تحذيرات مسبقة:
كيف تدير دول مجموعة السبع خلافاتها مع إيران؟

تحذيرات مسبقة:

كيف تدير دول مجموعة السبع خلافاتها مع إيران؟



سعت دول مجموعة السبع، التي عقدت اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية في ألمانيا، في الفترة من 12 إلى 14 مايو الجاري، إلى استثمار التصريحات الأخيرة التي أدلى بها المسئولون الأوروبيون وتكشف عن احتمال استئناف المفاوضات النووية في فيينا التي توقفت منذ 11 مارس الماضي، من أجل توجيه رسائل تحذير مسبقة إلى إيران من عواقب إهدار الفرصة الحالية التي قد تكون الأخيرة للوصول إلى اتفاق نووي جديد يُنهي الأزمة الحالية، ويقلص من حدة القلق الذي ينتاب المجتمع الدولي إزاء تصاعد الأنشطة النووية الإيرانية. وتتمثل أبرز تلك الرسائل في تحميل إيران مسئولية فشل المفاوضات، وتسليط الضوء على عواقب التدخلات الإيرانية في الإقليم، والتهديد بفتح الملفات الخلافية العالقة، والتركيز على ملف انتهاكات حقوق الإنسان.

رغم أن الحرب الروسية-الأوكرانية حازت اهتماماً خاصاً من جانب وزراء خارجية دول مجموعة السبع الذين عقدوا اجتماعهم على مدى ثلاثة في مدينة فانغلز بألمانيا، خلال الفترة من 12 إلى 14 مايو الجاري؛ إلا أن ذلك لم يَحُلْ دون التطرق إلى الملفات الأخرى، وعلى رأسها ملف المفاوضات التي تجمدت بين إيران والقوى الدولية منذ 11 مارس الماضي، بسبب الخلافات الإيرانية-الأمريكية حول شطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية. إذ حرص وزراء الخارجية على توجيه رسائل تحذير إلى إيران من مغبة إهدار الفرصة الحالية التي أتاحتها الزيارة التي قام بها المنسق الأوروبي بشأن المفاوضات إنريكي مورا إلى طهران، في 10 مايو الجاري، والتي على إثرها قال مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في 13 مايو الجاري، إن التقدم الذي حدث في تلك المشاورات كان كافياً لإعادة إطلاق المفاوضات من جديد.

رسائل عديدة

يوحي ذلك بأن الدول السبع تسعى إلى توجيه رسائل تحذير مسبقة إلى إيران، من التداعيات السلبية التي سوف تتعرض لها في حالة ما إذا لم تُبدِ تغييراً في موقفها يزيد من احتمالات الوصول إلى صفقة جديدة في فيينا. وتتمثل أبرز تلك الرسائل في:

1- تحميل إيران مسئولية فشل المفاوضات: ربما يمكن القول إن حرص إيران حتى الآن على التجاوب مع الجهود التي تبذل من أجل استئناف المفاوضات لا يعود فقط إلى رغبتها في الوصول إلى صفقة نووية جديدة، وإنما إلى تجنب تحمل المسئولية عن أي فشل محتمل للمفاوضات. إذ ما زالت إيران حريصة على تأكيد أن المشكلة تكمن في الموقف الأمريكي، وأن الاتفاق النووي جاهز للإعلان عنه في حالة ما إذا كانت هناك إرادة لدى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن. إلا أن البيان الذي أصدرته مجموعة السبع، والذي يحث إيران على “انتهاز” الفرصة للوصول إلى اتفاق، و”الامتناع عن المزيد من التصعيد في الأنشطة النووية”؛ يوحي بأن هذه الدول سوف تقوم بتحميل إيران المسئولية عن فشل المفاوضات وعودة أزمة البرنامج النووي الإيراني إلى مربعها الأول من جديد، وهو ما سوف يرتب عواقب قوية ضد إيران على مستويات مختلفة.

2- التركيز على الجوانب السلبية لأدوار الحرس الثوري: أشار بيان المجموعة إلى أن دولها باتت تركز على أن الأدوار التي يقوم بها الحرس الثوري على مستوى المنطقة تفرض تداعيات سلبية عديدة على أمنها واستقرارها، خاصة في دول الأزمات. ويعني ذلك أن هذه الدول تتماهى -إلى حد كبير- مع الاتجاهات المناوئة داخل الولايات المتحدة الأمريكية لشطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، وهو المطلب الذي ما زالت تصر عليه إيران للوصول إلى اتفاق جديد في فيينا بعد 11 شهراً من المفاوضات، إلى جانب مطالب أخرى خاصة بالحصول على ضمانات تفيد بعدم انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أي اتفاق محتمل.

3- التهديد بفتح الملفات الخلافية الأخرى: يشير حرص دول المجموعة على الربط بين تصاعد حدة عدم الاستقرار في المنطقة والتدخلات الإيرانية عبر تقدم الدعم العسكري للعديد من المليشيات والجماعات المسلحة، إلى أن هناك اتجاهاً داخل تلك الدول يرى أن فشل المفاوضات التي تجري في فيينا هو المتغير الذي يمكن أن يؤدي إلى فتح الملفات الخلافية الأخرى العالقة مع إيران. وبمعنى آخر، فإن هذا الاتجاه يرى ضرورة تحذير إيران من أن السياسة التي تتبناها القوى الدولية المنخرطة في مفاوضات معها في الفترة الحالية، والقائمة على التجاوب مع الموقف الإيراني الخاص بـ”الفصل بين الملفات”، في إشارة إلى حصر مفاوضات فيينا في الاتفاق النووي وعدم توسيع نطاقها لتشمل التدخلات الإقليمية وبرنامج الصواريخ الباليستية؛ قد لا تستمر في حالة ما إذا فشلت المفاوضات وتم تحميل إيران المسئولية عن ذلك. وهنا، فإن تلك الدول قد تلجأ إلى تصعيد ضغوطها على إيران في هذه الحالة، وربما يكون ذلك مقدمة لفرض مزيد من العقوبات عليها، والتي سوف تؤثر من دون شك على اقتصادها الذي يعاني من أزمات هيكلية في المرحلة الحالية.

4- التلويح بخيارات عقابية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان: لا يعبر اهتمام القوى الدولية بملف انتهاكات حقوق الإنسان في إيران عن توجه جديد تتبناه تلك القوى؛ إذ إن معظم الاجتماعات التي تعقد فيما بينها غالباً ما تتطرق إلى هذا الملف، إلا أن ذلك لا ينفي أن ما جاء في بيان مجموعة السبع في اجتماعها الأخير اكتسب أهمية وزخماً خاصاً، نظراً لنشوب أزمة دبلوماسية بين إيران وبعض الدول الأوروبية مثل فرنسا والسويد بسبب اعتقال فرنسيين، وإصدار حكم بإعدام سويدي اتُّهم بالتجسس لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي. ففي هذا السياق، طالبت فرنسا السلطات الإيرانية، في 13 مايو الجاري، بالإفراج الفوري عن مواطِنَيْها، معتبرة أن اعتقالهما غير مبرر. في حين ربطت السويد بين حكم الإعدام بحق مواطنها وبين الحكم بالسجن المؤبد الذي أصدرته بحق نائب المدعي العام المساعد في سجن كوهاردشت سابقاً حميد نوري بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان.

ورغم أن إنريكي مورا سعى إلى فتح هذه الملفات خلال زيارته إلى طهران، إلا أنه لم يحقق -على الأرجح- نجاحاً ملحوظاً في هذا السياق، في ظل السياسة المتشددة التي تتبناها السلطات الإيرانية في هذا الصدد. وربما يمكن القول إن تركيز بيان مجموعة السبع على ملف انتهاكات حقوق الإنسان يوحي بأن هذه الدول سوف تضع في اعتبارها الخلاف القائم مع إيران حول هذا الملف عند تحديد اتجاهات سياستها الخارجية إزاء الأخيرة حتى في حالة الوصول إلى اتفاق نووي جديد في فيينا.

ضغوط متتالية

إن ما سبق في مجمله يوحي في النهاية بأن إيران تتعرض لضغوط دولية قوية خلال المرحلة الحالية من أجل إبداء مرونة أكبر قد تهيئ المجال أمام الإعلان عن صفقة جديدة في فيينا، على نحو يوحي بأن فشل المفاوضات سوف يفرض عواقب وخيمة على إيران، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، وإنما أيضاً على المستويين السياسي والاستراتيجي، في ظل تصاعد حدة الخلافات بين إيران والقوى الدولية حول ملفات عديدة لا تبدو ثانوية وتواجه جهود تسويتها عقبات عديدة.