إدارة التصعيد:
كيف تعاملت إيران مع عملية “طوفان الأقصى”؟

إدارة التصعيد:

كيف تعاملت إيران مع عملية “طوفان الأقصى”؟



سارعت إيران إلى إعلان دعمها للعملية العسكرية التي شنتها حركة “حماس” الفلسطينية داخل الأراضي الإسرائيلية، في 7 أكتوبر الجاري، وأطلقت عليها “طوفان الأقصى”. إذ لم تكتفِ طهران بتصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني التي تضمنت رسائل مباشرة تُفيد بأنها لم تكن بعيدة عن مجرى ما يحدث من تصعيد، وإنما منحت الضوء الأخضر لبعض القادة العسكريين ليقوموا بدورهم بتوجيه رسائل تفيد بأنها داعمة وبقوة للعملية العسكرية التي تشنها حماس حالياً ضد إسرائيل، على غرار مستشار المرشد الأعلى للشئون العسكرية يحيى رحيم صفوي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة محمد باقري. ومع ذلك، فإن إيران حرصت في الوقت نفسه على نفى قيامها بدور مباشر في المواجهة الحالية، بعد أن نشرت تقارير غربية تفيد بعقد اجتماعات بين قادة الحرس الثوري وحماس قبيل العملية الأخيرة بأيام قليلة.

أهداف عديدة

يمكن القول إن إيران سعت إلى استغلال المواجهة الحالية التي تجري بين حماس وإسرائيل من أجل تحقيق أهداف عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- الرد على العمليات الإسرائيلية في الداخل الإيراني: وهي عمليات نوعية وجهت فيها إيران اتهامات مباشرة لجهاز الموساد الإسرائيلي، الذي سعى -وفقاً لذلك- إلى توجيه ضربات قوية للبرنامجين النووي والصاروخي الإيراني. فقد استهدف المنشآت النووية الإيرانية، لا سيما مفاعل ناتانز لتخصيب اليورانيوم الذي تعرض لعمليات “تخريبية” مرتين في 2 يوليو 2020 و12 أبريل 2021، إلى جانب بعض العلماء النوويين مثل محسن فخري زاده، رئيس مركز الأبحاث والتطوير في وزارة الدفاع، الذي اغتيل في 27 نوفمبر 2020، والقيادات العسكرية مثل حسن صياد خدايي، الذي اغتيل في 22 مايو 2022.

وقد هددت إيران أكثر من مرة بالرد على تلك العمليات، إلا أن هذا الرد اقتصر على مهاجمة أهداف إسرائيلية في المياه الدولية، على غرار السفن الإسرائيلية التي تعرضت لهجمات بواسطة طائرات من دون طيار، مثل السفينة التي تملكها شركة “إيسترن باسيفيك شيبينج” المملوكة للملياردير الإسرائيلي إيدان عوفر، والتي تعرضت لهجوم قبالة سواحل عمان، في 16 نوفمبر 2022. ومن هنا فإنها وفي إطار سعيها إلى تبني سياسة “الحرب بالوكالة” اعتبرت أن المواجهات المسلحة التي تندلع باستمرار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية تدخل ضمن إدارة عملية التصعيد مع إسرائيل.

2- تأكيد هشاشة الوضع الداخلي الإسرائيلي: يمكن القول إنه مثلما سعت إسرائيل إلى تأكيد هشاشة الوضع الداخلي في إيران عبر العمليات الاستخباراتية التي قامت بها في الداخل الإيراني، فإن إيران تحاول أيضاً تأكيد هشاشة الوضع الداخلي في إسرائيل عبر العمليات العسكرية التي تقوم بها الفصائل الفلسطينية.

وهنا، كان لافتاً من تصريحات المسئولين الإيرانيين وتقييم وسائل الإعلام الإيرانية للمواجهات التي اندلعت بين الطرفين، بداية من 7 أكتوبر الجاري، أنها تركز على فكرة الضعف الداخلي في إسرائيل، وهو ما يبدو جلياً من التغطية الواسعة لصحيفة “جوان” (الشباب) التابعة للحرس الثوري، التي حرصت على الترويج للنتائج التي حققتها العملية العسكرية التي شنتها حماس، فتحت عنوان “لماذا تعد عملية طوفان الأقصى أكثر العمليات نجاحاً على الإطلاق؟” قالت الصحيفة إنه في العملية الحالية تم إطلاق 5000 صاروخ في أول يوم، في حين أنه في عملية “سيف القدس” التي استمرت 11 يوماً تم إطلاق 4500 صاروخ من جانب كل الفصائل التي شاركت فيها. ونشرت صحيفة “شرق” (الشرق) على صدر صفحتها الأولى تقريراً بعنوان “سبت إسرائيل الأسود”، في إشارة إلى حجم الاختراق الذي كشفت عنه العملية.

3- إضعاف مركز بنيامين نتنياهو: ربما تسعى إيران عبر دعم هذه العملية إلى إضعاف المركز السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إذ إنها ترى أن الأخير مارس الدور الأهم في العمليات الأمنية التي قام بها جهاز الموساد الإسرائيلي داخل إيران، على غرار الاستيلاء على الأرشيف النووي الإيراني في 31 يناير 2018.

كما أنه كان له تأثير كبير في دفع الولايات المتحدة الأمريكية، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى الانسحاب من الاتفاق النووي في 18 مايو 2018، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران بداية من 7 أغسطس من العام نفسه، على نحو فرض أزمات عديدة أمام إيران لم تنجح في احتواء تداعياتها بشكل كامل رغم عودتها إلى تصدير نسبة أكبر من نفطها في الشهور الأخيرة.

وقد استغلت إيران تصريحات نتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 23 سبتمبر الفائت، والتي قال فيها إنه “يجب مواجهة إيران بتهديد نووي ذي مصداقية” لشن حملة ضد إسرائيل، رغم أن مكتب نتنياهو حرص على تصحيح التصريح، بتأكيد أن الأخير كان يقصد تهديداً عسكرياً وليس نووياً.

وفي رؤية طهران، فإنّ حجم الاختراق الأمني الكبير الذي كشفت عنه عملية “طوفان الأقصى” سوف يفرض ضغوطاً غير مسبوقة ليس فقط على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وإنما أيضاً على المستوى السياسي، ولا سيما رئاسة الحكومة، وهو ما يتوازى مع الضغوط التي يتعرض لها نتنياهو في الوقت نفسه بسبب الاحتجاجات الداخلية والاتهامات التي يواجهها والتي يحاول تجنب تداعياتها التي يمكن أن تصل إلى حد محاكمته، وهو ما يمكن أن يُضعف من موقعه السياسي في النهاية، ويؤدي إلى خروجه من المشهد السياسي الإسرائيلي.

4- تشتيت جهود تل أبيب بين غزة وسوريا: لم تتوقف العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد المواقع التابعة لإيران والمليشيات الموالية لها في سوريا، حيث تسعى تل أبيب إلى منع طهران من تكريس حضورها العسكري داخل سوريا، ومواصلة الدعم الذي تقدمه لتلك المليشيات، ولا سيما حزب الله اللبناني. ومن هنا، فإن إيران ربما اعتبرت أن شن حماس عملية “طوفان الأقصى” في هذا التوقيت يمكن أن يساعد في تشتيت جهود إسرائيل، ويوفر خيارات أوسع أمام طهران لتعزيز نفوذها داخل سوريا على مستويات مختلفة.

مرحلة جديدة

ربما ترى إيران أن ما حدث من مواجهات بين حماس وإسرائيل يمثل مرحلة جديدة من التصعيد مع الأخيرة، قد تستتبعه مراحل أو خطوات تصعيدية أخرى، وهو ما سوف يعتمد على متغيرين: أولهما، مستوى وحجم الرد الإسرائيلي الذي يبدو غير مكتمل حتى الآن، في ظل حالة الارتباك التي بدت عليها إسرائيل بسبب المستوى الذي وصلت إليه العملية العسكرية التي شنتها حماس. وثانيهما، رد فعل المليشيات الأخرى الموالية لإيران، خاصة حزب الله، ومدى إمكانية انخراطها في المواجهات خلال المرحلة القادمة. فرغم القصف المتبادل بين الحزب وإسرائيل، إلا أنه لا يؤشر حتى الآن إلى إمكانية توسع نطاق المواجهات الحالية من غزة إلى جنوب لبنان، باعتبار أن ذلك يمكن أن يتسبب في ارتباك الحسابات المعقدة في الأساس، وربما يفرض معطيات مختلفة على الأرض في وقت تبدو فيه كل الأطراف حريصة على قراءة وتقييم تداعيات ما بعد عملية “طوفان الأقصى”.