تُشير التحركات التي يقوم بها رموز النخبة الحاكمة في الإمارات إلى دعم القضايا العربية، على نحو ما تعكسه بوضوح تفاعلات الربع الأول من العام الجاري، عبر مؤشرات مختلفة تمثلت في المشاركة في قمة عربية تشاورية بالأردن لتعزيز العمل العربي المشترك في مختلف الأصعدة، ولا سيما التخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية ومواجهة تداعياتها، وخاصة في قطاعي الأمن الغذائي والطاقة، والتشاور مع مصر لتعزيز التضامن العربي في مواجهة التحولات الإقليمية والتغيرات الدولية، ودعم جهود تحقيق الوفاق الوطني السوداني لتجاوز تعقيدات المتاهة الانتقالية بعد ثلاث سنوات من سقوط نظام عمر البشير، والتنسيق مع المغرب عبر الدبلوماسية البرلمانية لخدمة القضايا العربية، وتبني خطوات ضاغطة على جماعة الحوثيين في اليمن الذين صاروا أحد مصادر تهديد الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، وتكريس الدور العربي في الملف السوري بما يعزز قدرة الدولة السورية على مجابهة تحدياتها وسيطرتها على مجمل أراضيها وخروج القوات الأجنبية.
هناك شواهد دالة على ازدياد ملحوظ للسياسة الخارجية الإماراتية بدعم القضايا العربية، في الربع الأول من عام 2022، وهو ما تؤكده القمم التشاورية واللقاءات الثنائية مع بعض المسئولين في العواصم العربية بصورة دورية، فضلاً عن دبلوماسية المجالس البرلمانية وتوظيف الوجود الدولي كعضو غير دائم في مجلس الأمن، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
اجتماع العقبة
1- المشاركة في قمة عربية تشاورية بالأردن: شارك سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في القمة العربية التشاورية التي استضافتها مدينة العقبة الأردنية في 25 مارس الجاري، والتي ضمت العاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ووزير الدولة عضو مجلس الوزراء السعودي الأمير تركي بن محمد بن فهد؛ حيث تناولت المحادثات بين القادة سبل تعزيز العمل العربي المشترك في مختلف الأصعدة، ولا سيما التخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية ومواجهة تداعياتها، وخاصة في قطاعي الأمن الغذائي والطاقة، فضلاً عن توسيع نطاق التعاون الاقتصادي وزيادة التبادل التجاري بين الدول العربية، بما يصب في صالح أمن واستقرار المنطقة العربية. وهنا، يلاحظ توسيع أطر التشاور بين المجلس التنسيقي المصري- الأردني- العراقي، ليضم دولاً محورية مثل الإمارات والسعودية، لتعزيز العمل العربي في مواجهة الأزمات الإقليمية والتحديات الدولية.
ركيزة القاهرة
2- التشاور مع مصر لتعزيز التضامن العربي: تمثل العلاقات المصرية-الإماراتية نموذجاً دالاً على تماسك العلاقات العربية البينية، حيث استعرض الرئيس عبدالفتاح السيسي مع ولى عهد أبوظبي سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال لقائهما في مدينة شرم الشيخ، في 21 مارس الجاري، الأوضاع في المنطقة العربية، وأهمية تعزيز التضامن العربي في مواجهة التحديات المشتركة، ولا سيما في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها الإقليم والعالم، خصوصاً بعد الحرب الروسية- الأوكرانية.
وفي هذا السياق، أكّد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في تصريحاته أن “مصر تعد ركناً أساسياً من أركان الأمن العربي، ودورها محوري ضمن منظومة العمل العربي المشترك”، مشيراً إلى “حرص الإمارات على التشاور المستمر معها حول كل ما يعزز المصالح المشتركة، ويحقق الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة”.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك توافقاً في الرؤى بين الإمارات ومصر فيما يتعلق بالتوصل إلى تسويات سلمية للصراعات المشتعلة في المنطقة العربية، والتصدي للتهديدات الأمنية المشتركة، وخاصة الإرهاب العابر للحدود، وضرورة تشكيل نواة لتعاون إقليمي للتأثير على سياسة إدارة بايدن تجاه الأوضاع في الشرق الأوسط، وتحسين شروط التوصل للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة “5+1″، وكذلك مواجهة آثار الحرب الروسية- الأوكرانية على النفط والقمح وغيرها بما يعزز صالح الأوضاع العربية.
استقرار السودان
3- دعم جهود تحقيق الوفاق الوطني السوداني: تعمل الإمارات على استقرار الأوضاع داخل السودان في مرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير. وفي هذا الإطار، استقبل سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبي، الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني في 11 مارس الجاري، حيث تركزت المباحثات حول كيفية تعزيز التوافق الوطني بالسودان من أجل استقرار الفترة الانتقالية، وصولاً إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة. كما اتفق الجانبان الإماراتي والسوداني على إقامة شراكات اقتصادية استراتيجية ضخمة في مجالات الطرق والموانئ والسكة الحديد، فضلاً عن اتفاق بين القطاع الخاص في البلدين على دعم البنوك الإسلامية بمبالغ مقدرة بما يمكنها من أداء دورها في تنمية الاقتصاد السوداني. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الزيارة هي الثالثة من نوعها للفريق البرهان منذ أبريل 2019، والأولى بعد إجراءات 25 أكتوبر 2021.
شراكة الرباط
4- التنسيق مع المغرب لخدمة القضايا العربية: ويحدث ذلك على مستويات مختلفة، ومنها المستوى البرلماني، إذ أجريت محادثات بين صقر غباش رئيس المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي والنعم ميارة رئيس مجلس المستشارين المغربي، في 15 مارس الجاري بالرباط. وأكد الجانبان في بيان صادر عنهما تمسكهما بالعمل العربي المشترك على أساس من التضامن والتعاون الحقيقي، بما يخدم القضايا العربية، ويتوافق مع احترام السيادة الوطنية للدول، وبما يشكل إطاراً مناسباً لترسيخ دعائم الاستقرار والتنمية في المنطقة العربية، وتطوير أساليبه وآلياته. كما شدد البيان على عمق العلاقات المتينة التي تجمع بين المغرب والإمارات، والتي تستمد قوتها من الروابط الأخوية الوثيقة بين الملك محمد السادس وسمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وبين الشعبين المغربي والإماراتي.
مواجهة الحوثي
5- ممارسة ضغوط متواصلة على جماعة الحوثيين في اليمن: تتخذ الإمارات موقفاً مناوئاً من المليشيات المسلحة التي تعد أكثر الفواعل المعرقلة للأمن والاستقرار في المنطقة العربية، إذ جدد الشيخ شخبوط بن نهيان وزير دولة في الإمارات (في اجتماع رفيع المستوى استضافه الاتحاد السويسري والسويد ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية لدعم الوضع الإنساني لليمن، بمشاركة عدد من ممثلي الجهات المانحة والمنظمات الدولية) في 17 مارس الجاري؛ دعوة بلاده المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات جادة وحاسمة لممارسة ضغوط مجدية على جماعة الحوثي “الإرهابية” التي كانت أحد الأسباب الرئيسية للوضع المتردي في اليمن بعد رفضها أي تسوية سياسية، وكذلك رفض الجلوس مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وعدم قبول حقيقة أن الوسيلة الوحيدة لتحقيق السلام هي من خلال المفاوضات. لذا، كان من الطبيعي إدراج مجلس الأمن جماعة الحوثي كـ”جماعة إرهابية”.
عروبة سوريا
6- تكريس الدور العربي في الملف السوري: استقبلت الإمارات، في 18 مارس الجاري، الرئيس السوري بشار الأسد في زيارة هي الأولى إلى دولة عربية بعد 11 عاماً من القطيعة، وتعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، وقطع معظم دولها العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري. ولعل تلك الزيارة تمثل امتداداً لتطور تدريجي في العلاقات الإماراتية- السورية، حيث أعادت الإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا في نهاية عام 2018 عبر إعادة فتح السفارة بها، وزار وزير الخارجية والتعاون الدولي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان سوريا في نوفمبر 2021.
وفي هذا السياق، قال المستشار السياسي لرئيس الإمارات، د.أنور قرقاش، في تغريدة على موقع “تويتر”، في 19 مارس الجاري: “إن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد تنطلق من توجه الإمارات إلى تكريس الدور العربي في الملف السوري”، و”إن المرحلة تحتاج خطوات شجاعة لترسيخ الاستقرار والازدهار، وضمان مستقبل المنطقة ورفاه شعوبها”، وأضاف: “الإمارات مستمرة في انتهاج سياسة واقعية تجاه خفض التوترات، وتعزيز الدور العربي في مقاربة عملية لإيجاد حلول لأزمات المنطقة”، و”الظروف الإقليمية المعقدة تستوجب تبني نهج عملي ومنطقي لا يقبل تهميش الجهود العربية الساعية لمواجهة التحديات، وتجنب شرور الأزمات والفتن”.
ويعكس التحرك الإماراتي الحالي تجاه سوريا تعزيز التعاون العربي مع الأخيرة، وعدم تكرار ما حدث مع العراق بعد الغزو الأمريكي على نحو سمح بزيادة التوغل الإيراني في الداخل العراقي. وهنا ذكر المكتب الإعلامي لحكومة دبي أن سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبى أكد ضرورة رصد الفرص التي يمكن من خلالها دفع أوجه التعاون المختلفة قدماً، بما يُحقق مصالح الشعبين، مضيفاً أن “سوريا تُعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي، وأن دولة الإمارات حريصة على تعزيز التعاون مع سوريا، بما يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق نحو الاستقرار والتنمية”.
خلاصة القول، إن الإمارات تدعم جهود الاستقرار العربي بأشكال مختلفة، من خلال تعزيز الشراكة الاستراتيجية والاقتصادية مع مصر والسعودية والأردن والعراق، وزيادة مساحات التوافقات المشتركة مع المغرب، وتجاوز تعقيدات المتاهة الانتقالية في السودان، ودمج سوريا في الحاضنة العربية رغم الضغوط الأمريكية والأوروبية التي تحذر من إعادة تأهيل الأسد، وتصحيح الاختلال في العلاقات البينية العربية، واكتشاف مسارات جديدة للتعاون، وخفض منسوب التوترات مع دول الإقليم غير العربية، وتعزيز الأدوار العربية في المقاربات المطروحة لتسوية الأزمات في المنطقة العربية.