الوعاء الضاغط
كيف تؤثر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية على الاستقرار في الشرق الأوسط؟

الوعاء الضاغط

كيف تؤثر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية على الاستقرار في الشرق الأوسط؟



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 18 يناير 2023، جلسة استماع بعنوان “كيف تؤثر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية على الاستقرار في الشرق الأوسط؟”. واستضاف المركز فؤاد السعيد، الخبير في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عددٌ من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذة نورا بنداري، والأستاذة نادين المهدي.

منطلقات رئيسية

يرى “السعيد” أن الأزمات التي تشهدها بعض دول الشرق الأوسط، والمنطقة العربية، بفعل تداعيات تفشي جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، التي كان لها تأثيرات مباشرة على عدد من دول الإقليم؛ ليست أزمة اقتصادية معتادة، لكن يمكن أن تتحول إلى أزمة مجتمعية شاملة، خاصة وأن الأزمة الاقتصادية والضغوط المتوقعة في الشهور المقبلة ستؤثر على الطبقات الدنيا والوسطى.

ويشير إلى أن الأزمة الاقتصادية والمجتمعية خلال الشهور المقبلة لا يمكن التنبؤ بها، وقد تتحول لأزمات سياسية في بعض الدول، بما يجعل من مسألة التحوط لتجنب تداعيات الأزمة الاقتصادية إلى سياسية أمراً مهماً.

ويستدرك الخبير في المركز القومي للبحوث الاجتماعية، بأن تحول الأزمة الاقتصادية إلى غضب مجتمعي أو سياسي، سيكون مرهوناً بالوصول إلى مرحلة من العوز الكبيرة، خاصة مع الإشارة إلى وجود كوابح للتعبير عن الغضب المجتمعي تتمثل في الميل إلى الاستقرار، وتحديداً على مستوى بعض القطاعات مثل سكان القرى وأبناء القبائل، وهي بيئات تتزايد فيها معدلات التضامن المادي والنفسي، بخلاف المدن.

ويعتبر أن النخب السياسية المعارضة في بعض دول الإقليم تعاني قدراً من “المراهقة السياسية”، ولا تميل إلى الحوار أو التوصل إلى حلول وسط مع سلطات الدولة، في ظل تأثر تلك النخب بـ”الحالة الثورية اليسارية”.

محفزات عدم الاستقرار

يُحدد “السعيد” بعض العوامل والمحددات التي يمكن أن تؤدي إلى تحول الأزمة الاقتصادية إلى أزمة مجتمعية وسياسية في دول الإقليم التي تواجه ضغوطاً اقتصادية خلال الفترة المقبلة، كالتالي:

1- الانشغال اليومي بمواجهة الأزمة الاقتصادية: يمكن أن يؤديالاهتمام بما هو قصير المدى، إلى الانشغال عن الرصد الدقيق لأي مؤشرات أو إرهاصات قد تؤثر على احتمالات تحول الأزمة الاقتصادية إلى أزمة سياسية كبرى. وقد يستنفد الجانب الاقتصادي والاجتماعي -على أهميته- كل طاقة وتركيز دول الأزمة في المنطقة ومؤسساتها، من خلال الانشغال الحكومي اليومي بمواجهة الأزمة على المدى القصير، ومتابعة حالة الاستقرار الظاهري، وهو ما قد يصاحبه نوع من الإهمال للرصد الدقيق لعمليات تراكم العديد من المؤشرات السياسية بطيئة التشكل نسبياً.

2- خطورة التعامل بمنطق “الاختزال الاقتصادي”: بما يعني تعامل الدول التي تواجه أزمات اقتصادية بشكل مالي نقدي فقط، دون النظر إلى تداعيات الحلول المطروحة لمواجهة الضغوط الاقتصادية، على الشرائح المجتمعية، بما يستدعي تقدير وقع السياسات الاقتصادية في أوقات الأزمات على المجتمع، لعدم تصدير مشكلة كبيرة لقطاعات جماهيرية، قد تؤدي إلى حالة غضب شعبي.

3- حدود القدرة على التنبؤ ورسم السيناريوهات: الدول في أوقات الأزمات الاقتصادية تواجه ضغوطاً وحالة تضخم وركوداً، وتبقى التساؤلات حول تحول المجتمعات من مرحلة السكون إلى التعبير عن الغضب، وعادة ما ينصب السؤال في مثل هذه الأزمات حول: هل يمكن أن يؤدي التضخم أو الركود المصاحب للأزمة إلى ردود أفعال شعبية غاضبة؟ وكيف يمكن تحديد الخط الفاصل بين مرحلة السكون ومرحلة التعبير عن الغضب؟ وما هي الطبقات الاجتماعية الأقرب لهذا التحول؟ وفي أي المناطق المحلية على وجه التحديد؟.

وتشير الخبرة التاريخية في الثورات الملونة في أوروبا والثورة الإيرانية وأحداث ما يُعرف بـ”الربيع العربي”، إلى سمة مشتركة بينها جميعاً، وهي عدم القدرة على التنبؤ بحدوث هذه الهزات، وعدم قدرتها على تخيل أنماطها حال حدوثها، وهو أمر متوقع تماماً في ضوء الصعوبة البالغة في توقع مسارات الظاهرة الاجتماعية البشرية.

4- تقلب المجتمعات وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي: اتسعت دائرة المتابعين لوسائل التواصل الاجتماعي، ولم يعد استخدامها قاصراً على قطاعات شبابية فقط، وإنما أجيال أكبر، وتتمتع بتأثير كبير في ضوء حرية الوصول والنفاذية للمعلومات المنتشرة على وسائل التواصل المختلفة، التي قد يكون لها تأثير في الأزمات.

وبخلاف تأثيرات وسائل الاجتماعي، فإن المجتمعات بالإقليم تتسم بالتقلب الشديد بين فترة وأخرى،فبعد أحداث ما يُعرف بـ”الربيع العربي” في بعض الدول، وصعود تيار “الإسلام السياسي”، بدأ القلق الشديد على الأمن الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما كان سبباً في سقوط “الإخوان” في عدد من دول المنطقة، ولعبت الدولة دوراً رئيسياً في إعادة الأمور لنصابها الطبيعي، وباتت تنظر المجتمعات على أن التظاهرات والاحتجاجات مرادف للفوضى، ولكن قد يتغير هذا المزاج المجتمعي تحت وطأة ضغوط معينة.

5- تحول الطاقات الشبابية من هبة إلى نقمة: يتسم الهرم السكاني في دول الإقليم بزيادة عدد الشباب بنسبة 60% من مواطني هذه الدول، وهو وضع استثنائي لا يتوافر للكثير من الدول، ويصفه علماء الديموجرافيا بالهبة الديموجرافية، إذ إن هذه الكتلة الشبابية في سن العمل، ولكن تنشأ الأزمة حين تتحول الهبة إلى نقمة ديموجرافية عندما تعجز الدولة ونظامها الاقتصادي عن توفير الأعداد الكبيرة من فرص العمل الحقيقية لهذه الكتلة الشابة.

وكانت فئة الشباب محركاً في أحداث ما يُعرف بـ”الربيع العربي”.وفي ظل ما تعانيه بعض دول الإقليم من أزمات اقتصادية، فإن احتمالات تحول الأزمات الاقتصادية الراهنة إلى أزمات سياسية قائمة نظرياً، وقد تكون الطاقة الشبابية فاعلة للتعبير عن الغضب الاجتماعي.

6- تداعيات التفاهمات مع صندوق النقد الدولي: تتجه بعض الدول إلى الحصول على القروض بموجب تفاهمات جديدة مع صندوق النقد الدولي، تتجاوز الشروط المالية والاقتصادية المعتادة، ويمكن ملاحظة أن هذه التفاهمات والشروط بدأت تتغير لتصل إلى مطالبة الدول بتغييرات في هيكل الاقتصاد السياسي ذاته، وتخارج الدولة من بعض الأنشطة الاقتصادية، وهو اتجاه غير مفهوم، ويجعلنا نسأل: لماذا يدخل الصندوق في الاقتصاد السياسي؟.

ولذلك يجب عند النظر في اشتراكات صندوق النقد الدولي النظر إلى عدد من الضوابط الاقتصادية ووضعها في الاعتبار بدول الإقليم، خاصة وأن من شأن هذه الاشتراكات أن تؤدي إلى تغيير في زيادة النفوذ الاقتصادي للقطاع الخاص، وبالتالي زيادة نفوذها ودورها السياسي نسبياً.

احتواء الأزمة

وأخيراً، يرى “السعيد” أنه على الرغم من محاولات بعض الأطراف في دول الإقليم من تيار “الإسلام السياسي” استغلال الأزمات والضغوط الاقتصادية، إلا أن المجتمعات بالمنطقة شهدت نقلة كبيرة في درجات الوعي الاجتماعي والسياسي لمواجهة محاولات توظيف الأزمات الحالية.

ويعتبر أن الأزمة الاقتصادية في بعض الدول هي نتاج تأثير مباشر للأوضاع الاقتصادية العالمية بفعل المتغيرات على الساحة الدولية، وتحديداً عقب الحرب الروسية الأوكرانية. وفي ظل احتمالات تحول الضغوط الاقتصادية إلى اجتماعية وسياسية، والتحوط من تأثيرات ذلك على الاستقرار في الشرق الأوسط، فإن دول الوفرة النفطية قد تتجه إلى معاونة دول الأزمات الاقتصادية خلال الفترة المقبلة، ضماناً للاستقرار المجتمعي والسياسي.