احتواء الضغوط:
كيف تتعامل روسيا مع تطورات الحرب في غزة؟

احتواء الضغوط:

كيف تتعامل روسيا مع تطورات الحرب في غزة؟



الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوجدانوف، وكذلك نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني، الذي كان يزور موسكو في الوقت ذاته، انتقادات إسرائيلية قوية؛ لكونها تأتي بعد ثلاثة أسابيع من عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حماس في 7 من الشهر الجاري.

فقد وصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية الزيارة بأنها “عمل من أعمال دعم الإرهاب”، ودعت إلى طرد الوفد من موسكو. فيما دافعت روسيا عن الزيارة بالتشديد على لسان المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، على ضرورة مواصلة الاتصالات مع كافة أطراف الأزمة، التي تؤسس معها علاقات قوية.

محددات رئيسية

تبنت روسيا موقفاً مغايراً لمعظم الدول الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية، التي أعلنت تأييدها للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة في أعقاب عملية “طوفان الأقصى”. وقد تمثلت أبرز محددات الموقف الروسي من التصعيد العسكري الحالي في قطاع غزة فيما يلي:

١- استغلال التصعيد لانتقاد المواقف الغربية: في أعقاب هجمات حركة حماس المسلحة في 7 أكتوبر الجاري، وما تبعها من تصعيد عسكري إسرائيلي، ألقى الكرملين باللوم في المقام الأول على الدول الغربية، لإهمالها الصراعات في منطقة الشرق الأوسط لصالح دعم أوكرانيا. ودعا المجتمع الدولي إلى أن يوجه انتباهه إلى أزمة الشرق الأوسط، والتوقف عن التركيز على أوكرانيا.

وفي هذا السياق، كتب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، على حسابه بموقع “إكس” (تويتر سابقاً)، في اليوم نفسه، أنه كان على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الانشغال بالعمل على تسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي المستمر منذ عقود، باعتبارها اللاعب الرئيسي فيه، بدلاً من التدخل في شئون روسيا، وتزويد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية.

واتهمت وزارة الخارجية الروسية الدول الغربية بعرقلة الجهود التي تبذلها “اللجنة الرباعية”، المكونة من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، مما أدى إلى تصعيد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وتوقعت اتجاهات عديدة أن روسيا سوف تستمر في استغلال تداعيات هجمات حركة حماس لشن العديد من العمليات الإعلامية التي تهدف إلى الحد من الدعم والاهتمام الأمريكي والغربي بأوكرانيا.

٢- الدعوة لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار: مع تصاعد حدة العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة في أعقاب عملية “طوفان الأقصى”، قادت روسيا الجهود الدولية لوقف إطلاق النار، حيث قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في ٢٤ أكتوبر الجاري، إن موسكو تدعم “وقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن”، والجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سلمية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وقدّمت روسيا مشروع قرار ثانياً بمجلس الأمن، بعد فشل تمرير مشروع قرار سابق في ١٦ أكتوبر الجاري، يُطالب بهدنة إنسانية تُساعد في إيصال المساعدات الإنسانية من خلال إنشاء ممرات إنسانية للسماح للوكالات الإنسانية، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من المنظمات الإنسانية المحايدة، بالوصول الكامل والسريع والآمن ودون عوائق إلى جميع المناطق المتضررة في القطاع وفقاً للقانون الإنساني الدولي، بهدف توفير السلع والخدمات الأساسية المهمة لحياة السكان المدنيين في قطاع غزة، بما في ذلك المياه والكهرباء والوقود والغذاء، والإمدادات الطبية. وتضمن القرار إدانة كافة أعمال العنف والأعمال العدائية ضد المدنيين، إلا أن مشروع القرار رفض في ٢٥ أكتوبر الجاري.

3- تحميل واشنطن مسئولية الأزمة الحالية: ألقى عديدٌ من المسئولين الروس، وفي مقدمتهم الرئيس فلاديمير بوتين، باللوم على الولايات المتحدة الأمريكية لكون سياساتها في المنطقة كانت الدافع الرئيسي للتصعيد الحالي في الأراضي الفلسطينية. ووصف بوتين الأزمة الحالية بأنها بمثابة فشل للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. وقال في بيان تلفزيوني أمام اجتماع لأعضاء مجلس الأمن الروسي والحكومة ورؤساء وكالات إنفاذ القانون، في ٣١ أكتوبر الجاري، إن “النخب الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدورون في فلكها يقفون وراء قتل الفلسطينيين في قطاع غزة، وخلف الأحداث في أوكرانيا والعراق وسوريا، وإنهم يريدون استمرار الفوضى في منطقة الشرق الأوسط”. وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تبذل قصارى جهدها لتشويه سمعة الدول –ومن ضمنها روسيا- التي تُصر على وقف فوري لإطلاق النار في القطاع، ووقف إراقة الدماء، والتي تقف مستعدة لتقديم مساهمة حقيقية في حل الأزمة.

وانتقد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إرسال الولايات المتحدة الأمريكية حاملتي طائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، والإعلان عن الاستعداد لإرسال آلاف الجنود الأمريكيين إلى المنطقة، حيث اعتبر أن التحركات الأمريكية تلك لا تعمل على تهدئة التوتر العسكري بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مشيراً إلى أن حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يستلزم بذل جهود جماعية.

4- السعى للإفراج عن الأسرى الروس: كانت قضية الأسرى الذي يحملون الجنسيتين الروسية والإسرائيلية على أجندة لقاء نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق مع المسئولين بوزارة الخارجية الروسية خلال زيارته لموسكو، تمهيداً للإفراج عنهم. وقد أوضح أنه تسلّم قائمة تضم أسماء ثمانية أشخاص يحملون الجنسيتين الروسية والإسرائيلية محتجزين في قطاع غزة من وزارة الخارجية الروسية.

وصرّح أبو مرزوق خلال تواجده في موسكو لوكالة “ريا نوفوستي”، في ٢٧ أكتوبر الجاري، بأن حركة حماس تتعامل مع طلب موسكو بشأن الرهائن الروس بـإيجابية واهتمام أكثر من طلبات الدول الأخرى. وقد أرجع ذلك إلى طبيعة العلاقات الخاصة بين موسكو والحركة. وفي الوقت ذاته، أكد على أن الحركة تنظر إلى الرهائن على أنهم مواطنون إسرائيليون في المقام الأول، وليسوا مواطنين لدول أخرى.

موقف متوازن

تبنت روسيا موقفاً متوازناً من التصعيد الإسرائيلي ضد قطاع غزة في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس، إذ أدانت هجمات الحركة على إسرائيل، وانتقدت القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، وذلك لعلاقاتها مع طرفي الصراع، حيث تؤسس موسكو علاقات قوية مع تل أبيب، ولديهما خطوط اتصال مفتوحة، ودرجة من التنسيق العملي في سوريا، بجانب التعاون في مجالات أخرى متعددة، وإن كانت العلاقات تشهد بعض التوترات في أعقاب الموقف الإسرائيلي من العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا منذ ٢٤ فبراير ٢٠٢٢. وتُحافظ موسكو أيضاً على علاقات مع حركة حماس، حيث استقبلت العديد من وفودها الرسمية، ولا تعتبر موسكو الحركة “منظمة إرهابية” مثل عديد من الدول الغربية، فضلاً عن الحفاظ على علاقات مع القوى الفلسطينية الأخرى في وقت تسعى فيه إلى ممارسة دور في تسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

وعلى الرغم من أن الدور الروسي محدود في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ولا تمتلك موسكو من القدرات للضغط على طرفي الصراع لوقف العمليات العسكرية؛ فإن الموقف الروسي من استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة قد يكون إحدى أدوات الضغط مع دول الجنوب العالمي المعارضة للدعم الأمريكي اللا متناهي لإسرائيل في أعقاب 7 أكتوبر الجاري لوقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي قد يحفز الجهود الدولية لإنهاء الحرب التي تجري حالياً في قطاع غزة.