ملف شائك:
كيف تتعامل واشنطن مع تحديات مخيمي “الهول” و”الروج” للنازحين؟

ملف شائك:

كيف تتعامل واشنطن مع تحديات مخيمي “الهول” و”الروج” للنازحين؟



قام قائد القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) الجنرال مايكل إيريك كوريلا بزيارة مخيمي “الهول” و”الروج” للنازحين في شمال شرق سوريا في ٢١ أغسطس الجاري. وقد هدفت الزيارة، بحسب بيان القيادة، للوقوف على الظروف الإنسانية الحالية، والتحسينات المستمرة في أمن المخيمات، وجهود إعادة النازحين بالمخيمين إلى دولهم، وإعادة تأهيلهم وإدماجهم.

ولم تكن تلك الزيارة هي الأولى من نوعها، حيث سبقتها زيارات متعددة خلال العامين الجاري والفائت، وقد كانت أول زيارة لكوريلا للمخيمات بشمال شرق سوريا في سبتمبر ٢٠٢٢ بعد خمسة أشهر من توليه منصبه، وهناك زيارات متعددة لمسئولين عسكريين ومدنيين لمخيم “الهول” من فترة إلى أخرى. وربما يعود ذلك الاهتمام إلى أن مخيمى “الهول” و”الروج” للنازحين في شمال شرق سوريا يعدان أكبر تجمع لمقاتلين إرهابيين معتقلين في العالم، الأمر الذي يمثل تهديداً مستمراً للأمن الإقليمي والدولي على حد سواء.

خطوات رئيسية

يُعد التعامل مع المخاوف الأمنية والإنسانية في مخيمات النازحين في سوريا، وخاصة مخيم “الهول”، أولوية رئيسية للولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي لهزيمة “داعش”. وتتمثل أبرز الجهود الأمريكية للتعامل معها فيما يلي:

1- تسهيل جهود إعادة سكان المخيمات: تعمل وزارة الخارجية الأمريكية مع وزارة الدفاع (البنتاجون) على تقديم المساعدات اللوجستية للدول التي لها مواطنون بمخيمي “الهول” و”الروج” لإعادتهم، لكونها الأولوية الأولى للولايات المتحدة الأمريكية بعد هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي. فقد قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة “داعش” بالرياض في ٨ يونيو الماضي، أنه “بينما تُولِي واشنطن أولوية للاحتياجات الأمنية والإنسانية الخطيرة في مخيم الهول، وغيره من المخيمات، فإن إعادة النازحين إلى دولهم هي الحل الدائم والوحيد لأن لإبقاء على مسلحي التنظيم من الأجانب في المخيمات يهدد بعودة التنظيم”. وترى واشنطن أن إعادة مسلحي التنظيم الإرهابي إلى دولهم أمر مهم لتقليل أعداد النازحين في المخيمات.

وتحقق الإدارة الأمريكية نجاحاً في هذا الملف، حيث أشار بلينكن خلال كلمته إلى إحراز الولايات المتحدة الأمريكية، بدعم من حلفائها داخل المنطقة وخارجها، تقدماً في إعادة المحتجزين بمخيم “الهول” إلى دولهم الأصلية، حيث فاق عدد المواطنين الأجانب الذين تمت إعادتهم لأوطانهم من مخيمات شمال شرق سوريا العام الماضي عدد العامين السابقين مجتمعين. وقد استعادت ١٤ دولة أكثر من ألفين من مواطنيها حتى يونيو من العام الجاري. وكثيراً ما أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن تقديرها لقيام دول بإعادة مواطنيها المتواجدين في مخيمات النازحين في شمال شرق سوريا.

2- دعم برامج الإدماج المجتمعي: كثيراً ما يكون ملف عودة العراقيين بالمخيمات في شمال شرق سوريا، ولا سيما مخيم “الهول”، على أجندة لقاءات المسئولين العراقيين بنظرائهم الأمريكيين والدوليين، والتي كان آخرها خلال زيارة وفد أمني عراقي للولايات المتحدة الأمريكية في الفترة من ٧ إلى ٨ أغسطس الجاري، وكذلك لقاءات السفيرة الأمريكية لدى العراق ألينا رومانوسكي، والممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، بالقيادات العراقية.

وتقوم وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بتنفيذ برامج لإعادة دمج العراقيين المقيمين في مخيم “الهول” في مجتمعاتهم المحلية. وقد قدّمت الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال بعثة الأمم المتحدة، الدعم للحكومة العراقية لعودة مواطنيها من المخيم. وخلال مشاركتها في اجتماع “رؤية العراق فيما يخص مخيم الهول السوري”، في ١٢ يونيو الماضي، أشارت بلاسخارت إلى أن بعثة الأمم المتحدة بصدد وضع نهج شامل للأمم المتحدة لدعم قيادة الحكومة العراقية وجهودها في عودة مواطنيها من مخيم “الهول”. وقد شددت بلاسخارت على أهمية نقل الأطفال من المخيم قبل أن يتحولوا إلى إرهابيين، مؤكدة على أن الجهود العراقية في هذا الملف لم تكن سهلة.

3- مواجهة النشاط المستمر لـ”داعش”: يركز التنظيم الإرهابي مع استنزاف أعداد أتباعه على تحرير أنصاره من مرافق الاحتجاز والسجون في شمال شرق سوريا، لإعادة نشاطه مرة ثانية، وهو الأمر الذي دفع كوريلا للتحذير من “جيش داعش المحتجز” بعد زيارة السجون والمخيمات في شمال شرق سوريا التي تحتجز الإرهابيين المشتبه بهم وأسرهم.

وذكر كوريلا أنه “إذا تم إطلاق سراحهم فإنهم سيشكلون تهديداً كبيراً إقليمياً ودولياً”. ولذلك، تعمل وزارة الدفاع الأمريكية مع شركائها من مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” لتأمين أماكن احتجاز أنصار التنظيم ومواجهة نشاطه ونفوذه في المخيم، من خلال تدريب قوات الأمن لتوفير الأمن في المخيم.

ووفقاً للتقرير الفصلي الأخير عن الفترة من أول أبريل إلى نهاية يونيو ٢٠٢٣ للمفتش العام التابع لوزارة الدفاع الأمريكية حول عملية “العزم الصلب” ضد تنظيم “داعش” الذي صدر في ٣ أغسطس الجاري، تم تدريب ٣٠٠ مجند من عناصر “قوات سوريا الديمقراطية” خلال الأشهر الثلاثة ليصل إجمالي أفراد الأمن في المخيم إلى حوالي ١٣٨٨ فرداً من ضمنهم ١٢٢ سيدة. ومن المخطط تدريب ٣ آلاف فرد في العام القادم (٢٠٢٤).

وخلال الأشهر الثلاثة، نجحت “قوات سوريا الديمقراطية” في تنفيذ اعتقالات ومصادرة أسلحة ومعدات عسكرية في مخيم “الهول”، بجانب القيام بالمزيد من الدوريات حول محيط المخيم لوضع حد لعمليات التهريب داخله. ورغم تلك الجهود، فإنها تواجه تحدياً في تعطيل نشاط التنظيم، بما في ذلك تهريب الأشخاص والأسلحة بالمخيم، وجهود “داعش” للتلقين العقائدي.

4- معالجة الظروف الإنسانية الصعبة: تركز وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بشكل رئيسي على معالجة الظروف الإنسانية في المخيمين. وتمول الحكومة الأمريكية الشركاء الإنسانيين العاملين في “الهول” و”الروج”، والذين يقدمون الخدمات الأساسية لسكان المخيمات، بما في ذلك المساعدات الغذائية الشهرية وخدمات المياه والصرف الصحي والصحة وخدمات التعليم.

إشكاليات عديدة

رغم تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية على أن حل أزمة عناصر تنظيم “داعش” المحتجزين في مخيمي “الهول” و”الروج” بشمال شرق سوريا، هو إعادتهم إلى دولهم الأصلية للمحاكمة، أو إعادة التأهيل والإدماج، فإنه من الناحية اللوجستية هناك جملة من التحديات، حيث إن الغالبية العظمى منهم من العراقيين والسوريين. ورغم جهود العراق لإعادة مواطنيها من المخيمات، فإن الأمر قد يستغرق ست سنوات على الأقل وفق تقديرات أمريكية لإكماله، فضلاً عن أنّ السوريين جميعهم تقريباً من المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، مما يحول دون عودتهم تماماً، ولكن الجهود الأمريكية تنجح في إعادة مواطني دول ثالثة. ناهيك عن مخاوف عديد من الدول لإعادة مواطنيها من المخيمات السورية، بسبب التهديدات الأمنية ورد فعل القوى السياسية المحلية التي تعرقل عمليات الإعادة للوطن.