تحديات ضاغطة:
كيف أثّرت قرارات النظام الأردني على تراجع نفوذ جماعة الإخوان؟

تحديات ضاغطة:

كيف أثّرت قرارات النظام الأردني على تراجع نفوذ جماعة الإخوان؟



عملت المملكة الأردنية الهاشمية على مدار السنوات الماضية على اتّباع “استراتيجية الاحتواء” في التعامل مع جماعة الإخوان تحت مظلة ذراعها السياسي “حزب جبهة العمل الإسلامي” منذ تدشينه في أربعينيات القرن الماضي، إلا أن محاولات تلك الجماعة لإحكام سيطرتها على أجهزة صنع القرار بالأردن ساهمت في تغير نهج المملكة إزاءها عبر القيام باتخاذ القرارات التي ساهمت في تقويض العلاقة بين الإخوان والنظام السياسي الحاكم، وتراجع تأثيرهم في المجالس النيابية والبرلمانية، وفقدانهم السيطرة على النقابات المهنية ومراكز تحفيظ القرآن، علاوة على تضييق الخناق على نشر الفكر الإخواني، واتساع حدة الانشقاقات داخل صفوف الجماعة جراء تباين مواقفهم حول مستقبل الجماعة في ظل التطورات الداخلية والخارجية.

تراجع دور إخوان الأردن على الساحة السياسية جراء تبني النظام “سياسة القبضة الناعمة” لمحاولة تفكيك الجماعة وإضعاف تأثيرها في البلاد، ولهذا أصدرت محكمة أردنية في يوليو 2020 قراراً يقضي بحل جماعة الإخوان بشكل نهائي، لعدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية، وهو ما جعلها تفقد شخصيتها القانونية والاعتبارية، الأمر الذي شكل ضربة قاصمة للجماعة ولحلفائها. وفي فبراير 2021، أصدرت لجنة الأحزاب التابعة لوزارة التنمية السياسية، توصية بحل حزب “الشراكة والإنقاذ” القريب من الإخوان ويرأسه المراقب العام السابق للجماعة الشيخ “سالم الفلاحات”. وفي 26 يونيو 2022، أيّدت محكمة أردنية قراراً يقضي بحل مجلس نقابة المعلمين الإخوانية. وفي 17 يوليو 2022، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بالأردن إغلاق 30 مركزاً لتحفيظ القرآن الكريم بشكل جزئي ومؤقت لارتكابهم بعض المخالفات المالية والإدارية، وهذه المراكز تابعة لـ”جمعية المحافظة على القرآن الكريم” التي تقع تحت سيطرة الإخوان.

وبالتزامن مع هذه التطورات، يمكن القول إن العوامل المؤثرة التي اتخذها النظام ساهمت في تراجع نفوذ الإخوان داخل الأراضي الأردنية، كما يلي:

انتكاسة انتخابية

1- تراجع التأثير النيابي في الانتخابات البرلمانية والمحلية: بعد تأييد القضاء الأردني قرار حل الجماعة، أكدت الأخيرة أنها لن تشارك في أية استحقاقات انتخابية مقبلة رداً على هذا القرار، وبعد أن وجدت أن هذا سيزيد من حالة الإخفاق السياسي الذي تعيشه منذ فترة وسيؤدي لإقصائها من المشهد السياسي، قررت الجماعة المنحلة بناء على “مبدأ البراجماتية” الذي تتعامل به، المشاركة في الانتخابات النيابية التي عُقدت في نوفمبر 2020 وهذا من خلال ذراعها السياسي “حزب جبهة العمل الإسلامي”، وتجلى ذلك بشكل واضح فيما قاله “مراد العضايلة” الأمين العام للحزب في مؤتمر صحفي بالعاصمة عمان أكتوبر 2020: “نشارك اليوم لأن الحركة الإسلامية تتعرض لعملية إقصاء ممنهج ثمناً لما تقوم به من دور في الدفاع عن الوطن ومصالحه العليا وعن كرامة الأردنيين”.

ومع ذلك، خسر الإخوان نحو ثلثي مقاعدهم في هذه الانتخابات، حيث حصد التحالف الوطني للإصلاح، الذي يقوده حزب جبهة العمل الإسلامي، ثمانية مقاعد من أصل 130 مقعداً يتألف منها البرلمان، ولذلك لم تستطع الجماعة تشكيل أي تحالفات تكمن في حضورها ضمن أي من اللجان النيابية الخمس عشرة بالبرلمان، على نحو جعلها خارج المعادلة البرلمانية، وهو ما يعني أن الجماعة لن يكون لها أي تأثير نيابي داخل البرلمان الذي كان سابقاً المنفذ الوحيد لها لفرض قراراتها. ولتجنب انتكاسة انتخابية جديدة بعد خسارتهم المدوية في الانتخابات البرلمانية، قاطع الإخوان الانتخابات المحلية التي تم إجراؤها في مارس 2022، خاصة بعد عرقلة الدولة عملية “المعونات المالية” التي تقدمها الجماعة للمواطنين لتحقيق أهداف انتخابية تمكنها من حشد أكبر عدد من الأصوات.

ضربة نقابية

2- فقدان السيطرة على النقابات المهنية: ساهم تعقب القضاء الأردني للمخالفات المالية والإدارية للإخوان، في فقدان الجماعة سيطرتها على عدد من النقابات المهنية، وبعد ما يزيد على ربع قرن تلقت الجماعة خسارة مدوية بفقدان منصب نقيب المهندسين بانتخابات مجلس النقابة بدورتها الـ28 للأعوام 2018-2021، وبعد إدراك الدولة أن قيادات الإخوان حولوا نقابة المعلمين إلى جهة لتنفيذ أجندتهم السياسية وإبعاد النقابة عن عملها المهني؛ أيد القضاء الأردني أواخر يونيو 2022 القرار الخاص بحل مجلس نقابة المعلمين، وجميع هيئاتها، وهو ما يعني أن الجماعة فقدت شعبيتها في الساحة الأردنية من جهة، وتلقت خسارة مالية ستؤثر بشكل كبير على أنشطتها المختلفة داخل البلاد خلال الفترة المقبلة من جهة أخرى، حيث كانت تلك الجماعة تعتمد على النقابات لتوفير احتياجاتها المالية.

وبعد إدراك الجماعة أن الدولة الأردنية لن تسمح مجدداً لهم بتحقيق أية مكاسب سياسية لتمرير مخططاتهم، فإن نقيب المحامين الأردنيين “يحيى أبو عبود” مرشح الإخوان، قال بعد فوزه بالمنصب في مايو 2022: “النقابة ستقف خلف العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في الدفاع عن الحقوق والحريات”، وهذه محاولة منه لإصلاح علاقات الجماعة بالسلطة الحاكمة، خاصة بعد تدهورها خلال السنوات الماضية.

تجفيف المنابع

3- تضييق الخناق على نشر الفكر الإخواني: تمثلت الضربة القاصمة للإخوان في قرار وزارة الأوقاف بإغلاق 30 مركزاً لتحفيظ القرآن الكريم بشكل مؤقت في منتصف يوليو 2022، بعدما كشفت الوزارة عن المخالفات المالية والإدارية التي قامت بها “جمعية المحافظة على القرآن” التابعة للجماعة، بالحصول على أموال من الأطفال دون أي سند قانوني، بجانب إعطائهم مناهج دراسية دون الرجوع لوزارة التربية والتعليم والحصول على تراخيص منها، وهو ما دفع بالجماعة لشن حملة على وزارة الأوقاف واتهامها بمحاربة الدين الإسلامي، رغم أن الوزارة تشرف على 28 جمعية مرخصة يتبع لها ما يزيد على 1000 مركز إسلامي، ولهذا دعت الوزارة المواطنين إلى عدم الالتفاف إلى الحملة الصاخبة التي يشنها الإخوان ضدها على وسائل التواصل الاجتماعي لحصد تعاطف شعبي وتوجيه الرأي العام.

وتجدر الإشارة إلى أن ما يُخيف إخوان الأردن من جراء قرار وزارة الأوقاف أمران، أولهما، فقدانهم للأموال التي كانوا يحصلون عليها من وراء عمل تلك الجمعية التي كانت بمثابة الذراع المالي لهم، إذ يزيد حجم استثماراتها على المليار ونصف المليار دولار، أما الأمر الثاني، أن تلك الجمعية كانت ستاراً للجماعة لتحقيق أهداف سياسية عبر تنشئة أجيال تحمل الراية الإخوانية في المستقبل، وهو ما يؤكد أن تلك الجماعة ليست حريصة على الدين كما تدعي، والدليل على ذلك ما كشف عنه القيادي في الجماعة “ليث الشبيلات” في تسجيل صوتي له في يناير 2022، حين هاجم الجماعة، قائلاً إن “الإخوان ما يهمهم الحرص على التنظيم أكثر من الحرص على الدين”.

تجاذبات سياسية

4- اتساع حدة الخلافات والانشقاقات الداخلية: بعد القرارات القضائية التي قضت بحل جماعة الإخوان وما أعقبها من خسائر جمة، عادت الانشقاقات لتضرب هيكل الجماعة من جديد، وهذا بإعلان نائبتين من صفوف “كتلة الإصلاح الإخوانية” في ديسمبر 2020، انسحابهما من عضوية الكتلة بعد فوزهما بمقعدين عن مدينتي العقبة والكرك جنوب المملكة، الأمر الذي أعاق فرصة الإخوان لتشكيل تحالف ذي تأثير قوي لمواجهة الحكومة.

وما كشف عن حدة الانشقاقات التي عصفت بالجماعة في ظل محاولاتها للتقارب مع النظام، الهجوم الحاد الذي شنه القيادي بالجماعة “ليث الشبيلات” في تسجيل صوتي له (يناير 2021) عن فساد الإخوان، مطالباً الأردنيين بعدم تصديق الإسلاميين، الأمر الذي دفع القيادي الإخواني “أحمد أبو غنيمة” للرد على “الشبيلات” في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، وطالبه بوقف محاولته تصفية حساباته مع النظام على حساب الإخوان.

وفي ظل مساعي الجماعة للانضمام إلى اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي أقرها ملك الأردن في يونيو 2021، والتي تضم الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة؛ أصدر حزب “جبهة العمل الإسلامي” قراراً في مايو 2022 يقضي بتجميد عضوية أمينه العام السابق والقيادي البارز في الجماعة “زكي بني أرشيد” لمدة عامين، بزعم إساءة “بني أرشيد” إلى الخليفة الأموي “معاوية بن أبي سفيان” وتشبيهه بـ”الدواعش”؛ إلا أنّ الحقيقة أن علاقة “بني أرشيد” بالنظام الأردني التي اتسمت بالتوتر كانت دافعاً لإزاحته عن المشهد السياسي، إذ أدرك باقي قيادات الإخوان أن هذه فرصة للتقارب مع النظام حتى لو كان على حساب التضحية بأبرز قياداتها وتقديم تنازلات أملاً في إعادة شرعيتها من جديد، وهو ما فاقم الخلافات داخل صفوف الحزب الإخواني، خاصة بعد اعتراض “بني أرشيد” وتقديمه شكوى ضد الحزب لدى المحكمة.

ملاذ بديل

5- التوجه نحو تركيا كملاذ بديل: ساهمت قرارات الحكومة الأردنية التي سبق ذكرها بتضييق الخناق السياسي والمالي على الإخوان، في توجه عناصر الجماعة نحو تركيا للحصول على تسهيلات لوجيستية لقيادات الجماعة الذين أبرموا اتفاقيات مع “حزب العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، تم بموجبها السماح للإخوان بالاستثمار في مختلف المجالات بالأراضي التركية. ولكن تغير سياسة “أردوغان” الخارجية التي اتجهت لتهدئة التوترات مع بعض دول المنطقة، خاصة الإمارات وإسرائيل، أقلق إخوان الأردن معتبرين محاولات التقارب هذه ستضيق الخناق على أنصارهم في تركيا، وأنها قد تطالب بمغادرتهم فيما بعد، وما يؤكد أن العلاقة بين أنقرة وإخوان الأردن يشوبها التوتر، البيان الذي أصدرته الجماعة والذي بموجبه وجهت انتقادات حادة إلى “أردوغان” خاصة حينما استقبل نظيره الإسرائيلي في مارس 2022.

تراجع النفوذ

6- تآكل الحاضنة الشعبية للإخوان: خسارة إخوان الأردن للانتخابات النيابية ومقاطعتهم للانتخابات المحلية، تكشف عن افتقادهم للحاضنة الشعبية، بعدما كانت في الماضي تعتمد عليها للترويج لأنشطتها الدعائية المختلفة، وهو ما أدى إلى تراجع حضور الجماعة في الشارع الأردني، وانكشاف مخططها الهادف للسيطرة على الحكم بأي طريقة كانت، وتأكد قطاع من الأردنيين أن قيادات الجماعة يولون الاهتمام الأكبر للقضايا الخارجية خاصة في فلسطين وسوريا والعراق وأيضاً مصر بعد خسارة الإخوان للحكم على حساب القضايا الداخلية الأردنية، وكل تلك العوامل مجتمعة تفسر تراجع ثقة الأردنيين في هذه الجماعة، وغياب الغطاء المجتمعي الذي كانت تعتمد عليها الجماعة في الماضي لمواجهة ضغوط النظام الحاكم.

رسالة أردنية

خلاصة القول، إن المملكة الأردنية الهاشمية تحت قيادة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، مارست ضغوطاً لتضييق الخناق على جماعة الإخوان، من أجل إيصال رسالة للقوى أو التيارات السياسية، مفادها أن المملكة لن تسمح لأي حزب سياسي بالتوسع والنمو واكتساب شعبية على حساب تراجع نفوذ أجهزة الدولة، والتأكيد بشكل خاص على أن الإسلاميين لن يكونوا شركاء بشكل رئيسي في نظام الحكم بالأردن، وأن عمليات التضييق عليهم ستكون في تزايد، وسيواجهون مصير جماعة الإخوان في مصر وتونس وغيرها من البلدان التي تراجع فيها نفوذ الإخوان في حال لم يعملوا تحت مظلة القانون.