ضغوط الداخل:
كيف تسعى بريطانيا لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط؟

ضغوط الداخل:

كيف تسعى بريطانيا لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط؟



تسعى بريطانيا نحو تعزيز حضورها في منطقة الشرق الأوسط مجدداً، لا سيما في المناطق التي تحظى باهتمام خاص من جانبها. وقد بدا ذلك جلياً في تصريحات العديد من المسئولين البريطانيين، فقد قال وزير الدولة البريطاني للتنمية والشئون الأفريقية أندرو ميتشل لصحيفة “ذا ناشيونال”، في ٣ أكتوبر الجاري، إن نفوذ بريطانيا في الشرق الأوسط “تراجع” بسبب تدهور قوتها الناعمة.

وذكرت أليسيا كيرنز رئيسة لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان البريطاني للصحيفة ذاتها، في ١٩ أغسطس الماضي، أن المملكة المتحدة بحاجة إلى تركيز أكبر على علاقاتها مع دول منطقة الشرق الأوسط بعد ميلها الشديد نحو منطقة الإندو-باسيفيك. وقال وزير التجارة البريطاني السابق ليام فوكس، في الأول من الشهر الجاري، إن منطقة الخليج تشهد “تحولاً جوهرياً” في الأعمال التجارية من خلال البحث عن مشاريع مشتركة، لكن الشركات البريطانية تفشل في الاستفادة من تلك الفرص.

خطوات رئيسية

رغم حالة القلق البريطاني المتزايدة من تراجع النفوذ في المنطقة، فإن حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك اتخذت بعض الخطوات التي تهدف إلى استعادة الدور في المنطقة، يتمثل أبرزها فيما يلي:

1- زيارات ولقاءات متعددة للمسئولين البريطانيين: شهدت الأشهر الماضية عدداً من الزيارات التي قام بها مسئولون بريطانيون للمنطقة لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، ولا سيما المتعلقة بالدور البريطاني لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وقد كان من أبرزها زيارة وزير الخارجية جيمس كليفرلي لكل من قطر والكويت والأردن خلال الفترة من ٢٥ إلى ٢٨ يوليو الماضي. وقد أكد الوزير البريطاني خلال زيارته على شراكات المملكة المتحدة المتنامية مع الدول العربية التي تعود بفوائد متبادلة على الطرفين.

وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، اجتمع وزير الخارجية البريطاني مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، أو ممثلين عنهم، والأمين العام للمجلس جاسم البديوي، في نيويورك، في ١٨ سبتمبر الفائت، لبحث القضايا الإقليمية والعالمية، واستعراض ما تم إحرازه من تقدم في الشراكة الاستراتيجية بين دول المجلس والمملكة المتحدة، وتعزيز التشاور والتنسيق والتعاون بينهما في كافة المجالات، وكذلك مناقشة العديد من قضايا وأزمات المنطقة.

2- شراكات أمنية ودفاعية مع العراق: اهتمت الحكومة البريطانية، بجانب تعزيز علاقاتها السياسية والدبلوماسية بالدول الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، برفع مستوى التعاون العسكري والأمني مع تلك الدول. فخلال زيارة وزير الدولة لشئون الأمن بوزارة الداخلية البريطانية توم توجندهات للعراق، في الفترة من ٢١ إلى ٢٣ أغسطس الماضي، ركزت لقاءاته مع المسئولين العسكريين والأمنيين في بغداد وإقليم كردستان على القضايا الأمنية المشتركة بين العراق وبريطانيا، والتي يأتي في مقدمتها دعم العراق في الحفاظ على النجاحات التي حققها التحالف الدولي لهزيمة تنظيم “داعش”، الذي تشارك فيه بريطانيا، من خلال الإعلان عن استعداد لندن لتزويد القوات الأمنية العراقية بالمعدات والتقنيات الحديثة لدعمها في مكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم “داعش” وتحقيق الاستقرار الأمني للعراق، ومناقشة سبل تعزيز تبادل المعلومات بين البلدين لتقوية التعاون البريطاني-العراقي في مجال مكافحة الإرهاب، وبحث توقيع الدولتين على مذكرة تفاهم بشأن التنسيق في مجال مكافحة الإرهاب.

3- تنفيذ ضربات ضد التنظيمات الإرهابية: لم يقتصر الدور البريطاني على تقديم الدعم للقوات العراقية في مكافحة الإرهاب، ولكن القوات الجوية البريطانية شنت ضربات جوية ضد عناصر تنظيم “داعش” النشطة على الأراضي العراقية. ففي ٢ مايو الماضي، نفذت طائرات “تايفون” التابعة لسلاح الجو الملكي هجوماً على هدفين إرهابيين في شمال شرق العراق، وذلك في إطار التعاون بين القوات البريطانية والحكومة العراقية لمنع تنظيم “داعش” من استعادة نفوذه في البلاد. وقد سبق أن نفذ سلاح الجو الملكي ثلاث ضربات جوية ضد عناصر التنظيم في سوريا والعراق في عام ٢٠٢٢.

4- زيادة المخصصات المالية لدول الأزمات: من المقرر أن ترتفع المساعدات الإنمائية البريطانية خلال عامي ٢٠٢٣ و٢٠٢٤ لأفغانستان، واليمن، وسوريا، والصومال. وفي مؤتمر للمانحين حول الأزمة الإنسانية في اليمن، تعهد وزير شئون أوروبا ليو دوهرتي، في ٢٧ فبراير الماضي، بتقديم مزيد من الدعم لتوفير الرعاية الصحية والتغذية والخدمات للأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد.

وقد كانت بريطانيا رابع أكبر مانح للمساعدات لليمن. وفي ٢٨ يوليو الماضي، أعلنت المملكة المتحدة عن برنامج إنساني جديد قيمته ١٦٠ مليون جنيه إسترليني يهدف إلى تقديم دعم للرعاية الصحية الحيوية للنساء والأطفال اليمنيين المحتاجين للمساعدة. وقد زادت لندن من دعمها المالي للاستجابة لكل من الفيضانات في ليبيا والزلزال في المغرب مؤخراً، وخصصت حزمة تصل قيمتها إلى ١٠ ملايين جنيه إسترليني.

ورغم إعلان وزارة الخارجية وشئون الكومنولث عن زيادة في المخصصات البريطانية التنموية خلال عامي ٢٠٢٣ و٢٠٢٤، بصورة طفيفة، فإنها لم تعد لمستويات ما قبل عام 2020، عندما قررت الحكومة خفض المخصصات مؤقتاً من ٠,٧٪ من إجمالي الدخل القومي إلى ٠.٥٪، وهو ما سيكون له تأثيرات على الأوضاع الإنسانية في عديد من دول الصراعات والأزمات في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما صحة النساء. إذ تشير تقديرات إلى أن خفض التمويل لن يمكن بريطانيا من دعم الخدمات المهمة للنساء والفتيات في أفغانستان، فضلاً عن عدم تلقي نصف مليون سيدة وطفل في اليمن الرعاية الصحية. ولذلك سيسبب خفض المخصصات المالية البريطانية للمساعدات أضراراً بالأنظمة الصحية في اليمن، إذا لم يتمكن مانحون آخرون من توفير تمويل بديل. فضلاً عن أن تعليم الفتيات في إثيوبيا سوف يتضرر، كما أن العنف ضد النساء والفتيات في جنوب السودان والصومال لن يحظى بالاهتمام ورد الفعل الملائمين.

5- اتفاقية تجارة حرة مع دول مجلس التعاون: مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بدأت العمل على إبرام اتفاقيات تجارية مع شركائها حول العالم. ويعد عقد اتفاقية للتجارة الحرة بين بريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي أولوية للحكومة البريطانية، حيث قد تخفض بشكل كبير أو تلغي التعريفات الجمركية على الصادرات البريطانية للمنطقة. ووفقاً لتقديرات عديدة، فإن إجمالي التبادل التجاري بين بريطانيا ودول المجلس ارتفع بنسبة تزيد على 70%، ليصل إلى 64.5 مليار جنيه إسترليني حتى نهاية مارس الماضي على أساس سنوي، مدفوعاً بارتفاع أسعار النفط والطلب على الخدمات بعد أن اتجهت دول المجلس نحو تنويع اقتصاداتها.

توجه مستمر

أعربت شخصيات بريطانية بارزة عن أسفها لانسحاب بريطانيا من منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما بعد إلغاء الحكومة البريطانية في أوائل العام الماضي منصب وزير شئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإلغاء الخدمة العربية لراديو “بي بي سي”، في ٢٧ يناير الماضي، بعد ٨٥ عاماً من البث. ولذلك، يدعو عديد من السياسيين البريطانيين إلى إعادة بناء الحكومة البريطانية العلاقات مع الدول العربية، والاستفادة من التحولات التي تشهدها المنطقة، ولا سيما في المجال التجاري، الذي أضحت لندن في حاجة ماسة له في أعقاب الخروج من الاتحاد الأوروبي.