تعزيز التحالف:
كيف تصاعد الموقف الغربي من التدخل الروسي في أوكرانيا؟

تعزيز التحالف:

كيف تصاعد الموقف الغربي من التدخل الروسي في أوكرانيا؟



بعد أشهر من الحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية، والجهود الدبلوماسية التي بذلتها قوى دولية عديدة لإثناء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن شن عمل عسكري ضد كييف والوصول إلى تسوية للأزمة؛ بدأت القوات الروسية عملياتها العسكرية في الأراضي الأوكرانية في ٢٤ فبراير الفائت، بعد اعتراف موسكو باستقلال دونيتسك ولوغانسك. ولا تزال هذه العمليات العسكرية مستمرة حتى الآن، وهو ما استدعي اصطفافاً دولياً تقوده الولايات المتحدة بدعم من حلفائها الغربيين ضد روسيا، بالتوازي مع الإجماع على توجيه انتقادات واسعة لتحركات الأخيرة في المحافل الدولية، وفرص عقوبات قاسية وموجعة ضدها من أجل دفعها إلى وقف استخدام الخيار العسكري في التعامل مع تلك الأزمة.

خطوات متوازية

كان لافتاً أن الولايات المتحدة وحلفاءَها الغربيين تخلوا عن الخطوات الحذِرة التي اتُّخذت خلال الأشهر الماضية لإقناع روسيا بوقف خططها لغزو أوكرانيا، وذلك عبر تبني استراتيجية اعتمدت على مجموعة من المحددات الرئيسية التي يتمثل أبرزها في:

١- فرض عقوبات تدريجية على روسيا: تصاعدت العقوبات الغربية على روسيا في أعقاب اعترافها باستقلال منطقتى دونيتسك ولوغانسك، حيث بدأت بعقوبات على مؤسسات مالية روسية محدودة، وأعضاء من النخبة الروسية، وامتدت إلى إعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا فرض عقوبات على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرجي لافروف. وقد اتفقت الدول الغربية على استبعاد بعض البنوك الروسية من نظام “سويفت” للمدفوعات العالمية بين البنوك، ومنع أي تعامل مع البنك المركزي الروسي، بينما كانت تعارض ذلك في السابق، وكذلك حظر تعاملاته بالدولار الأمريكي، ومنع التعامل مع صندوق الاستثمار المباشر الروسي، وفرض عقوبات على مزيد من المؤسسات المالية الروسية، بجانب الإعلان عن تجميد احتياطات روسيا من العملات الأجنبية التي تقدر بنحو ٦٣٠ مليار دولار تحتفظ بها روسيا خارج البلاد.

وأعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ودول أخرى فرض قيودٍ على المنتجات التي يمكن إرسالها لروسيا، والتي تشمل السلع ذات الاستخدام المزدوج، وهي العناصر التي يمكن أن يكون لها استخدام مدني وعسكري، مثل المواد عالية التقنية أو المواد الكيميائية أو الليزر. وإلى جانب العقوبات الاقتصادية، قررت دول أوروبية إغلاق مجالها الجوي أمام الشركات الروسية، وقد أعلنت كندا إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية الروسية، وذلك من أجل ممارسة ضغوط أقوى على روسيا لوقف عملياتها العسكرية في أوكرانيا.

2- دعم القوات المسلحة الأوكرانية: رفضت الدول الغربية إرسال قوات عسكرية للمشاركة في القتال ضد القوات الروسية التي تغزو الأراضي الأوكرانية. لكنها في مقابل ذلك، قدمت مساعدات عسكرية محددة لأوكرانيا، حيث أعلنت الإدارة الأمريكية عن ٣٥٠ مليون دولار إضافية لمساعدة أوكرانيا عسكرياً. ولأول مرة في تاريخه، يمول الاتحاد الأوروبي شراء وتسليم أسلحة بعد أن وافق قادته على نقل أسلحة بقيمة ٤٥٠ مليون يورو إلى كييف. وفي هذا السياق، قال مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل إن بعض الدول الأوروبية سترسل طائرات مقاتلة لأوكرانيا. فيما أعلنت بعض الدول الأوروبية الأخرى، مثل إيطاليا، عن أنها ستقدم معدات عسكرية لأوكرانيا من دون تحديد طبيعتها أو قيمتها.

3- تغيير العقيدة العسكرية لبعض الدول: دفع الغزو الروسي لأوكرانيا ألمانيا، التي كانت تعارض تصدير أسلحة فتاكة إلى مناطق النزاعات، إلى إجراء تحول في عقيدتها بالإعلان عن تزويد كييف بقاذفات صواريخ مضادة للدبابات وصواريخ ستينجر من أجل الدفاع عن نفسها. وتبنت فنلندا، التي كانت تعارض هي الأخرى الانخراط في الصراعات الدولية وتصدير أسلحة إلى مناطق النزاعات، القرار نفسه، حيث اتخذت قراراً تاريخياً مماثلاً بتقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا.

4– رفع مستوى الإنفاق الدفاعي الأوروبي: أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، أمام البرلمان الاتحادي (البوندستاج)، أن برلين ستبدأ في إنفاق ٢٪ من ناتجها الإجمالي على الأقل على أمنها الدفاعي رداً على التصعيد العسكري الروسي ضد أوكرانيا والذي يهدد الأمن الأوروبي، مشيراً إلى أن ألمانيا سوف تقوم بتخصيص موارد مالية جديدة تصل إلى 84 مليار جنيه استرليني لصالح صندوق خاص تابع لقواتها المسلحة. وقد برر شولتز القرار بـ”المسئولية التاريخية” الملقاة على كاهل أوروبا لمنع توسع الحرب الروسية. ورغم أن زيادة نسبة الإنفاق الدفاعي كانت محور خلافات في السابق بين دول الحلف، إلا أنه يتوقع بعد استخدام روسيا للخيار العسكري لتسوية خلافاتها مع أوكرانيا والحلف، أن تتجه دوله إلى تبني التوجه ذاته في المرحلة القادمة.

5– ردع روسيا عن مهاجمة أوروبا الشرقية: في إطار المخاوف الغربية من امتداد الحرب الروسية على أوكرانيا إلى بعض دول أوروبا الشرقية، أعلنت العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة التزامها بحماية الدول الأعضاء في حلف “الناتو”. وقد عملت أيضاً على زيادة انتشار قواتها العسكرية في دول أوروبا الشرقية، وتقديم الدعم العسكري لها. ففي هذا السياق، ‏أعلنت اللجنة العسكرية التابعة لحلف “الناتو” خلال اجتماع استثنائي لها عن تعزيز قوات الحلف في الدول الأعضاء القريبة من روسيا بهدف ردع الأخيرة عن مهاجمتها.

6– تقديم مزيدٍ من المساعدات الإنسانية: إلى جانب إعلان العديد من الدول الغربية عن تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا لتعزيز موقفها الدفاعي ضد الهجمات العسكرية الروسية، بدأت تلك الدول في تقديم مزيد من المساعدات الإنسانية لأوكرانيا لتحسين أوضاع الأوكرانيين المتضررين من العمليات العسكرية الروسية. فقد أعلنت الولايات المتحدة عن تقديم ٥٤ مليون دولار كمساعدات إنسانية للمتضررين الأوكرانيين من الغزو الروسي. فيما أعلنت بريطانيا عن مساعدات إنسانية لأوكرانيا بقيمة 40 مليون جنيه استرليني.

7مواصلة الانخراط الدبلوماسي لحل الأزمة: رغم إخفاقات الجهود الدبلوماسية التي قادتها العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة لإثناء روسيا عن شن عمليات عسكرية ضد أوكرانيا، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالاً بالرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، مع بدء المحادثات بين الوفدين الروسي والأوكراني على الحدود الأوكرانية-البيلاروسية، في 28 فبراير الفائت، في محاولة لوقف استمرار التقدم العسكري الروسي داخل الأراضي الأوكرانية. ولكن يتوقع أن تفشل الجهود الدبلوماسية في ظل إصرار موسكو على مطالبها، حيث تشترط لوقف الغزو الاعتراف بالقرم أرضاً روسية، وإعلان حياد كييف، وتخلي الحكومة الأوكرانية عن “نازيتها”.

توافق مستمر

يمكن القول إن استمرار العمليات العسكرية الروسية داخل الأراضي الأوكرانية أدى إلى تقليص مساحة الانقسام بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة، والذي تصاعد في أعقاب عملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وعدم مراعاة الإدارة الأمريكية لمصالح وأهداف حلفائها الغربيين قبل خروج آخر جندي أمريكي من أفغانستان، وذلك بعد الاتفاق حول سبل معاقبة روسيا اقتصادياً لغزوها أراضي أوكرانيا بعد معارضة بعض تلك القوى في السابق عدداً من العقوبات الأمريكية على موسكو. ويبدو أن التحالف الغربي راهناً بات أكثر تماسكاً مع تطورات الأزمة الأوكرانية، إلا أن ذلك لا ينفي أنه ما زال حريصاً على تبني استراتيجية التصعيد المحسوب دون الانخراط العسكري في حرب مباشرة مع روسيا على الأراضي الأوكرانية.