سياقات هشة:
كيف تصاعدت مشكلات قوات حفظ السلام في الشرق الأوسط؟

سياقات هشة:

كيف تصاعدت مشكلات قوات حفظ السلام في الشرق الأوسط؟



تزايدت مشكلات أو تحديات قوات حفظ السلام الأممية (التابعة لمنظمة الأمم المتحدة) العاملة في بؤر النزاعات في الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء، في عام 2021، وهو ما يرجح استمرارها في العام الجاري، لاسيما في ظل تعرض تلك القوات لاعتداءات من قبل أفراد أو جماعات عبر “العصى والحجارة” والألغام الأرضية والعبوات الناسفة والمتفجرات من مخلفات الحرب، وتعقد بؤر الصراعات المسلحة المشتعلة التي تفرض ضغوطاً من قبل جهات وبيئات معادية، بالتوازي مع تفاقم معضلة الحفاظ على سلامة السكان المحليين مما يجعلها في مواجهة أحد الأطراف المسلحة، وكذلك توفير تمويل مستدام لمهام قوات حفظ السلام، فضلاً عن التأثيرات الانتشارية للأمراض الوبائية وخاصة كوفيد-19.

مهام متعددة

يشير التيار الرئيسي في الأدبيات إلى تعدد المهام التي تقوم بها قوات حفظ السلام في الشرق الأوسط، إذ تتمثل في وقف إطلاق النار ومروحة العنف بين الأطراف المتنازعة، وحماية المدنيين خلال اشتعال الحرب الأهلية “الممتدة”، وإنشاء منطقة عازلة بين المجموعات المتحاربة، وتيسير وصول المساعدات الإغاثية والإنسانية، ودرء تهديدات التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة، فضلاً عن تيسير العملية السياسية والإشراف على إجراء الانتخابات العامة، وحشد المساعدات الاقتصادية والإنمائية، وتعزيز حقوق الإنسان وإنفاذ سيادة القانون.

ولعل محورية الدور الذي تقوم به قوات حفظ السلام هو الذي يفسر تمديد مهمتها في الصحراء المغربية في 29 أكتوبر الماضي، وتمديد مهمتها في أبيي الحدودية بين السودان وجنوب السودان في 16 ديسمبر الفائت، وتجدد الاشتباكات القبلية في دارفور بغرب السودان في نهاية ديسمبر بعد انسحاب قوات حفظ السلام. فقد أصدر مجلس الأمن الدولي، في 23 ديسمبر 2020، قراراً بإنهاء مهام البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في إقليم دارفور (يوناميد) تحت البند السابع، بعد أكثر من 13 عاماً من بدء عمليات البعثة في دارفور، التي تعد من أكبر البعثات الأممية على مدى تاريخ الأمم المتحدة. وقضي القرار الأممي بتحويل مقرات البعثة، التي تقدر بنحو 35 موقعاً في ولايات دارفور الخمس، لاستخدامها في مجالات التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية.

ورغم هذا الدور الذي تمارسه عمليات حفظ السلام، لم يشر قرار المنظمة الدولية إلى وجودها وإنما استوجبته الظروف الدولية لعجز الأمم المتحدة عن القيام بدورها في سياق “الأمن الجماعي”. ويطلق اصطلاح عمليات حفظ السلام على “الإجراءات التي اتخذتها الأمم المتحدة لتهدئة الصراعات المسلحة والنزاعات السياسية”، حيث اتخذت هذه الإجراءات صوراً عديدة، أهمها قوات حفظ السلام والمراقبين الدوليين العسكريين ومهام المساعي الحميدة، بالإضافة إلى ممثلي الأمين العام في كل نزاع على حدة.

وتجدر الإشارة إلى أن الجهة أو الجهات التي يناط بها تنفيذ عمليات حفظ السلام عادة ما تكون عسكرية في الشق الأكبر منها، وإن كانت “قوات غير متحاربة” في بداية تواجدها تُخصِصها بعض الدول الأعضاء بناءً على طلب الأمم المتحدة للعمل تحت تصرف مجلس الأمن في مناطق الصراع. لكن العناصر المدنية تبدو، في كثير من الأحيان، مؤدية لدور أهم، وهو ما يصدق بصفة خاصة على المهام المتعلقة بتنفيذ تسويات شاملة ومعقدة، وهى التي ترتبط بأوضاع بعض الدول المنهارة أو شبه المنهارة.

على الجانب الآخر، تواجه قوات حفظ السلام في الإقليم تحديات ضاغطة تؤثر على مهامها، وهو ما يمكن توضيحه في العوامل التالية:

استهداف مباشر

1- التعرض لاعتداءات من قبل أفراد أو جماعات: يعد أحد التهديدات التي تتعرض لها قوات حفظ السلام استهدافها من قبل أفراد أو جماعات مسلحة، على نحو ما تشير إليه خبرة قوات حفظ السلام الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) بعد الاعتداء على عناصر من الكتيبة الأيرلندية العاملة ضمن قواتها في بلدة شقرة في 22 ديسمبر الماضي، وهو ما جاء على خلفية قيام أحد الجنود الدوليين بتصوير موقع في البلدة عبر هاتفه الجوَّال، مما أثار غضب الأهالي. ومع محاولة الدورية التابعة لقوات حفظ السلام الخروج من المكان، صدمت شابين وسيارتين، الأمر الذي دفع سكان المنطقة لمحاصرة الدورية حتى جاءت قوات الجيش اللبناني وأجلت أفرادها.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك تحليلات اعتبرت أن الحادث يحمل أبعاداً سياسية عبر رسائل من حزب الله تجاه الأمم المتحدة، لاسيما أنه تزامن مع مغادرة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بيروت إثر زيارة أدلى خلالها بتصريحات أغضبت قيادات وأعضاء الحزب، إذ طالب بتحوله إلى حزب سياسي مثل غيره من الأحزاب. غير أن هناك تحليلات أخرى ترى أن هذا الحادث ما هو إلا واقعة تتكرر بين قوة حفظ السلام والسكان المحليين الذين يغلقون أحياناً مسارات الدوريات بل يستولون على المعدات الخاصة بتلك القوة، وهو ما أوضحه المتحدث الرسمي باسم القوة الأممية أندريا تيننتي، في 4 ديسمبر الفائت.

جغرافيا متحركة

2- تعقد بؤر الصراعات المسلحة المشتعلة: تتسم الصراعات المسلحة التي تشهدها بؤر محددة في الشرق الأوسط بالتعقيد الشديد من حيث عدد أطرافها وأسباب تصاعدها ومستويات تأثيرها. إذ صرح مدير عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة جان بيير لاكروا في مقابلة مع وكالة “أسوشيتدبرس” في 20 نوفمبر الماضي قائلاً: “يواجه أكثر من 66 ألف جندي من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تهديدات أكبر في الوقت الراهن، لأن النزاعات أصبحت أكثر تعقيداً ويحركها عدد متزايد من العوامل التي تتراوح من التوترات العرقية وتأثير الجريمة المنظمة إلى الاستغلال غير القانوني للموارد والإرهاب”.

وأضاف لاكروا أن دوافع الصراع آخذة في الازدياد، وهناك أيضاً ما أسماها “مُعزِّزات الصراع”، بما في ذلك التقنيات الرقمية وتأثير الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة على النزاعات، و”الجماعات المسلحة التي تستخدم وسائل معقدة بشكل متزايد لتقويض تحركاتنا”. وعلى الرغم من أن إشارته شملت مهام حفظ السلام في العالم ككل، إلا أن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا تستأثر بالنصيب الأكبر. ووفقاً للاكروا فإن لدى الأمم المتحدة حالياً 12 عملية حفظ سلام – ست في إفريقيا وأربع في الشرق الأوسط وواحدة في أوروبا وواحدة في آسيا – مع أكثر من 66 ألف فرد عسكري من 121 دولة انضم إليهم أكثر من 7 آلاف شرطي دولي و14 ألف مدني.

ووفقاً لرؤية لاكروا، فإنه حتى بالمقارنة مع عامين أو ثلاثة أعوام مضت، فإن “الجزء الأكبر من بعثات حفظ السلام لدينا يعاني من بيئة سياسية وأمنية متدهورة. علاوة على ذلك، تتسم النزاعات بأنها متعددة الطبقات، وغالباً ما تتجاوز كونها محلية ووطنية لتصبح إقليمية وحتى عالمية”. وضرب مثالاً على ذلك بمنطقة الساحل الأفريقي، والتي تشهد نشاطاً إرهابياً متزايداً، لاسيما بعد انسحاب القوات الفرنسية. ولعل ذلك يفرض ضغوطاً متصاعدة على العاملين من العسكريين والمدنيين في قوات حفظ السلام في بؤر النزاعات في الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء بشكل خاص، على نحو يستلزم الجاهزية للتعامل مع تهديدات متصاعدة.

تسييس المهمة

3- الحفاظ على سلامة السكان المحليين: تشمل مهام البعثة الأممية لحفظ السلم تأمين سلامة العناصر المدنية والتصدي للانتهاكات بحق الأطفال مما قد يُعرِّض أعضاء تلك البعثة لأن يكونوا أطرافاً في الصراع المسلح على نحو يعطي انطباعاً بأن وجودها مستمر إلى مالا نهاية، وهو ما ينطبق على مهمة البعثة الأممية في الصحراء المغربية التي تواجه مضايقات في بعض الأحيان من مسلحي جبهة البوليساريو لاسيما بعد اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتبعيتها للسيادة المغربية.

ميزانيات ضخمة

4- توفير تمويل مستدام لمهام قوات حفظ السلام: تعد أزمة التمويل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه بعثات حفظ السلام في الإقليم التي تحتاج بدورها إلى ميزانيات ضخمة توفرها عدد من الدول الرئيسية مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأسبانيا. وبناءً عليه، يتطلب الحفاظ على هذا المستوى من الإنفاق جهوداً دبلوماسية مكثفة من أجل إقناع بعض الدول المترددة بالحفاظ على وتيرة المساهمات ذاتها وعدم اللجوء إلى خفضها، خاصة أن بؤر الصراعات في الإقليم مشتعلة أو خامدة وتكون قابلة للاشتعال في لحظة ما. بعبارة أخرى، أصبحت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أكثر تحفظاً في تمويل عمليات حفظ السلام أو تسليم المساهمات المالية المتعَهَدة للمعنيين في مواعيدها، مما يُعرِّض وجود هذه البعثات، والتي تُقدَّر ميزانية أنشطتها حول العالم بمليارات الدولارات، للخطر.

تداعيات كورونا

5– تأثيرات انتشارية للأمراض الوبائية: تعرَّض عناصر قوات حفظ السلام في العديد من بؤر النزاعات في الإقليم للإصابة والوفاة من جراء الأمراض فضلاً عن تداعيات كوفيد-19. وفي هذا السياق، ارتبط أحد المتطلبات الرئيسية التي أوصى بها الاجتماع الوزاري الماضي حول عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في العاصمة الكورية الجنوبية سيول يومى 7 و8 ديسمبر الفائت، بتحسين أداء وتأثير قوات حفظ السلام وحشد الدعم الدولي لهذه الجهود، وبشكل خاص فيما يتعلق بتحسين الدعم الطبي والمعدات لجعل قوات حفظ السلام أكثر قدرة على الحركة والتفاعل بل و”البقاء” لأداء مهامها.

تحديات ضاغطة

خلاصة القول، إن التحديات التي يواجهها صون الأمن والسلم الإقليمي في السياقات الهشة متعددة، لاسيما في ظل النزاعات المعقدة وانتشار الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، وارتباطها بالمصالح الإجرامية والجماعات المتطرفة، على نحو يؤثر على مهام قوات حفظ السلام التي تعمل في بؤر النزاعات، وهو ما عبّر عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في كلمة افتراضية لاجتماع مفتوح لمجلس الأمن، في 6 يناير الماضي، بقوله: “إن واحداً من بين كل خمسة أشخاص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مقربة شديدة من نزاع كبير”، مشيراً إلى “تضاعف الاحتياجات الإنسانية نتيجة لذلك، ووصولها لأعلى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية”.