأمريكيين ذوي الأصول الروسية، الذين خرجوا في أواخر مارس 2022، بمظاهرات بمختلف شوارع “برايتون بيتش” و”بروكلين” و”كوينز” ومناطق أخرى في مدينة نيويورك التي تستضيف وحدها حوالي 600 ألف مهاجر روسي، رافعين لافتات تؤكد على أن كونهم روسيين لا يمنعهم من التنديد بغزو الأراضي الأوكرانية، معتبرين ما قام به الرئيس الروسي بمثابة عدوان، ومعلنين عن وقوفهم بجانب كييف حتى تنتصر بهذه الحرب.

وشدد أبناء الجالية الروسية خلال تظاهرات على أن “الحرب خطأ ويجب أن تتوقف”، وتجدر الإشارة إلى أنّ موقف أبناء الجالية الروسية ليس مختلفاً كثيراً عن رفض الروس داخل موسكو لقرار الحرب. ورغم تخوفهم من الإفصاح برفضهم هذا خوفاً من الاعتقال، فإن صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أجرت مع إحدى شركات الأبحاث استبياناً في الفترة ما بين 28 فبراير و1 مارس بين عينة عشوائية من 1640 بالغاً في جميع أنحاء البلاد، وتوصل إلى أن حوالي 58% من الروس موافقون على قرار غزو أوكرانيا، بينما يعارضها 23%.

5- مضايقة أفراد الجالية الروسية في بعض الدول الأوروبية: إن التأثير السلبي لحرب أوكرانيا امتدّ أيضاً إلى بعض الجاليات الروسية العالقة في بلدان أوروبية، ففي الوقت الذي خرج فيه روسيان بالخارج في مسيرات للتنديد بالغزو الروسي لأوكرانيا، فإن بعض أفراد الجالية الروسية في ألمانيا نددوا بالمعاملة السيئة التي قابلوها عقب اندلاع الحرب وعبارة “أنتم قتلة” التي يسمعونها من أفراد عدة حينما يعلمون أنهم “روس” وتحميلهم مسؤولية أفعال “بوتين”، وهو ما دفعهم لمطالبة السلطات الألمانية بحمايتهم من محاولات التحريض على العنف والمشاحنات الكلامية التي يواجهونها بالدولة الأوروبية، وخاصة الأطفال الروس الذين باتوا يرفضون الذهاب إلى مدارسهم لتفادي تلك المضايقات، إلى درجة أن “نارينا كاريتزكي” مديرة المدرسة الروسية في مدينة بون الألمانية، كشفت في تصريحات لوكالة “دويتشه فيله” الألمانية في مارس الماضي، أن بعض الأجهزة المعنية ألغت حفلات تقيمها المدرسة بحجة “أسباب سياسية”، وأن أفراد الجالية الروسية يخشون إرسال أطفالهم للمدرسة خوفاً من أن يحدث لهم شيء، قائلة: “يجب على الناس أن يميزوا بين الحرب العدوانية من ناحية والعائلات الروسية التي تعيش بسلام في ألمانيا، والتي لا علاقة لها بالحرب على الإطلاق”، مضيفة “هذه حرب بوتين. ما يحدث الآن ليس روسيا”.

6- استغلال أبناء الجاليات العربية مادياً للخروج الآمن: فور اندلاع القصف، هرع المقيمون العرب في الأراضي الأوكرانية للبحث عن طريقة خروج آمنة من مناطق الصراع بوسائل نقل مختلفة. وبينما نجح البعض فإن آخرين ظلوا عالقين بالداخل، وهو ما جعلهم عرضة للاستغلال والابتزاز من قبل أشخاص عرضوا عليهم توفير عملية الخروج الآمن ولكن بشرط دفع مبالغ مالية مرتفعة في وقت هم لا يملكون فيه المال جراء وقف عملية استقبال الحوالات من الخارج، بسبب إغلاق البنوك وتعطل الصرافات الآلية من جهة، وارتفاع أسعار تذاكر الطيران والقطارات بشكل باهظ من جهة أخرى.

وهذا الأمر كشفته مجموعة من أبناء الجاليات العربية يقيمون بمدينة سومي شمال شرق أوكرانيا، في فيديو لهم على موقع “تويتر” مطلع مارس الماضي، وهم يناشدون سفارات بلادهم والمنظمات الدولية والحقوقية بالتعاون والتنسيق والعمل على فتح ممرات آمنة لإجلائهم بشكل عاجل من هذه المدينة بعد إغلاق عدد من مداخلها جراء محاصرة القوات الروسية لها، وتعرض بعض أبناء الجاليات لمخاطر عدة جراء محاولاتهم الخروج على مسؤوليتهم الخاصة.

إنقاذ العالقين

وفي ظل هذه الأجواء المشحونة التي أحدثها الغزو الروسي على أوكرانيا على مدار عام، وتأثرت به مختلف الجاليات سواء العربية أو الغربية كل على حدة، فإنه ينبغي الإشارة إلى الدور الذي قامت به بعض الحكومات بل والمنظمات لإنقاذ العالقين في أوكرانيا، كما يلي:

1- الاتصال عبر منصات التواصل الاجتماعي: لعبت السوشيال ميدياً دوراً كبيراً عقب اندلاع النزاع في التواصل مع الجاليات العربية، إذ نشرت بعض السفارات العربية في كييف (ومنها: مصر، وليبيا، والكويت، والسعودية، والإمارات، والبحرين، والمغرب) أرقام هواتف على مواقعها الرسمية بمنصات التواصل الاجتماعي خاصة (فيسبوك، وتويتر)، تدعو فيها أبناء جالياتها للتواصل من خلالها لسرعة إجلائهم، كما اتجهت سفارات عربية أخرى لتدشين مجموعات عبر موقع “الواتساب WhatsApp” لمطالبة أبناء الجاليات وخاصة الطلبة منهم، بإرسال بياناتهم، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمساعدتهم على مغادرة أوكرانيا بشكل آمن، وتحذيرهم من السفر بشكل منفرد لعدم تعريض حياتهم للخطر.

كما حددت بعض السفارات العربية لرعاياها “نقاطاً حدودية معينة” للتوجه إليها، مثل رومانيا والمجر وسلوفاكيا وبولندا، حتى يسهل إجلاؤهم. ومن ناحية فإن الدول التي ليس لها تمثيل دبلوماسي في كييف مثل تونس، تواصلت مع منظمة الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي لمساعدته لإجلاء الجالية التونسية من أوكرانيا التي يقدر عددها بـ1700 شخص عبر إرسال طائرات إلى بولندا ورومانيا، وفقاً لما أعلنه “محمد الطرابلسي” المسؤول بوزارة الخارجية التونسية لوكالة “فرانس برس” مطلع مارس الماضي.

2- إجراء مباحثات عربية روسية لتأمين الجاليات العربية: في 4 أبريل الماضي، توجه وفد مجموعة الاتصال في جامعة الدول العربية برئاسة الأمين العام للجامعة “أحمد أبو الغيط”، ووزراء خارجية مصر “سامح شكري”، والعراق “فواد حسين”، والسودان “علي الصادق”، والجزائر “رمطان لعمامرة”، والممثل الدائم للأردن في الجامعة العربيَّة السفير “أمجد العضايلة”، إلى كل من العاصمة الروسية موسكو ثم العاصمة البولندية وارسو لبحث تداعيات الأزمة الروسية-الأوكرانية، وكانت “أزمة الجاليات العربية” ضمن قائمة المباحثات التي أجراها الوفد سواء مع وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” في موسكو، أو مع نظيره الأوكراني “ديمتري كوليبا” في بولندا، إذ أكد وزير الخارجية المصري أن الوفد حث الجانبين الروسي والأوكراني على استمرار التنسيق لتسهيل عبور مختلف أبناء الجاليات العربية الموجودة حالياً في أوكرانيا من مناطق الصراع، وضمان عدم تأثرهم بهذا النزاع.

3- إعداد جسر جوي عسكري لإجلاء الجاليات العربية: اتجهت بعض الدول العربية خاصة التي ليس لها تمثيل دبلوماسي في كييف إنما في موسكو، كتونس، إلى تخصيص جسر جوي من الطائرات العسكرية والمدنية لتأمين عودة التونسيين من الدول المجاورة لأوكرانيا، وبعد أن وجه رئيس جمعية الجالية التونسية بأوكرانيا “طارق العلوي” عقب اندلاع الحرب “نداء استغاثة” إلى السلطات التونسية للتدخل لإنقاذ التونسيين المحاصرين بمناطق الصراع، استجابت الدولة بعد ثلاثة أيام، وأصدر الرئيس “قيس سعيد” في 27 فبراير 2022 قراراً يقضي بـ”إعداد جسر جوي عسكري تقوده طائرات الجيش الوطني والشركة التونسية للخطوط التونسية لتأمين عودة الجالية التونسية التي يقدر عددها بما يزيد على 1500 تونسي 80% منهم طلبة، وفقاً لما أعلنه مدير الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية التونسية “محمد الطرابلسي”.

وبالفعل، تم وصول أول طائرة عسكرية تونسية في 28 فبراير 2022، ونقلت 106 طلاب كانوا عالقين بالأراضي الرومانية إلى مطار تونس قرطاج قادمة من رومانيا، وهو ما أكده المستشار لدى رئاسة الجمهورية التونسية “وليد الحجام”. ومن جهة، أعلن وزير الشؤون الخارجية والهجرة التونسي “عثمان الجرندي” بعد اجتماع مع الرئيس “سعيد” ورئيس الحكومة “نجلاء بودن”، عن خطة لتدشين نقاط اتصال داخل أوكرانيا وخارجها في سفارات تونس ببولونيا ورومانيا ومولدافيا والمجر، لتجميع أسماء أفراد الجالية التونسية لسرعة الوصول إليهم.

4- التواصل مع جمعيات الصليب الأحمر في أوكرانيا والمناطق الحدودية: تواصلت العديد من الدول مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر المعنية بالتنسيق مع أطراف النزاع لحل مشاكل المتضررين من الحرب، للتدخل لإجلاء مواطنيها العالقين بالحدود وتأمين مرور آمن لهم، وكان من هذه الدول: تونس، والمغرب، والسودان، وفلسطين. ونظراً لأن اللجنة لها فروع في مختلف دول العالم، فقد وقع تنسيق ميداني بين اللجنة وفروعها، إذ دشن “الهلال الأحمر المصري” بالتعاون مع وفد لجنة الإغاثة الدولي، مطلع مارس الماضي، ثلاثة مراكز إغاثية وعلاجية على حدود أوكرانيا، لاستقبال جميع القادمين من أوكرانيا سواء أكانوا من المصريين أو من الجنسيات العربية، وبجانب تقديم خدمات الإغاثة لهم فقد وفرت المتطلبات اللازمة لتسهيل عودتهم إلى بلادهم. وبالفعل نجح “الهلال المصري” في مساعدة وإجلاء عدد من الطلاب والعائلات المصرية من بولندا ورومانيا.

اتجاه المغادرة

خلاصة القول، إن أوضاع الجاليات العربية في ظل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية كانت بالفعل محط اهتمام من جانب بعض الدول التي سارعت لإنقاذ مواطنيها العالقين بمناطق الصراع، في حين فشلت دول أخرى، وكان الطلبة العرب من أكثر الفئات التي فضلت مغادرة الأراضي الأوكرانية، في حين أراد بعض رجال الأعمال والعائلات المستقرة بأوكرانيا منذ سنوات عديدة البقاء داخل البلاد، ومع استمرار الحرب وعدم نجاح أي وساطة إقليمية أو دولية، فإن أزمة الجاليات سواء العربية أو الغربية ستظل محل تركيز، إذ إن وصول الصراع إلى مستويات غير مسبوقة خلال الفترة القادمة ووصوله إلى مناطق أخرى كانت “آمنة”، سيدفع آخرين من أبناء الجاليات إلى المغادرة، وفي الوقت ذاته لا يمكن تجاهل الدور الذي لعبته بعض الجاليات في الغرب لدعم أوكرانيا، وما تعرض له المواطنون الروس بالخارج عقب الحرب.