شراكات ممتدة:
كيف تسعى الصين لتعزيز نفوذها بدول المغرب العربي؟

شراكات ممتدة:

كيف تسعى الصين لتعزيز نفوذها بدول المغرب العربي؟



تبذل الصين جهوداً حثيثة من أجل دعم حضورها في دول المغرب العربي عبر تطوير العلاقات الاقتصادية في إطار مبادرة الحزام والطريق، وتوسيع نطاق الشراكات الاستراتيجية والاستثمارات، وذلك نظراً للموقع الاستراتيجي للدول المغاربية على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي المهمين لبكين، وهو ما ترجمته بعض التحركات الصينية مؤخراً، ومنها توقيع الصين وموريتانيا، في ١٧ مايو الفائت، على مذكرة تفاهم لإيفاد بعثة طبية صينية إلى نواكشوط لمدة سبع سنوات، وإبرام شركة “سينوبك” الصينية، في ٢٨ من الشهر نفسه، اتفاقاً مع شركة “سوناطراك” الجزائرية في مجال البتروكيماويات بقيمة ٤٩٠ مليون دولار.

آليات عديدة

تبنّت الصين في إطار سعيها لتعزيز دورها في دول المغرب العربي، ومنافسة النفوذين الأمريكي والأوروبي بها، الاستراتيجية ذاتها التي اعتمدت عليها في دعم حضورها بمنطقة الشرق الأوسط، وكذلك حول العالم، وتتمثل أبرز آلياتها فيما يلي:

١- توقيع اتفاقيات تعاون استراتيجي: عملت الصين على تعزيز تواجدها في منطقة المغرب العربي على الصعيدين متعدد الأطراف من خلال “منتدى التعاون الصيني العربي”، ومنتدى “التعاون الصيني الإفريقي”، وكذلك الثنائي عبر توقيع شراكتين استراتيجيتين مع الجزائر في عام ٢٠١٤ والمغرب في عام ٢٠١٦. إلا أن الشراكة مع الأولى كانت شاملة، حيث اعتُبرت أول شراكة استراتيجية شاملة تقيمها بكين مع دولة عربية. ولكنها لم تؤسس بعد شراكة رسمية مع كل من تونس وليبيا، في ظل تصاعد حدة الأزمات السياسية والأمنية في الدولتين، إلى جانب موريتانيا التي تواجه خيارات محدودة في هذا الصدد، بسبب علاقاتها الاقتصادية القوية مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. وقد كان هذا التعاون مدخلاً لانضمام بعض دول المغرب العربي لمبادرة الحزام والطريق، على غرار المغرب التي أبرمت اتفاقية مع الصين في 6 يناير الماضي، تقضي بتشجيع بكين الشركات الصينية الكبرى على الاستثمار في المغرب في مختلف القطاعات، بما في ذلك صناعة السيارات والطيران والتكنولوجيا الفائقة والتجارة الإلكترونية وغيرها. كما انضمت الجزائر للمبادرة في عام 2018، وقد أعلنت الدولتان، خلال زيارة وزير الشئون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة لبكين في ٢٠ مارس الماضي، التوافق حول “الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق” والتي سيتم التوقيع عليها في أقرب وقت. ورغم أن تونس انضمت بدورها للمبادرة في عام ٢٠١٨، إلا أن الحكومات المتعاقبة تواجه انتقادات عديدة بأنها “لم تتقدم قيد أنملة” في تنفيذ المبادرة، وفقاً لتصريحات نائب رئيس مجلس الأعمال التونسي-الصيني ضحى ميزوني شطورو، في 2 يناير الماضي.

2- تأسيس مشاريع في مجالات الطاقة: مع تصاعد تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة، على نحو أثر سلبياً على الاقتصاد الصيني الذي يعتمد بصورة رئيسية على الطاقة المستوردة من الخارج، شرعت بكين في إبرام المزيد من الاتفاقيات مع دول المغرب العربي التي تمتلك احتياطيات عالية من الطاقة. فقد وقعت شركة النفط والغاز الجزائرية “سوناطراك”- التي أعلنت في أوائل يناير من العام الجاري عن استثمارات بقيمة ٤٠ مليار دولار بين عامى ٢٠٢٢ و٢٠٢٦ لاستكشاف النفط وإنتاجه وتكريره وكذلك التنقيب عن الغاز واستخراجه- اتفاقاً مع شركة البترول والكيماويات الصينية “سينوبك” بهدف إنتاج مشترك للنفط في موقع بجنوب شرق الجزائر تقدر قيمته بـ٤٩٠ مليون دولار. وتبلغ مدة الاتفاق، وفقاً للرئيس التنفيذي للشركة الجزائرية توفيق حكار، ٢٥ عاماً، ويتوقع أن ينتج إجمالاً ٩٥ مليون برميل من احتياطي النفط الخام. وفي ١٩ مايو الفائت، أعلنت الشركة الجزائرية أنها منحت الصين عقداً بقيمة ٥٢٠ مليون دولار لبناء مصنع ميثيل ثالثي بوتيل الإيثر، وهو مركب كيميائي يضاف إلى وقود السيارات لتحسين أدائه وجودته بدلاً من مركبات الرصاص.

3- تبني “دبلوماسية الديون” مع موريتانيا: تستغل الصين قدراتها المالية في تعزيز نفوذها الاقتصادي بالدول النامية من خلال ما أصبح يُعرف في الأدبيات الغربية بـ”دبلوماسية الديون الصينية”، التي اعتمدت عليها لتوطيد علاقاتها مع موريتانيا. وبهدف الحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع نواكشوط، ألغت بكين، في ٢٥ يناير الماضي، جزءاً من ديونها المستحقة لديها، لتصل قيمتها إلى ٢٢,٣ مليون يورو. ومع إعلان وزير البترول والطاقة الموريتاني عبد السلام ولد محمد صالح، في 4 مارس الماضي، أن البلاد ستبدأ إنتاج أول دفعة من الغاز الطبيعي المسال في نوفمبر أو ديسمبر ٢٠٢٣، يتوقع أن ترفع الصين مستوى العلاقات والشراكات الاقتصادية مع موريتانيا.

4- اتّباع سياسة محايدة في ليبيا: عند الحديث عن القوى الفاعلة في ليبيا، فإنه عادة ما يتم إغفال دور الصين. لكنها رغم عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد عملت على ترسيخ نفوذها كحليف تجاري رئيسي لليبيا، ولا سيما في مجال النفط، وهو المجال الأكثر جاذبية في ليبيا وأحد الأهداف الرئيسية لبكين. ففي أصعب أوقات التوترات العسكرية بين القوى الليبية، كانت شركة “سينوبك” الصينية واحدة من شركات النفط الرئيسية العاملة في ليبيا. وقد تبنّت الصين في أعقاب سقوط نظام الرئيس معمر القذافي سياسة الحياد الحذِر والتنويع الدبلوماسي والاقتصادي على عكس القوى الدولية الأخرى التي انخرطت في الصراع العسكري في البلاد، وهو ما مكّن بكين من تعزيز مصالحها في ليبيا، حالياً ومستقبلاً، بغض النظر عن الفصيل الليبي المهيمن على البلاد، وخاصة مع الدور الذي يمكن أن تمارسه في عملية إعادة إعمار ليبيا وإعادة تطويرها من خلال تقديم الدعم المالي والتقني.

5- رفع مستوى التبادل التجاري مع دول المنطقة: اتسع نطاق العلاقات الثنائية بين الصين ودول المغرب العربي خلال المرحلة الماضية. فعلى سبيل المثال، نمت التجارة الثنائية بين الرباط وبكين في السنوات الخمس الماضية، من ٤ مليارات دولار في عام ٢٠١٦ إلى ٦ مليارات دولار في عام ٢٠٢١. وقد قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في 5 يناير الماضي، إن هناك أكثر من ٨٠ مشروعاً استثمارياً صينياً يجري تطويرها في المغرب، وتشمل مجمعات الموانئ، والمراكز اللوجستية الإقليمية. وقد وصلت التجارة بين الصين ودول المغرب العربي الخمس إلى ما يقرب من ٢٣,٥ مليار دولار في عام ٢٠١٩. وبلغت استثمارات وعقود الصين في منطقة المغرب العربي بين عامى ٢٠٠٥ و٢٠١٩ ما يقرب من ٢٩,٦ مليار دولار.

6- تقديم مساعدات طبية لمواجهة جائحة “كورونا”: لطالما كانت دبلوماسية الصين الصحية جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيتها لتعزيز علاقاتها مع شركائها. وقد استخدمتها لتوسيع نفوذها في دول المغرب العربي خلال العامين الماضيين خلال انتشار جائحة “كوفيد-١٩”، عبر تقديم المساعدات الطبية وكذلك كميات كبيرة من اللقاح الصيني لفيروس “كورونا”. وقد كانت الجزائر أول دولة أفريقية تستقبل خبراء طبيين صينيين لمساعدتها على مواجهة انتشار الفيروس. وقد استمرت المساعدات الطبية الصينية لدول المغرب العربي لمواجهة الجائحة منذ انتشارها وحتى الآن، بجانب التعاون مع بعضها لتصنيع اللقاحات في إطار الشراكة الاستراتيجية معها.

منافسة محتدمة

على مدى السنوات الماضية، عملت الصين على تعزيز حضورها في منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها دول المغرب العربي، والتي كانت هدفاً رئيسياً للدبلوماسية والاستثمارات الصينية، من خلال تقديم نفسها كشريك أكثر موثوقية من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية. وقد أعطت بكين العلاقات التجارية الأولوية على النفوذ السياسي في دول المغرب العربي، وهو توجه يبدو أنه سوف يستمر خلال المرحلة المقبلة.