إجراءات بديلة:
كيف تسعى تونس إلى تجاوز الأزمة الاقتصادية؟

إجراءات بديلة:

كيف تسعى تونس إلى تجاوز الأزمة الاقتصادية؟



تتصاعد حدة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها تونس خلال المرحلة الراهنة، في ظل الظروف الناتجة عن استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية التي دخلت شهرها السابع، وقبلها انتشار فيروس “كوفيد-19″، وما فرضه من تداعيات سلبية عديدة خاصة فيما يتعلق بالقطاعات الحيوية التي يعتمد عليها الاقتصاد التونسي، وفي مقدمتها قطاع السياحة.

ورغم أن البيانات التي أصدرها المعهد الوطني للإحصاء التونسي، في 15 أغسطس الفائت، كشفت أن الاقتصاد التونسي سجل معدل نمو بلغ 2.8% خلال الربع الثاني من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فإنها أشارت في الوقت نفسه إلى أن العجز التجاري تزايد ووصل إلى 4.36 مليار دولار، في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، من 2.77 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

وفي هذا السياق، تبذل الحكومة جهوداً حثيثة من أجل تقليص حدة الأزمة الاقتصادية الحالية، إلا أن نتائجها النهائية لم تتبلور بعد بشكل كامل، وهو ما دفع الرئيس قيس سعيّد والحكومة إلى البحث عن تدابير جديدة للتعامل معها.

خيارات مختلفة

تتمثل أبرز الآليات التي بدأت تونس في تبنيها للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الحالية فيما يلي:

1- تطوير التشريعات الاقتصادية المطروحة: حرص الرئيس التونسي قيس سعيّد على تطوير المنظومة التشريعية الاقتصادية، وهو ما بدا جلياً في الدعوة التي أطلقها، في 6 سبتمبر الجاري، بشأن بدء العمل بقانون “الصلح الجزائي”، الذي ينص على فتح باب التصالح مع المتورطين في جرائم اقتصادية ومالية، وعلى أن يقوم المتورطون في مثل هذه القضايا بإجراء صلح جزائي، وإعادة الأموال عبر إنشاء مشروعات بالمناطق التونسية الأكثر فقراً.

ويشمل هذا القانون، حسب تقارير عديدة، نحو 460 متورطاً في قضايا فساد ونهب أموال عامة قبل عام 2010. ويشار في هذا السياق إلى أن هذا القانون كان أحد المقترحات التي طرحها الرئيس سعيّد أمام القيادات السياسية في عام 2012، حيث يحاول من خلاله الوصول إلى تسوية مع رجال الأعمال الذين واجهوا اتهامات في قضايا فساد، على أساس أن ذلك يمكن أن يساعد في تقليص احتمالات خروج هذه الأموال من البلاد.

2- التفاوض مع صندوق النقد الدولي: بدأت تونس، منذ مطلع يوليو الماضي، في إجراء مفاوضات رسمية مع صندوق النقد الدولي، من أجل الاتفاق على تفعيل برنامج تمويل- تطمح تونس في أن يصل إلى 4 مليار دولار- مقابل اتخاذ خطوات إجرائية لتنفيذ حزمة من الإصلاحات، تتضمن تخفيض الإنفاق على الخدمات، وترشيد الدعم.

إلا أن الجهود التي تبذلها الحكومة في هذا السياق تواجه تحديات داخلية، حيث قوبلت باعتراض من جانب بعض النقابات والشرائح المجتمعية، على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي وجه انتقادات إلى التدابير الحكومية المقررة، وخاصة ما يتعلق بترشيد الدعم والموقف من الشركات العمومية. ومن أجل احتواء تلك الاعتراضات، توصلت الحكومة إلى اتفاق مع تلك الجهات من أجل إجراء مناقشات حول الإجراءات التي يطالب بها الصندوق بهدف تفعيل برنامج التمويل.

وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة التونسية في سياق التجاوب مع اشتراطات صندوق النقد الدولي، اتجهت إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاستثنائية، في الصدارة منها مراجعة دعم المواد الأساسية التي تثقل كاهل الموازنة العامة، والتي تصل بحسب تصريحات وزيرة المالية سهام البوغديري إلى نحو 1.3 مليار يورو خلال العام الجاري بزيادة نحو 300 مليون يورو عن العام الماضي. وقد قامت بعثة من صندوق النقد الدولي، برئاسة بيورن روتر، بزيارة إلى تونس خلال الفترة من 4 إلى 18 يوليو الماضي، بهدف إجراء مباحثات حول برنامج التمويل الذي يحتمل أن يقدمه الصندوق لدعم الإصلاحات التي تنفذها الحكومة. وقد أشار الوفد إلى أن الحكومة تواصل المضى قدماً في برنامج الإصلاح للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي ودعم النمو الاحتوائي.

3- إجراء تغييرات حكومية محتملة: مع تصاعد حدة الانتقادات التي توجه للحكومة، بسبب السياسة التي تتبناها في التعامل مع تداعيات الأزمة الاقتصادية، بالتوازي مع تدهور الأوضاع المعيشية لقطاع واسع من المواطنين، لم تستبعد اتجاهات عديدة في تونس أن يتم إجراء تعديلات على الحكومة، خاصة في الوزارات الخدمية والاقتصادية. وقد بدا تصاعد حدة الاستياء الداخلي من السياسات الحكومية جلياً في البيان المشترك الذي أصدرته خمسة أحزاب هي العمال والتيار الديمقراطي والجمهوري والقطب والتكتل، في 5 سبتمبر الجاري، وجهت فيه انتقادات حادة إلى الحكومة، واعتبرت أنه “بات من اليقين اليوم في ضوء الكثير من المؤشرات والمعطيات أن البلاد مقدمة على أزمة تنذر بكل المخاطر بما في ذلك اختلال السلم الأهلي”.

4- محاولات استقطاب الاستثمارات الخارجية: تسعى الحكومة التونسية إلى استعادة ثقة المستثمرين الأجانب، وأصحاب رؤوس الأموال التونسيين، باعتبار أن استقطاب الاستثمارات التونسية والأجنبية يمثل إحدى الآليات الأساسية التي يمكن من خلالها مواجهة تداعيات تلك الأزمة. وقد أشارت تقديرات تونسية إلى أن نسبة الاستثمار الأجنبي شهدت نمواً خلال الربع الأول من العام الجاري بنحو 73% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

5- تعزيز الاستفادة من الشراكات الدولية: تبذل تونس جهوداً حثيثة من أجل تعزيز شراكاتها مع القوى الدولية، وتجلى ذلك في استضافة الدورة الثامنة لمؤتمر طوكيو للتنمية في أفريقيا، والمعروف باسم “تيكاد 8″، في 27 و28 أغسطس الفائت، والذي شارك فيه رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية من 50 دولة أفريقية، حيث نجحت تونس في الوصول إلى اتفاق مع اليابان للحصول على تمويل بقيمة 100 مليون دولار، وذلك في إطار مشروع الاستجابة الطارئة للحماية الاجتماعية من جائحة كورونا في تونس. وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن التمويلات التي عرضت فى هذا المؤتمر وصلت إلى 2.7 مليار دولار، في بعض المجالات الرئيسية، في مقدمتها الصحة وصناعة السيارات والطاقات المتجددة، وذلك لدعم تنفيذ المشاريع التى تتوفر لها شروط النجاح أكثر من غيرها من بين الـ82 مشروعاً التي عرضت خلال المؤتمر.

جهود حثيثة

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة التونسية من أجل مواجهة التداعيات التي تفرضها الأزمة الاقتصادية، قد تُسهم في تقليص حدة تلك التداعيات، خاصة مع اتجاه الرئيس التونسي قيس سعيّد نحو اتخاذ إجراءات جديدة لمواجهة الفساد داخل المؤسسات المختلفة في الدولة، بالتوازي مع تركيز الحكومة على استحداث بنية تشريعية مغايرة في قطاع الاقتصاد يمكن أن تساعد في استقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية خلال المرحلة القادمة.