ملفات مترابطة:
كيف تؤثر الأزمة الأوكرانية على مفاوضات فيينا النووية؟

ملفات مترابطة:

كيف تؤثر الأزمة الأوكرانية على مفاوضات فيينا النووية؟



تصاعدت حدة الأزمة الأوكرانية، ولا سيما في أعقاب التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا في 24 فبراير الفائت، في وقت حرج جداً بالنسبة لمفاوضات فيينا النووية التي تعقد بين إيران ومجموعة “4+1” بمشاركة أمريكية غير مباشرة. فقد بدا من تصريحات المسئولين المشاركين في المفاوضات أنها على وشك الانتهاء بالإعلان عن صفقة جديدة تنقذ الاتفاق النووي وتشارك بمقتضاها الولايات المتحدة الأمريكية في الاتفاق مقابل عودة إيران إلى تنفيذ التزاماتها فيه.

لكنّ اللافت في هذا السياق، هو أن ثمة تغييراً بدا جلياً في موقف إيران، توازى مع القرار الذي اتخذه الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين بالتدخل عسكرياً في أوكرانيا. فبعد عودة رئيس وفد التفاوض مساعد وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني من طهران إلى فيينا في 27 فبراير الفائت، في اليوم الرابع للأزمة الأوكرانية، عادت إيران مرة أخرى إلى تجاهل فكرة “المدى الزمني” للوصول إلى الاتفاق والذي حددته الدول الغربية بنهاية فبراير الفائت، مؤكدة أنها غير معنية بالمواعيد التي حددتها الدول الغربية للانتهاء من المفاوضات، وأن هناك قضايا رئيسية لا بد من حسمها قبل اتخاذ الخطوة الأخيرة في هذه المفاوضات.

هنا، يمكن القول إن ثمة متغيرات عديدة ساهمت في دفع إيران- التي أعربت عن تفهمها للعمليات العسكرية الروسية مؤكدة أن توسع حلف “الناتو” شرقاً يهدد أمن واستقرار الدولة المستقلة حسب ما جاء على لسان الرئيس إبراهيم رئيسي خلال الاتصال الهاتفي الذي أجرى مع الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين في 24 فبراير الفائت أى اليوم نفسه الذي بدأت فيه تلك العمليات- نحو الحرص على عدم التعجل في الوصول إلى الصفقة، التي وصفتها بأنها “في متناول اليد” في حالة ما إذا اتُّخذ قرار سياسي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالمستوى الذي يمكن أن يصل إليه رفع العقوبات، أو ما يتصل بالضمانات التي تريد إيران الحصول عليها من أجل تجنب سيناريو الانسحاب الأمريكي مجدداً من الاتفاق.

دوافع عديدة

عدم تعجل إيران في الوصول إلى صفقة يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات رئيسية عديدة يتمثل أبرزها في:

1- محاولة تجنب “السيناريو الأوكراني”: يمكن القول إن الموقف الأمريكي الأوَّلي من الأزمة الأوكرانية، والذي تطور لاحقاً، ساهم في تكريس عدم الثقة الإيرانية في السياسة الأمريكية. إذ إن إيران ما زالت ترى أن احتمال انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي ما زال قائماً بقوة، واعتبرت بالتوازي مع ذلك أن السبب الأساسي في تصاعد حدة الأزمة الأوكرانية يكمن في اعتماد كييف على دعم الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا السياق، انخرط المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي في الجدل الواسع الذي تصاعد على الساحة الإيرانية مؤخراً حول الأزمة، حيث اتهم، في أول مارس الجاري، واشنطن بالمسئولية عنها، ودعا إلى “استخلاص العبر منها”، وقال في هذا السياق: “إن الدول التي تعتمد على دعم الولايات المتحدة والدول الغربية بحاجة لأن تعرف أنه لا يمكن الوثوق في هذه الدول”.

هنا، يمكن القول إن إيران بدت أكثر إصراراً، بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، على الحصول على ضمانات بعدم الانسحاب الأمريكي من الاتفاق مجدداً، أو على الأقل البحث في إجراءات فنية وقانونية وسياسية تفرض عقبات أمام تكرار مثل هذا السيناريو مجدداً، خاصة أنه أنتج ضغوطاً اقتصادية لا تبدو هينة على إيران على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة.

2- تفنيد الرواية الغربية بشأن المدى الزمني: ترى طهران أن المواعيد التي تحددها الدول الغربية للوصول إلى اتفاق نووي ليست لها قيمة كبيرة على الأرض، خاصة فيما يتعلق بمحاولات الترويج لاقترابها مما يسمى بـ”العتبة النووية”، حيث تعتبر أن أفضل مقاربة للوصول إلى اتفاق نووي تعود بمقتضاها إلى الالتزام بتعهداتها فيه تتمثل في الاستجابة لمطالبها الخاصة برفع مستوى العقوبات الأمريكية، والحصول على ضمانات بعدم الانسحاب الأمريكي مجدداً من الاتفاق، وأن استمرار أنشطتها النووية لن يفرض، وفقاً لتلك الرؤية، عقبات كثيرة أمام الوصول إلى هذا الهدف، وهو ما ترفضه الدول الغربية التي ترى أن استمرار هذه الأنشطة على هذا المستوى كفيل بإفراغ أي اتفاق نووي من مضمونه.

3- ربط التقدم الميداني الروسي بالحصول على تنازلات: ربما تعوّل إيران على التقدم الميداني الروسي في أوكرانيا، حيث ترى أنه كلما نجحت روسيا في السيطرة على مزيد من المدن الأوكرانية وتحييد “الدعم” الغربي الذي تصاعد بشكل لافت خلال الأيام التالية على بدء العمليات العسكرية، كلما كان ذلك في صالح تعزيز موقعها التفاوضي في فيينا، باعتبار أن تفاقم الخلاف الروسي-الغربي، الذي سيتحقق في هذه الحالة، قد يدفع الدول الغربية إلى محاولة الوصول إلى صفقة مع طهران، حتى لو اقتضى الأمر تقديم تنازلات أكبر للأخيرة من أجل العودة مجدداً إلى التزاماتها في الاتفاق النووي.

4- تقليص الاهتمام الدولي بالأنشطة النووية “العسكرية”: يبدو أن إيران باتت ترى أن تصاعد المخاوف بشأن تعرض المنشآت النووية الأوكرانية لمخاطر بسبب العمليات العسكرية الروسية يمكن أن يقلص من اهتمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والقوى الدولية، بملف الأنشطة النووية الإيرانية المثيرة للقلق، والتي طرحت الوكالة بشأنها أسئلة عديدة لم ترد عليها طهران، على نحو مثل محوراً رئيسياً للخلافات العالقة بين الطرفين. وقد انعكس القلق الدولي من التداعيات “النووية” للعمليات العسكرية الروسية في البيان الذي أصدرته الوكالة، في 2 مارس الجاري، بعد الاجتماع الاستثنائي الذي عقدته في اليوم نفسه، ودعت فيه إلى “تجنب أى عمل عسكري أو أى عمل آخر يمكن أن يهدد سلامة أو أمن محطات الطاقة النووية الأوكرانية”، مشيرة إلى ضرورة أن “يكون موظفو التشغيل قادرين على أداء واجباتهم المتعلقة بالسلامة والأمن ولديهم القدرة على اتخاذ قرارات خالية من ضغوط لا داعي لها”.

وقد حاولت روسيا احتواء التحذيرات الدولية عبر إعلانها، في 2 مارس الجاري، عن سيطرة جيشها على الأراضي المحيطة بمنشأة زاباروجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، وهي أكبر منشأة للطاقة النووية في أوروبا. وهنا، كان لافتاً أن إيران بدأت بعد عودة كني إلى فيينا، في 27 فبراير الفائت، في مطالبة الوكالة بإغلاق ملف الأنشطة النووية الإيرانية المثيرة للقلق، في سياق محاولاتها رفع مستوى العوائد وتوسيع نطاق التنازلات الدولية، والأمريكية تحديداً، التي يمكن أن تحصل عليها في حالة الوصول إلى صفقة جديدة في فيينا.

مخاطرة محتملة

إن ما سبق -في مجمله- يشير إلى أن إيران تعول على أن الوقت قد يكون في صالحها في مفاوضات فيينا، إلا أن ذلك قد يكون مغامرة غير محسوبة. وقد بدا لافتاً أن العمليات العسكرية الروسية باتت تواجه عقبات نتيجة تزايد الدعم الغربي لأوكرانيا، بالتوازي مع تصاعد حدة العقوبات التي تتعرض لها موسكو، والتي قد تؤثر على إدارتها للأزمة. وهنا، فإن ذلك بدوره قد يفرض ضغوطاً على المفاوض الإيراني في فيينا، خاصة وأن الدول الغربية قد تسعى إلى استثمار التقارب الملحوظ فيما بينها، والذي تراجع في الأعوام الأخيرة، سواء بسبب السياسات التي سبق أن تبناها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أو بسبب الانتقادات الأوروبية لطريقة إدارة الرئيس جو بايدن لعملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، من أجل توجيه رسالة مباشرة لإيران مفادها أنه لا يمكن التعويل على “الخلافات” سواء بين الدول الغربية أو بين الأخيرة وروسيا من أجل الحصول على مستوى أعلى من الامتيازات في المفاوضات التي تجري في فيينا.