وجّهت الولايات المتحدة الأمريكية، في 10 يناير الجاري، تحذيرات إلى إيران من عواقب استهداف رعاياها سواء داخل أراضيها أو في أي مكان في العالم. ورغم أن ذلك جاء كرد فعل على استمرار إيران في التهديد باتخاذ إجراءات عقابية بعد مقتل قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري السابق قاسم سليماني، في 3 يناير 2020، فإنه لا ينفصل بدوره عن تزايد الاهتمام الأمريكي بمخاطر التطور الملحوظ في صناعة الطائرات من دون طيار “الدرونز” التي باتت تعتمد عليها إيران بشكل واضح في استهداف المصالح الأمريكية أو في تقديم الدعم لحلفاءها في المنطقة.
فرغم العقوبات والقيود التي كانت مفروضة على تصدير الأسلحة إلى إيران لسنوات، إلا أنها تمكنت من تطوير وتصنيع ترسانة واسعة من الطائرات من دون طيار الخاصة بها، وتصميم وبناء قطع غيارها حتى لا تعتمد على المُورِّدين الأجانب. وتشير التقديرات الأمريكية إلى أنها طورت أنواعاً من الطائرات قادرة على تهديد أهم الحلفاء والشركاء الاستراتيجيين في الشرق الأوسط، كأداة للتعويض عن ضعف قوتها الجوية التقليدية.
وقد مكّن التطور السريع للطائرات من دون طيار إيران والمليشيات المسلحة الموالية لها من مهاجمة أهداف ذات قيمة عالية بتكلفة منخفضة. وكثيراً ما اتهمت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية طهران بتزويد العديد من المليشيات المسلحة الموالية لها في المنطقة، ولاسيما المليشيات العراقية والحوثيين وحزب الله اللبناني وكذلك نظام بشار الأسد، بطائرات من دون طيار تهدد أمن واستقرار المنطقة.
إجراءات عديدة
مع تصدر الطائرات من دون طيار قائمة التهديدات التي يواجهها الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية العديد من الإجراءات للتعامل مع هذا التحدي، يتمثل أبرزها في:
1- شن هجمات عسكرية مضادة: رغم تبني إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض، الخيار الدبلوماسي للتعامل مع الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، وتقليل الاشتباك في صراعات المنطقة، إلا أنها استخدمت القوة العسكرية لاستهداف المليشيات المسلحة الموالية لإيران رداً على هجماتها بواسطة طائرات من دون طيار على القوات الأمريكية في العراق. إذ نفذت القوات الأمريكية، في ٢٨ يونيو الماضي، غارات جوية ضد مليشيات موالية لإيران بالقرب من الحدود العراقية- السورية، ومخازن لطائرات من دون طيار إيرانية متقدمة الصنع، استخدمتها المليشيات الموالية لإيران ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا.
2- فرض عقوبات على الجهات الداعمة: أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، في ٢٩ أكتوبر الماضي، فرض عقوبات على شركات وأفراد قدموا دعماً مُؤثِّراً لبرنامج الطائرات من دون طيار التابع للحرس الثوري الإيراني، لاستخدامها في استهداف حركة الشحن الدولية والقوات الأمريكية، ومنهم سعيد آغاجاني قائد قيادة الطائرات من دون طيار التابعة للقوة الجوية للحرس الثوري، الذي نفذت تحت قيادته هجمات ضد أهداف تابعة للحلفاء. وشملت العقوبات شركة مقرها إيران عملت مع “فيلق القدس” لتحسين برنامج الطائرات من دون طيار، والعميد بالحرس الثوري عبد الله محرابي لشرائه مُحرِّكات للطائرات من دون طيار لصالح الحرس الثوري.
3- توجيه ضربات استباقية للمفخخات: قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، في ١٦ ديسمبر الفائت، أن القيادة المركزية الأمريكية تبذل جهوداً للتعامل مع تزايد استخدام المليشيات المسلحة الموالية لإيران الطائرات من دون طيار، والتي تشكل تهديداً يمكن أن يكون قاتلاً. وبعد تعرض قاعدة “التنف” العسكرية الأمريكية بسوريا، في ٢١ أكتوبر الماضي، لهجمات من قبل مليشيات موالية لإيران باستخدام طائرات من دون طيار، أعلن الجيش الأمريكي عن إسقاطه “درونز” معادية قرب القاعدة في ٢٤ ديسمبر الفائت. وفي ٧ يناير الجاري، واجهت السفارة الأمريكية في بغداد تهديداً بطائرة من دون طيار مفخخة أسقطتها القوات الأمريكية. ومع حلول الذكرى الثانية لاغتيال قاسم سليماني، أحبطت منظومة الدفاع الجوي الأمريكية، في ٣ يناير الجاري، هجوماً بطائرتين من دون طيار مفخختين استهدفتا مجمعاً في مطار بغداد يضم قوات استشارية من التحالف الدولي ضد “داعش”.
4- تطوير دفاعات لاستهداف الدرونز: تركز الولايات المتحدة الأمريكية جهودها على تطوير أسلحة تعمل بالليزر والموجات الدقيقة لاستهداف أعداد كبيرة من الطائرات من دون طيار، ونشر مجموعة متنوعة من الأنظمة من أجهزة التشويش المحمولة يدوياً وأسلحة الليزر المثبتة على شاحنات. وقد بدأت البحرية الأمريكية في تجربة النماذج الأوَّلية بالليزر لمواجهة الطائرات من دون طيار في عام ٢٠٠٩ على الأرض وبعد ذلك في البحر. وفي 15 ديسمبر الماضي، اختبرت سلاحاً عالي الطاقة على متن سفينة تبحر قبالة ساحل اليمن، وقد قالت إنه حقق أهدافه من دون ذكر تفاصيل. كما تقوم القوات الجوية بتطوير سلاح ميكروويف عالي الطاقة لاستهداف مجموعات من الطائرات من دون طيار والذي نجح بنسبة ٩٠٪، ولا تزال الجهود مستمرة لإنجاحه في استهداف الطائرات من دون طيار بنسبة ١٠٠٪. وتعمل وزارة الدفاع الأمريكية حالياً على إنتاج نظام موحد يمكنه إعطاء إنذار مبكر، وتحديد مصدر الطائرة من دون طيار وتقديم الخيارات للتعامل معها. كما تعمل الشركات العسكرية الأمريكية، مثل شركة “لوكهيد مارتن”، على تطوير أجهزة متقدمة لاستهداف الطائرات من دون طيار.
5- إصدار تشريعات جديدة بالكونجرس: في إطار اتفاق الحزبين الجمهوري والديمقراطي على ضرورة مواجهة الدور الإيراني المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، والدعم العسكري الذي تقدمه طهران للمليشيات المسلحة الموالية لها في عدد من دول المنطقة، قدم رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز والعضو الجمهوري البارز باللجنة جيم ريش، في 17 ديسمبر الفائت، مشروع قانون “إيقاف الطائرات من دون طيار الإيرانية لعام ٢٠٢١” لمنع طهران والمليشيات المتحالفة معها من الحصول على الطائرات من دون طيار عبر تعديل قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة الأمريكية من خلال العقوبات ليشمل أي إجراء من شأنه تعزيز برنامج الطائرات من دون طيار الإيراني.
معضلة الاستهداف
مع ذلك، فإن جهود استهداف تلك النوعية من الأسلحة تواجه عقبة لا تبدو هينة تتمثل في استمرار الفجوة بين التكلفة الزهيدة للطائرات من دون طيار والثمن الباهظ للتصدي لها، حيث تستخدم صواريخ تصل تكلفة الواحد منها إلى حوالي ٣ مليون دولار للتصدي لهجمات طائرات من دون طيار، لا يتعدى ثمنها آلاف الدولارات، وتُحمَّل بمتفجرات، فضلاً عن التقدم المستمر في صناعة هذه الطائرات ومواكبتها للتطور في أنظمة الاستهداف التي تستخدمها الدول، بجانب صعوبات استهدافها إذا كانت مُحمَّلة بمتفجرات، حيث أن القضاء عليها وهى في السماء يمكن أن يُعرِّض الأشخاص والمنشآت على الأرض للخطر.