تزايدت الضغوط الخارجية التي مارستها قوى دولية ومنظمات عالمية على بعض دول الإقليم، في الثُلث الأخير من عام 2021، والتي تجسدت في مؤشرات مثل إصدار بيانات سياسية لدفع مسار الحوار الوطني وتواصل موظفي المنظمات الدولية مع أطراف داخلية متنازعة وعقد مؤتمر دولي حول دفع ترتيبات إجراء الانتخابات والقيام بزيارات رسمية للدول المأزومة سياسياً وتزايد الدعوات الدولية لحماية حقوق المعتقلين، لاعتبارات تتعلق بعودة الحكومة المدنية إلى السلطة بالسودان، ومنع الانزلاق إلى حرب أهلية في أثيوبيا، وإنهاء الفراغ الدستوري في الصومال، وتنفيذ خطة خارطة الطريق في ليبيا، والتحول عن الحالة الاستثنائية في تونس.
لم تكن الضغوط الدولية التي تتعرض لها نظم سياسية أو أجنحة عسكرية داخل تلك النظم في الإقليم جديدة، بل لازمت العلاقات الخارجية لدول الإقليم في مراحل تاريخية مختلفة، وإن كان يلاحظ تزامنية تلك الضغوط بشكل غير مسبوق، مع التلويح بخيار العقوبات والمعونات، لتسوية الأزمات أو التوصل إلى توافقات بين أطرافها، بما يحقق الاستقرار الإقليمي الذي صار مرتبطاً بالاستقرار الدولي.
أنماط عديدة
تعددت أنماط الضغوط التي تمارسها القوى الدولية والمنظمات العالمية على بعض دول الإقليم، في الثُلث الأخير من عام 2021، وذلك على النحو التالي:
1- إصدار بيانات سياسية لدفع مسار الحوار الوطني: دعت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات في بيان مشترك، في 3 نوفمبر الجاري، المؤسسة العسكرية السودانية لإجراء المزيد من الحوار الوطني من أجل تحقيق شراكة مدنية عسكرية حقيقية في الفترة الانتقالية المتبقية وحتى إجراء الانتخابات القادمة، وتمثل هذه الضغوط الدولية والإقليمية المشتركة تحدياً أمام المكون العسكري السوداني لاستكمال تجربة الحكم الانتقالي الذي يصر على أن ما حدث تصحيح لأوضاع سياسية غير مستقرة، في حين تصر قوى الحرية والتغيير على إعادة السلطة للمدنيين والإفراج عن كافة المعتقلين قبل البدء في أى حوار وطني.
2- تواصل موظفي المنظمات الدولية مع أطراف داخلية: على نحو برز في إعلان رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس عن عقده لقاءات مع كل الأطراف السودانية، وكشف عن وجود توافق على خطوط عريضة لاتفاق محتمل بين تلك الأطراف لتقاسم السلطة بين المكونين العسكري والمدني بما يشمل إعادة رئيس الوزراء المُقال عبد الله حمدوك لمنصبه، وتشكيل حكومة تكنوقراط وإدخال تعديلات على الوثيقة الدستورية ورفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين، وتهدف الضغوط الأممية بشكل واضح إلى سرعة إعادة الحكومة المدنية للعمل مرة أخرى في أقرب وقت ممكن.
3- عقد مؤتمر دولي حول ترتيبات ما بعد الانتخابات: وهو ما يشير إليه مؤتمر باريس، الذي استضافته العاصمة الفرنسية، في 12 نوفمبر الجاري، بحضور قادة الدول المشاركة في برلين 1 و2 ودول جوار ليبيا ومنظمات دولية، وسعى هذا المؤتمر إلى توفير الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 24 ديسمبر المقبل، وفقاً لما أعلنه وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان خلال كلمته في المؤتمر الوزاري الدولي لدعم استقرار ليبيا في طرابلس في 21 أكتوبر الفائت. فمؤتمر باريس يسبق إجراء الانتخابات بشهر، وتعتبر القوى الدولية أن الانتخابات هى السبيل الوحيد للخروج من الأزمة ومحاولة تحقيق الاستقرار في ليبيا.
4- القيام بزيارات رسمية للدول المأزومة سياسياً: توجه وزير الدولة الألماني للشئون الخارجية نيلس إنين لزيارة تونس يومى 19 و20 أكتوبر الفائت، وذلك بغرض إجراء محادثات سياسية مع ممثلين عن الحكومة الحالية برئاسة نجلاء بودن، حيث التقى بنظيره عثمان الجرندي، وكذا ممثلين عن بعض الأحزاب والقوى السياسية والنقابات العمالية كالاتحاد التونسي العام للشغل، وذلك في إطار جولة للوزير الألماني لدول منطقة المغرب العربي بدأها بتونس. فضلاً عن زيارة يال لامبارات مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدنى ولقائها مع وزير الخارجية عثمان الجرندي في 20 من الشهر نفسه، للتأكيد على استمرار الدعم الأمريكي لمواصلة ما أسمته “المسار التصحيحي”.
5- تزايد الدعوات الدولية لحماية حقوق المعتقلين: ومن ذلك الإعلان عن الزيارة التي قام بها بيتر ماروير رئيس البعثة الدولية للصليب الأحمر للسودان بعد أيام قليلة من قرارات القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، والتي تهدف للإطلاع على أوضاع المعتقلين السياسيين وأحوالهم الصحية وضمان إجراء محاكمات عادلة لهم. وجاء في البيان الصادر عن هذه المؤسسة الدولية أنها طالبت قادة الجيش السوداني باحترام اتفاقية جنيف الخاصة بالمعتقلين وأسرى الحرب وتذكيرهم بأن هذه الاتفاقية تُحرِّم الاحتجاز الاحتياطي والحرمان من حقوقهم بدءاً من الاستعانة بمحامي للدفاع عنهم أمام هيئة المحكمة.
تفسيرات متباينة
هناك دوافع حاكمة للضغوط التي تمارس من دول ومنظمات دولية على بعض دول الإقليم، يتمثل أبرزها في:
1- عودة الحكومة المدنية إلى السلطة بالسودان: فالأوضاع داخل السودان كانت محط متابعة دولية، خلال الأسابيع القليلة الماضية، بعد قرارات 25 أكتوبر الفائت التي قضت بحل مجلسى السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ. ولذا، قدمت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا إلى مجلس حقوق الإنسان مشروع قرار يطالب بعودة المدنيين فوراً إلى الحكم، ويدعو إلى تعيين مقرر خاص لمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في هذا البلد.
2- منع الانزلاق إلى حرب أهلية في أثيوبيا: دعا مجلس الأمن في بيان صادر عنه، في 6 نوفمبر الجاري، إلى إنهاء الأعمال العدائية والتفاوض حول وقف دائم لإطلاق النار وتهيئة الظروف لبدء حوار وطني إثيوبي شامل لحل الأزمة، وهو ما جاء بعد تدهور الوضع الميداني نتيجة الاشتباكات المسلحة بين الجيش الأثيوبي و”قوات جبهة تيجراى” وتقدم الأخيرة نحو العاصمة أديس أبابا بعد ارتباط تلك القوات بجماعة مسلحة أخرى، هى “جيش تحرير أورومو”. وقد أعربت الدول الأعضاء في مجلس الأمن عن قلقها من “تداعيات النزاع على الوضع الإنساني” و”استقرار البلاد والمنطقة برمتها”. وتزامن مع ذلك زيارة المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان إلى أثيوبيا في 4 نوفمبر الجاري.
3- إنهاء الفراغ الدستوري في الصومال: بحث المبعوث الأممي إلى الصومال جيمس سوان، في 8 نوفمبر الجاري، مع رئيس وزراء الصومال محمد حسين روبلي، ورئيس لجنة الانتخابات الفيدرالية محمد حسن عرو، استكمال محطات الانتخابات وتجاوز المعوقات التي تقف في وجه الاستحقاقات المتعثرة، إذ يأتي هذا اللقاء ضمن ضغوط دولية تتواصل لإنهاء حالة الجمود وإنقاذ البلاد من فراغ دستوري يضر مسارى بناء الدولة والمصالحة الوطنية الشاملة بعد انتهاء ولاية الرئيس محمد عبدالله فرماجو في فبراير الماضي.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصومال شهدت خلال عام 2021 أزمة سياسية حادة نتيجة فشل خطط إجراء الانتخابات في موعدها، وهو ما يرتبط بإخفاق القوى السياسية في الاتفاق على كيفية تنظيمها، ثم انهيار المحادثات بين حكومة مقديشيو والقادة المحليين في أبريل الماضي، إذ طلب فرماجو في هذا السياق من المُشرِّعين تمديد ولايته لمدة عامين ما أدى إلى اندلاع اضطرابات اجتماعية واشتباكات مسلحة في العاصمة، واضطر الرئيس المنتهية ولايته إلى التخلي عن خططه وكلّف رئيس الوزراء بقيادة الاستعدادات لإجراء انتخابات غير مباشرة هذا العام.
وعلى الرغم من إجراء انتخابات مجلس الشعب الصومالي في أول نوفمبر الجاري، بمقديشيو والأقاليم الشمالية، إلا أنها لم تعقد في بقية الولايات مما يعرقل تكوين المجلس الذي سينتخب بدوره رئيس الجمهورية، ويؤدي إلى تعثر المسار السياسي على نحو يفرض تسارع الضغوط الخارجية لإنهاء حالة الفراغ الدستوري بالبلاد. وفي هذا السياق، أصدرت البعثات الدبلوماسية لكل من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي ومنظمة التنمية في شرق أفريقيا “إيجاد”، وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، و10 دول أوروبية، و5 دول أفريقية، وكندا، بياناً في 5 نوفمبر الجاري، للمطالبة بتسريع وتيرة إجراء الانتخابات قبل نهاية عام 2021، مع الحفاظ على حصة النساء التي تبلغ 30%.
4- تنفيذ خطة خارطة الطريق في ليبيا: ترتبط الضغوط الدولية التي تمارس على حكومة عبد الحميد الدبيبة والمليشيات المسلحة في ليبيا بضرورة إجراء الانتخابات في موعدها وإخراج المرتزقة والمجموعات المسلحة الأجنبية من البلاد. وعلى الرغم من مقاومة تركيا بدرجة رئيسية لخروج تلك المجموعات، وكذلك الحال بالنسبة لروسيا، إلا أن هناك توافقاً فرنسياً وإيطالياً وألمانياً مع بعض القوى الإقليمية الرئيسية، مثل مصر، على إخراج تلك المجموعات التي تسهم في عرقلة الانتقال السياسي بليبيا.
5- التحول عن الحالة الاستثنائية في تونس: تهتم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بتسوية الأزمة في تونس، بعد أن علّق الرئيس قيس سعيّد عمل البرلمان. ورغم الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجلاء بودن، إلا أن الاتحاد الأوروبي لايزال يعرب عن قلقه إزاء استمرار تعليق البرلمان، ولذلك يواصل ضغوطه لإعلان خريطة طريق واضحة المعالم لعودة الحياة السياسية إلى طبيعتها. كما خصص البرلمان الأوروبي جلسة خاصة، في 19 أكتوبر الفائت، لمناقشة مشروع قرار حول الوضع السياسي الراهن في تونس، ويدور مشروع القرار حول تطورات الأزمة السياسية الراهنة في تونس، حيث دعا البرلمان الأوروبي الرئيس سعيّد لإعادة البرلمان لعمله الطبيعي وضمان سيادة القانون، وضرورة احترام الحريات والحقوق لأفراد المجتمع التونسي.
توافق غائب
خلاصة القول، إن هناك تصعيداً في الضغوط الدولية على دول الإقليم عبر الإسراع بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية النزيهة والحرة والشفافة، والوصول إلى تفاهمات بين المكون العسكري والمكون المدني كمدخل لتقاسم السلطة، وحل القضايا الخلافية بين الرئيس ورئيس الوزراء والقوى المهيمنة على المجلس النيابي، ووقف إطلاق النار بين الجيش النظامي وأحد الأقاليم المتمردة، وتبني سياسات مشروطة بين تقديم مساعدات مالية وإحراز تقدم سياسي في هذه الدولة أو تلك، وهو اتجاه من المتوقع استمراره في ظل غياب نهج التوافق السياسي بين الأطراف الذي يتعذر توافره في الإقليم.