انخراط متزايد:
كيف تستعد الجزائر للقمة العربية القادمة؟

انخراط متزايد:

كيف تستعد الجزائر للقمة العربية القادمة؟



بدأت الجزائر في الاستعداد للقمة العربية التي تستضيفها في مارس القادم، من خلال تعزيز الانخراط في العديد من الملفات الإقليمية المحورية، على غرار الملف الليبي الذي يتسم بالتعقيد ولا سيما بعد تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر الفائت. كما شهدت الشهور الأخيرة كثافة في التحرك الجزائري تجاه الملف التونسي، وهو ما عكسته زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تونس يومَيْ 15 و16 ديسمبر الفائت، بالتوازي مع التوسع في التحرك بعيداً عن نطاق جوارها المباشر لتطرح مبادرة للمصالحة الفلسطينية، وتشارك في مساعي تعزيز الانفتاح الإقليمي على النظام السوري، وربما الدفع نحو عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

تحركات مكثفة

تراهن الجزائر على أن يكون انعقاد القمة العربية القادمة على أراضيها، في شهر مارس المقبل، بدايةً لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك؛ حيث تطمح في أن تخرج القمة في صورة مغايرة بحيث تدشن لتغيرات هامة، وخاصة على مستوى الملفين الفلسطيني والسوري. وفي هذا الإطار، بدا أن الجزائر تحاول استثمار القمة العربية كمدخل لإضفاء المزيد من الزخم على دورها الإقليمي. ويمكن القول إن ثمة أبعاداً رئيسية للتحركات الجزائرية على المستوى العربي تتمثل في:

1- دعم الاستقرار في الجوار الإقليمي: ويكتسب ذلك أولوية رئيسية في التحركات الجزائرية، نظراً لما تنتجه الصراعات الداخلية في بعض دول المنطقة من انعكاسات سلبية على الأمن والمصالح الجزائرية. وفي هذا الصدد، يُمكن تفسير اهتمام الجزائر بتسوية الأزمة الليبية وحرصها على إنجاز الاستحقاقات السياسية في أقرب وقت ممكن، والاستناد إلى مقاربة تقوم على المصالحة الوطنية الشاملة ومعارضة التدخلات الخارجية في ليبيا. وتجلى هذا النمط أيضاً في التحرك الجزائري في الملف التونسي، والكثافة في الزيارات المتبادلة بين مسئولي الدولتين خلال الشهور الماضية، والتي كان أبرزها زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تونس، يومَيْ 15 و16 ديسمبر الفائت، حيث شهدت الزيارة تأكيد الرئيسين الجزائري والتونسي على ضرورة تعزيز العلاقات الوثيقة بين الدولتين، كما وقّعت الدولتان أثناء الزيارة على 27 اتفاقية تعاون في مجالات متنوعة.

2- الانخراط في ملف المصالحة الفلسطينية: وقد ظهرت مؤشرات هذا التوجه مؤخراً مع الزيارة التي أجراها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الجزائر خلال الفترة من 5 إلى 7 ديسمبر الفائت، وتأكيد الرئيس تبون أثناء لقائه الرئيسَ الفلسطيني على دعم الجزائر لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. علاوة على ذلك، فقد أعلن الرئيس الجزائري إثر هذه الزيارة أن بلاده ستستضيف مؤتمراً جامعاً للفصائل الفلسطينية. وعقب هذه الدعوة بنحو شهر، وبالتحديد يوم 15 يناير الجاري، بدأت وفود الفصائل الفلسطينية تصل تباعاً إلى العاصمة الجزائرية، حيث من المزمع أن يجتمع الفريق الجزائري المُكلَّف بملف المؤتمر الفلسطيني الجامع بقيادات الفصائل في جولة أولى للتعرف على مواقفهم، وذلك تمهيداً لعقد المؤتمر الذي من المقرر أن يكون تحت إشراف الرئيس الجزائري.

3- تعزيز العلاقات مع الأطراف الفاعلة عربياً: وتجلت ملامح هذا التوجه مع الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة إلى مصر يومَيْ 16 و17 يناير الجاري، ولقائه الرئيسَ المصري عبد الفتاح السيسي. وقد تناول اللقاء العلاقات الثنائية بين الدولتين، والمواقف تجاه القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأزمة الليبية. وقبل هذه الزيارة، وخلال شهر يناير الجاري، قام الوزير الجزائري بجولة خليجية شملت كلاً من السعودية والإمارات وقطر، وهي زيارات تعكس محاولة من جانب الجزائر لتطوير علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، وإمكانية صياغة مواقف مشتركة تجاه الملفات الرئيسية التي من المتوقع أن تكون من المحاور الرئيسية في القمة العربية القادمة.

4- تأييد الانفتاح على النظام السوري: عبّرت الجزائر في أكثر من مناسبة عن ضرورة إعادة النظام السوري إلى محيطه العربي. إذ أوضح الرئيس تبون صراحةً أنه يرغب في مشاركة النظام السوري في القمة العربية المقبلة، وذكر خلال حديثه مع وسائل إعلام جزائرية، يوم 26 نوفمبر الماضي، أن “القمة العربية التي ستُعقد في الجزائر يُفترض أن تكون جامعة”، وأن “تكون بمثابة انطلاقة جديدة للعالم العربي”، وأضاف أن “الجزائر لا تكرّس التفرقة بين العرب”. وفي هكذا سياق، ربما تكون الزيارات التي قام بها وزير الخارجية الجزائري في الأيام الماضية محاولة منه لبلورة موقف عربي موحد نحو عودة سوريا للجامعة العربية، وتجاوز الآراء المعارضة لذلك التوجه.

دوافع عديدة

ترتبط التحركات الجزائرية الأخيرة بعدد من الدوافع الرئيسية التي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- استثمار القمة في تعزيز الدور الإقليمي: تحاول الجزائر إعادة التأكيد على دورها في النظام الإقليمي كطرف فاعل، ولذا فهي تراهن على قدرتها على التحرك في عدة ملفات على غرار الملفين الفلسطيني والسوري، لأن نجاحها في تحقيق بعض التقدم في هذه الملفات، كأن تتمكن من التوصل إلى اتفاق جديد بين الفصائل الفلسطينية لإنهاء الانقسام الداخلي، يمكن أن يضفي صورة إيجابية على دورها على مستوى الرأي العام العربي.

2- استباق التهديدات الأمنية المحتملة: يستدعي الخطاب الجزائري الرسمي في السنوات الأخيرة مفهوم التعامل الاستباقي مع التهديدات الإقليمية المحتملة. ووفقاً لهذا الخطاب، تواجه الجزائر تهديدات متصاعدة تتطلب التوسع في دوائر تحركها الإقليمي. فعلى سبيل المثال، ربط الرئيس تبون، في خطابه بمناسبة حلول العام الجديد، بين التهديدات التي تواجهها الجزائر وضرورة التحرك المكثف إقليمياً. إذ أشار إلى أن التحديات والمؤامرات التي تواجهها الجزائر تستدعي التأكيد على أن “سنة 2022 ستكون سنة الإقلاع الاقتصادي في جزائر جديدة، تعتمد على قدراتها الذاتية، ومنفتحة على التعاون مع كل الشركاء، على قاعدة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، وحريصة على الاضطلاع بدورها في استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة”.

3- توسيع نطاق التعاون الاقتصادي: تشكل الأهداف الاقتصادية محوراً هاماً في التحركات الخارجية الجزائرية، ولذلك كان ملف التعاون الاقتصادي من الملفات الرئيسية المطروحة في الزيارات التي قام بها وزير الشئون الخارجية الجزائري إلى مصر ودول مجلس التعاون الخليجي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجزائر تحاول فتح أسواق جديدة في دول المنطقة أمام منتجاتها، واستقطاب استثمارات خارجية يمكن عبرها تجاوز الإشكاليات الاقتصادية التي نجمت عن انتشار فيروس كورونا المستجد.

4- ممارسة ضغوط على المغرب: لا يمكن فصل هذه التحركات الجزائرية عن التوتر المتصاعد مع المغرب، والذي وصل إلى ذروته مع إعلان الجزائر، يوم 24 أغسطس 2021، قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، واتهامها بـ”مواصلة الأعمال العدائية ضد الجزائر”، كما أعلن الرئيس الجزائري في 31 أكتوبر الماضي عدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مروراً بالمغرب. وفي هذا السياق، تسعى الجزائر إلى توظيف انفتاحها الإقليمي على أطراف وملفات عديدة بهدف تصدير المزيد من الضغوط للمغرب.

دور مستمر

في النهاية، يمكن القول إن الجزائر سوف تواصل انخراطها في الملفات العربية الرئيسية، سواء قبل القمة العربية أو بعدها، حيث إنها ستحاول استثمار انعقادها على أراضيها من أجل تعزيز مشاركتها في عملية إعادة صياغة الترتيبات السياسية والأمنية في العديد من دول الأزمات في المنطقة، باعتبار أن ذلك يمثل آلية لمواجهة التهديدات التي يمكن أن يفرضها تصاعد الأزمات في تلك الدول.