إجراءات متعددة:
كيف تتحرك واشنطن للحفاظ على حرية الملاحة بمياه الخليج العربي؟

إجراءات متعددة:

كيف تتحرك واشنطن للحفاظ على حرية الملاحة بمياه الخليج العربي؟



تكثف البحرية الأمريكية من دورياتها في مضيق هرمز، الذي يعد أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم، حيث يمر عبره ٤٠٪ من الإنتاج العالمي من النفط، وحوله، بعد تزايد حالات مصادرة إيران سفناً نفطية في مياه الخليج العربي، مثل الاستيلاء على سفينة “Advantage Sweet” في ٢٧ أبريل الفائت رداً على مصادرة الولايات المتحدة نفطاً إيرانياً على متن ناقلة في إطار إنفاذ العقوبات المفروضة على طهران بسبب برنامجها النووي. وقد أظهرت صور لأقمار صناعية احتجاز قوات الحرس الثوري الإيراني ناقلة أخرى بمضيق هرمز في ٣ مايو الجاري.

وفي هذا السياق قال الأدميرال براد كوبر، الذي يشرف على الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، في ١٩ مايو الجاري، إن إيران استولت على/ أو هاجمت ١٥ سفينة، خلال العامين الماضيين، منها ثماني حالات مصادرة لسفن تجارية وسبع هجمات على أخرى.

خطوات رئيسية

أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، في ١٢ مايو الجاري، أن الإدارة الأمريكية لن تسمح لقوى أجنبية أو إقليمية بتهديد حرية الملاحة عبر الممرات المائية في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها مضيق هرمز. وبالفعل اتخذت الولايات المتحدة مؤخراً العديد من الإجراءات للحفاظ على حرية الملاحة في المضيق، ومواجهة تزايد مصادرة إيران للسفن التجارية أو استهدافها من قبل قوات الحرس الثوري الإيراني بطائرات بدون طيار، ومن أبرز تلك الإجراءات ما يلي:

1- تبني استراتيجية “الردع بالكشف”: تبنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن استراتيجية “الردع بالكشف” لمواجهة الدور الإقليمي الإيراني المزعزع للاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط، حيث بدأت بالكشف بصورة علنية عن التواجد العسكري الأمريكي المتزايد في الآونة الأخيرة في مياه الخليج العربي لحماية حرية الملاحة الدولية في مضيق هرمز.

فقد كشف المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بات رايدر، في ١٥ مايو الجاري، عن تعزيز الولايات المتحدة أصولها العسكرية في المضيق، والتي تشمل منصات جوية مأهولة وغير مأهولة، بالإضافة إلى سفن بحرية سطحية من البحرية الأمريكية وخفر السواحل، للمساعدة في تعزيز المراقبة البحرية للولايات المتحدة في مياه الخليج العربي.

وعلى غير العادة، أعلنت البحرية الأمريكية، في ٨ أبريل الفائت، أن غواصة “USS Florida”، التي تعمل بالطاقة النووية والقادرة على حمل ١٥٤ صاروخ كروز من طراز “توماهوك”، وصلت إلى منطقة الشرق الأوسط لدعم الأسطول الأمريكي الخامس المتمركز في البحرين، وللمساعدة في ضمان الأمن والاستقرار البحري الإقليمي، والحفاظ على استقرار مضيق هرمز.

2- التعاون مع الحلفاء الإقليميين والدوليين: بينما تعيد الولايات المتحدة انتشار قواتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط لمواجهة نفوذ الصين وردع سياستها العدوانية في منطقة الإندو-باسيفيك، التي أضحت الأولوية الرئيسية للسياسة الأمريكية في الوقت الراهن؛ اعتمدت واشنطن على حلفائها الأوروبيين لنشر أصول بحرية في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، والقيام بدوريات مشتركة في مياه الخليج العربي لردع السلوك الإيراني.

وفي تأكيد لنهج الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين المشترك للحفاظ على حرية الملاحة في مضيق هرمز، وردع تهديدات إيران للناقلات التجارية التي تمر به بعد استيلائها على ناقلتين للنفط مؤخراً، عَبَرَ قادة القوات البحرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية المتمركزون في الشرق الأوسط على متن سفينة حربية أمريكية “USS Paul Hamilton” المضيق في ١٩ مايو الجاري.

وقد نَشَرَ حساب الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية على موقع “تويتر”، في 14 من الشهر الجاري، صوراً لطائرة أمريكية من طراز “P-8 Poseidon” تقوم بدوريات فوق مضيق هرمز بمشاركة عسكريين أمريكيين ومن مختلف حلفاء وشركاء الولايات المتحدة الإقليميين والدوليين في إطار عمل القوات الأمريكية والشريكة على زيادة تناوب السفن والطائرات التي تقوم بدوريات في المضيق بعد مصادرة الولايات المتحدة بعض السفن التجارية الإيرانية تنفيذاً للعقوبات الأمريكية على طهران.

3- زيادة الدوريات الجوية والبحرية: سوف تتجه الولايات المتحدة، على ما يبدو، إلى إعادة تدوير الأصول العسكرية المتواجدة في المنطقة من أجل زيادة الدوريات في مضيق هرمز بدلاً من نشر أصول جديدة. وقد ذكر المتحدث باسم الأسطول الخامس تيم هوكينز، أن الأصول العسكرية الموجودة في الشرق الأوسط بما في ذلك الطائرات والسفن ستستخدم على الفور في زيادة الدوريات لتعزيز الوجود الأمريكي على وجه التحديد في مضيق هرمز وحوله. وأضاف أنه لم يطلب زيادة الأصول العسكرية من سفن وطائرات لزيادة الدوريات.

كما تتعاون الولايات المتحدة مع ١٠ دول أخرى من ضمنها دول عربية وأوروبية لتكثيف الدوريات الجوية والبحرية حول مضيق هرمز، وذلك في إطار التحركات الأمريكية لتعزيز وضعها الدفاعي في مياه الخليج العربي، والالتزام بحماية حقوق الملاحة الدولية في المضيق.

4- نشر أسطول من السفن غير المأهولة: أعلن الأسطول الخامس الأمريكي، في ٩ سبتمبر ٢٠٢١، عن تشكيل أول قوة من نوعها تابعة للبحرية الأمريكية تحمل اسم “Task Force 59” بهدف دمج الأنظمة غير المأهولة والذكاء الاصطناعي بسرعة مع العمليات البحرية للأسطول، لتعزيز الدور الأمريكي في حماية الملاحة بالممرات المائية الحيوية في المنطقة، وردع إيران عن تهديد حرية الملاحة بمضيق هرمز.

وتخطط الولايات المتحدة، وفقاً لتقرير نشرته وكالة “بلومبيرج”، لتشغيل أكثر من ١٠٠ زورق بحري غير مأهول (روبوتات بحرية) بحلول نهاية صيف هذا العام. وقد كشف الأدميرال كوبر أنه تم بالفعل نشر ٥٠ روبوتاً بحرياً في فبراير الماضي، تعمل بتكنولوجيا فعّالة وبتكاليف معقولة، وهو الأمر الذي من شأنه تعميق الشراكات الأمريكية في المنطقة. كما تحاول واشنطن إقناع حلفائها في الشرق الأوسط بإضافة العشرات من تلك الزوارق غير المأهولة إلى قواتها المسلحة للكشف بشكل أفضل عن التهديدات الإيرانية، وحماية الممرات المائية الحيوية للتجارة العالمية وتجارة النفط.

دور مستمر

تُعد حرية الملاحة الدولية في مياه الخليج العربي، ولا سيما في مضيق هرمز، أولوية رئيسية لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ إعلان الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر خلال خطابه عن حالة الاتحاد في ٢٣ يناير ١٩٨٠ أن أي محاولة من القوى الخارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي ستمثل تهديداً للمصالح الأمريكية، مما يستدعي التدخل العسكري من جانب الولايات المتحدة.

ويبدو أن هذا التوجه سوف يتواصل خلال المرحلة القادمة، لا سيما في ضوء تصاعد حدة التوتر مع إيران، نتيجة اتساع نطاق الخلافات بين الطرفين، والتي لم تعد تنحصر في تعثر المفاوضات النووية واستمرار أنشطة التخصيب الإيرانية، وإنما باتت تمتد إلى تعزيز النفوذ في المنطقة عبر دعم الحلفاء في دول الأزمات، وتقديم دعم عسكري لروسيا لمساعدتها في إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا.