تحديات الشراكة:
كيف تدير واشنطن وأنقرة الخلافات الثنائية؟

تحديات الشراكة:

كيف تدير واشنطن وأنقرة الخلافات الثنائية؟



أجرى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في ٧ و٨ مارس الحالي، تضمنت انعقاد الاجتماع السابع للآلية الاستراتيجية التركية-الأمريكية، التي تقرر تشكيلها خلال لقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي، جو بايدن، على هامش قمة قادة مجموعة العشرين في روما في عام ٢٠٢١.

وقد التقى فيدان خلال زيارته بالعديد من المسئولين الأمريكيين، في مقدمتهم وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، وعدد من المشرعين الأمريكيين.

وسبق زيارة وزير الخارجية التركي لواشنطن زيارة لرئيس وكالة الاستخبارات الوطنية التركية، إبراهيم كالين، ولقائه بمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، وزيارة عضوي مجلس الشيوخ، جين شاهين وكريس ميرفي، تركيا ولقائهما بالرئيس أردوغان.

وتكشف الزيارات الأمريكية والتركية المتعددة خلال فترة قصيرة عن مساعٍ أمريكية وتركية لمناقشة القضايا الخلافية التي أدت إلى توتر العلاقات بين الحليفين الاستراتيجيين، في وقت تتزايد فيه حاجة كل منهما للآخر لتحقيق مصالحه.

قضايا متعددة

تناولت لقاءات وزير الخارجية التركي خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، العديد من القضايا الثنائية والإقليمية، إلى جانب مناقشة التحديات الأمنية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتأثيراتها على المصالح والأمن القومي التركي، ومن أبرز تلك القضايا ما يلي:

1- وقف إطلاق النار في قطاع غزة: دعا وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في اجتماع مجموعة العشرين في البرازيل وفي ختام منتدى أنطاليا الدبلوماسي، المجتمع الدولي للاضطلاع بدور أكثر نشاطاً من أجل وقف عاجل لإطلاق النار في غزة، وزيادة المساعدات لسكان القطاع وإنهاء الصراع عبر حل الدولتين.

وقد انتقدت أنقرة بشدة الهجمات التي تشنها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة ودعمت إجراءات محاكمتها بتهمة الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية. وقد سلمت تقريراً حول الانتهاكات الإسرائيلية إلى جنوب أفريقيا لتسليمه إلى محكمة العدل الدولية، ووزعته على حكومات وبرلمانات كثير من الدول في أنحاء العالم.

ولذلك، كان استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة على أجندة لقاء وزير الخارجية التركي ونظيره الأمريكي إلى جانب مستشار الأمن القومي الأمريكي، والتي أكد فيها فيدان على الموقف التركي من ضرورة إعلان وقف إطلاق نار في غزة في أقرب وقت، وزيادة المساعدات الإنسانية لسكان القطاع.

وقد ذكر أشار البيان التركي-الأمريكي المشترك بمناسبة انعقاد الاجتماع السابع للآلية الاستراتيجية التركية-الأمريكية إلى أن أنقرة وواشنطن اتفقتا على أهمية إيجاد طريقة لإنهاء الصراع في غزة، ومعالجة الأزمة الإنسانية على الفور، كما أكدا على التزامهما بحل دائم للدولتين.

2-الدعم الأمريكي للمليشيات الكردية: كان الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا إحدى القضايا التي أثارها وزير الخارجية التركي خلال لقاءاته بالمسئولين الأمريكيين. وقد كانت مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” التي تقودها “وحدات حماية الشعب الكردية” وتضم مقاتلين عرباً، شريكاً رئيسياً للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم “داعش” على مدى العقد الماضي. وفي المقابل، تريد تركيا أن توقف الولايات المتحدة الأمريكية دعمها للمليشيا الكردية، الذي ترى أنه يؤثر على أمنها القومي، حيث تعتبر أنقرة أن “وحدات حماية الشعب الكردية” امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني” الذي تصنفه منظمة إرهابية.

وتشير تركيا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تدعم “وحدات حماية الشعب الكردية” رغم القلق التركي، بالسلاح والدعم اللوجيستي، والتدريبات والمناورات المشتركة في شمال سوريا، ما يشكل، في رؤيتها، تهديداً لأمنها. ولذلك تُصعِّد أنقرة من عملياتها العسكرية ضد مواقع تمركز الوحدات الكردية، وتؤكد أنها لن تتراجع عن خطواتها الرامية إلى إقامة حزام أمني على حدودها الجنوبية بعمق يصل إلى ٤٠ كيلومتراً داخل الأراضي السورية.

وقد ذكر وزير الخارجية التركي أنه ناقش الدعم الأمريكي لـ”وحدات حماية الشعب الكردية” بشكل مستفيض مع نظيره الأمريكي، ومستشار الأمن القومي، ومشرعين بالكونجرس خلال اجتماعات الآلية الاستراتيجية للعلاقات التركية-الأمريكية بواشنطن.

3- جهود مشتركة لمكافحة الإرهاب: أعادت الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا إطلاق مشاورات مكافحة الإرهاب التركية-الأمريكية خلال الآلية الاستراتيجية لتوسيع التعاون ضد الإرهاب ومعالجة الشبكات ذات الصلة المشاركة في الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات، التي تهدد الأمن التركي والأمريكي. وقد أكدت الدولتان على الالتزام المشترك بالهزيمة الدائمة لتنظيم “داعش” في سوريا والعراق، ومناقشة التعاون لمواجهة تهديدات “داعش” و”القاعدة” والتنظيمات الموالية لهما في أفريقيا وآسيا الوسطي.

4- إعادة المحتجزين في سوريا لدولهم الأصلية: كانت قضية المخيمات السورية التي تضم مقاتلي تنظيم “داعش” من أكثر من ٦٠ دولة غير سوريا والعراق، ومعظمهم من الأطفال دون الثانية عشر من العمر، والذين يمثلون أكبر تجمع للمقاتلين الإرهابيين المعتقلين في العالم، على نحو يشكل تهديداً مستمراً للأمن الإقليمي والدولي على حد سواء، على أجندة لقاء وزير الخارجية التركي ونظيره الأمريكي. وقد اتفقا الجانبان على ضرورة إعادة المحتجزين والمنتمين إلى تنظيم “داعش” من شمال شرق سوريا إلى دولهم الأصلية، حيث يمكن إعادة تأهيلهم وإدماجهم في مجتمعاتهم الأصلية، أو تقديمهم إلى العدالة.

5- توسيع نطاق التعاون الدفاعي: ناقش وزيرا الخارجية التركي والأمريكي سبل تعزيز العلاقات الدفاعية بين الحليفين الاستراتيجيين في حلف “الناتو” بعد موافقة الكونجرس الأمريكي على صفقة طائرات “إف-١٦”، وكذلك إزالة القيود المفروضة على صناعة الدفاع التركية بموجب قانون “مكافحة أعداء أمريكا” بعد حصول أنقرة على منظومة الدفاع الصاروخي الروسية “إس-٤٠٠”، والتأكيد على مبدأ عدم معاقبة الحلفاء، والتشديد على أنها مهمة لأمن الحدود الجنوبية لحلف “الناتو”.

وقد أشار البيان التركي-الأمريكي المشترك بمناسبة انعقاد الاجتماع السابع للآلية الاستراتيجية إلى أن وزيرى الخارجية ناقشا فرص تحويل العلاقات الأمنية والدفاعية بينهما للبناء على القدرات والابتكارات الكبيرة لواشنطن وأنقرة لمواجهة التحديات والفرص الاستراتيجية. وفي هذا الصدد، أعلن الوزيران أن الحوار الدفاعي التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا سيجتمع في العام الجاري وسيسعى كلا البلدين إلى الحصول على فرص لتعزيز التعاون الصناعي الدفاعي.

6- رفع مستوى العلاقات الاقتصادية: بحث وزير الخارجية الأمريكي والتركي الخطوات الملموسة لتحسين العلاقات الاقتصادية التي تجاوزت ٣٠ مليار دولار في العامين الماضيين، واستمرار العمل على تحقيق هدف زيادة حجم التجارة إلى ١٠٠ مليار دولار، وناقشا أيضاً الاستمرار القوي للتعاون التركي-الأمريكي في مجال الطاقة، حيث تعد تركيا حالياً أكبر مشتري للغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد ناقش الوزيران أيضاً أهمية توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري والبناء على المحافل الثنائية القائمة-مثل الحوار الرقمي الذي عقد في 4 مارس الجاري في تركيا– لتحقيق هذا الهدف. كما بحثا آليات الاستفادة من فرص التمويل في إطار الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية. وأيد كلا الجانبين حوار الطاقة والمناخ، الذي ستطلقه وتشارك في رئاسته وزارة الطاقة الأمريكية ووزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية، وبمشاركة وزارتي الخارجية التركية والأمريكية. وشجعا الوزيران القطاعين العام والخاص التركي والأمريكي على استكشاف الفرص ووضع مقترحات ملموسة للتعاون في هذا المجال.

تأثير المصالح

على الرغم من التحسن الراهن في العلاقات الأمريكية-التركية بعد موافقة أنقرة على انضمام السويد إلى حلف شمال “الناتو”، وحل قضية طائرات “إف-١٦”، والزيارات المتتالية لكبار المسئولين الأمريكيين والأتراك لبحث القضايا الخلافية بين الشريكين الاستراتيجيين، إلا أنه لا تزال هناك جملة من القضايا التي تبدو في حاجة للمعالجة، على غرار العلاقات الاقتصادية التركية-الروسية التي تقول الولايات المتحدة الأمريكية أنها ساعدت موسكو على التحايل على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، وحصول تركيا على أنظمة “إس-٤٠٠” والعقوبات الأمريكية الناجمة عن ذلك، مما أدى إلى إزالة تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة “إف-٣٥”، إلى جانب القلق التركي العميق إزاء الدعم الأمريكي للمسلحين الأكراد في سوريا، الذين تعتبرهم أنقرة إرهابيين، فضلاً عن ملف فتح الله جولن، الذي تتهمه تركيا بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، والذي ترفض واشنطن تسليمه بسبب غياب أدلة دامغة على تورطه في هذه المحاولة.

بيد أن حاجة الحليفين لبعضهما البعض تفرض عليهما العمل سوياً في القضايا ذات المصالح المشتركة، والبناء على التوافقات بشأنها، ولا سيما أن أنقرة تعد شريكاً استراتيجياً مهماً لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، وفي حلف “الناتو”، حيث تم استخدام القواعد الجوية التركية، ولا سيما قاعدة “إنجرليك” التي تستضيف الرؤوس الحربية النووية الأمريكية، خلال الحرب الباردة، ولشن ضربات جوية ضد تنظيم “داعش في” سوريا، ولنقل الإمدادات للقوات الأمريكية في أفغانستان والعراق.