توازنات قوة:
كيف أثّرت الدرونز الإيرانية في ساحة الحرب الروسية الأوكرانية؟

توازنات قوة:

كيف أثّرت الدرونز الإيرانية في ساحة الحرب الروسية الأوكرانية؟



شاركت الطائرات الدرونز الإيرانية في الحرب الروسية الأوكرانية، بحيث قامت بأدوار متعددة، منها سد الثغرات الدفاعية الروسية، واستهداف البنية الاستراتيجية الأوكرانية، واستهداف البنية المدنية خارج نطاق السيطرة الروسية، وهو ما يتماهى مع دوافع موسكو وهي النظر إلى تلك الطائرات باعتبارها بديلاً منخفض التكلفة، وتفادي المنظومات الدفاعية، واستنزاف القدرات الأوكرانية، وتجاوز التحديات الطبيعية. غير أن فاعلية تلك الطائرات تتوقف على دور أكبر للحرب الإلكترونية من الجانب الأوكراني، ومدى إدماجها في المنظومات الروسية الأخرى، والاستمرار في تعزيز التغطية الدفاعية الرئيسية.

تتباين التقديرات بشأن فاعلية استخدام الطائرات دون طيار في الحرب الروسية الأوكرانية، فمثلما أقدمت تركيا على إمداد أوكرانيا بطائرات بيرقدار، أمدت إيران روسيا بطائرات “شاهد ١٣٦” و”مهاجر ٦”. ولا يمكن اختزال تلك الإمدادات بمدى الفاعلية من عدمها من منظور تكتيكات الحرب في الميدان، لكن على المستوى الاستراتيجي يمكن النظر إلى أبعاد أخرى. فللمرة الأولى تشارك الدرونز الإيرانية في حرب واسعة النطاق، كما أنها تُمنح لجيوش في حين كانت قوات الحرس الثوري الإيرانية تمد بها وكلاءها من المليشيات في الشرق الأوسط، ومن المؤكد أن هذه السياسة من جانب طهران هي محاولة لدعم حليفتها موسكو في الحرب. لكن من جانب آخر أصبحت الأسلحة الإيرانية على خط المواجهة المباشرة مع الأسلحة الغربية ولا سيما الأمريكية، كما أن تلك المشاركة ربما ستدعم تطوير عمليات المحتوى الفني الخاص بإمكانيات هذه الطائرات من الجانب الروسي.

وظائف متعددة

ميدانياً، تشير عملية التقييم الأولية خلال شهر تقريباً من استخدام هذه الطائرات، إلى القيام بوظائف متعددة في الميدان، لكن يعتقد أنها تؤدي دوراً تكتيكياً. ووفقاً لمعهد دراسات الحرب الأمريكي ISW فهي لا تستطيع أن تلعب دوراً فارقاً في تغيير معادلة الحرب، لكن في الوقت ذاته لا يمكن التقليل من تداعيات استخدامها والأضرار التي تنجم عنها مع استخدامها ضد القوات الأوكرانية والبنية العسكرية والمدنية بشكل عام. ويمكن تناول هذه الأدوار في النقاط التالية:

1- سد الثغرات الدفاعية الروسية لإعاقة التقدم في بعض محاور الحركة الأوكرانية باتجاه استعادة بعض المواقع التي كانت تسيطر عليها روسيا في “خيرسون” و”ميكولايف”، فقد هاجمت طائرات “شاهد ١٣٦” الخطوط الأمامية في الحرب، كطائرات انتحارية “كاميكايز”، وأصابت المدرعات الأوكرانية، وتمكنت من إعطاب بعضها، كما استهدفت مخازن للأسلحة والذخيرة. لكن لإحداث فارق ستحتاج القوات الروسية لتشغيل أسطول هائل العدد من تلك الطائرات.

2- استهداف البنية الاستراتيجية الأوكرانية: بحسب التقارير الأوكرانية استُخدمت الدرونز الإيرانية في هجمات على مواقع حساسة في زباروجيا، في محيط المفاعل النووي، وقد تسيطر روسيا على الموقع بعد معركة طويلة نسبياً تعتبر واحدة من أخطر المعارك التي خاضها الطرفان بالنظر لحساسية المفاعل النووي، والتداعيات التي كان يمكن أن تخلفها عملية استهداف خاطئة.

3- استهداف البنية المدنية خارج نطاق السيطرة الروسية: وفق ما أعلنت عنه السلطات الأوكرانية، في ٥ أكتوبر، استهدفت “شاهد ١٣٦” بنايات مدنية في “بيلا تسيركفا” في جنوب العاصمة “كييف”، كما استخدمت في مواقع أخرى في أوديسا الساحلية بالجنوب الغربي.

دوافع موسكو

تشير هذه النقاط إلى دوافع روسيا للجوء إلى استخدام الطائرات دون طيار الروسية في حربها في أوكرانيا، ومنها على سبيل المثال:

1- بديل منخفض التكلفة المالية: حيث عوضت روسيا -إلى حد كبير- عن استخدام الصواريخ الأكثر كلفة، والتي تسعى موسكو إلى الحفاظ عليها في ظل القيود الغربية المفروضة عليها. وفي إطار التعاون الإيراني مع دول قريبة من روسيا مثل كازاخستان لإنتاج تلك الطائرات فسيكون من السهولة بمكان تلبية المتطلبات التي تحتاجها روسيا بالإضافة إلى عملية التطوير، وتعكس هذه النقطة بعداً جوهرياً آخر، وهو أن الصين لم تقدم هذه الأسلحة لروسيا، مثل طائرات wing-long، لكن يعتقد أن الصين لم تمنح روسيا هذه الطائرات خشية تعرضها لحجب بعض المكونات التقنية في الطائرة، حيث تحصل على محركاتها من اليابان على سبيل المثال.

2- تفادي المنظومات الدفاعية: باتت أوكرانيا تمتلك منظومات دفاع غربية يمكنها العمل بكفاءة لاعتراض الصواريخ الروسية، لكن لا ينطبق هذا الوضع على الطائرات دون طيار التي يمكنها تفادي هذه المنظومات مع التحرك على مستويات منخفضة، مع الأخذ في الاعتبار أيضاً أن روسيا استخدمت هذه الطائرات في الوصول إلى بطاريات المنظومات الدفاعية الأوكرانية بدقة، لكن في المقابل فإن أنظمة الحرب الإلكترونية تتمكن من التشويش على بعض تلك الطائرات لحرفها عن مسار الهدف وإسقاطها.

3- استنزاف القدرات الأوكرانية: كوسيلة اعتراض تستخدم أوكرانيا المنظومات الهجومية المحمولة مثل “ستينغر” لاستهداف الطائرات الدرونز الإيرانية، لكن معدل تدفق الدرونز على روسيا يبدو أعلى من معدل تدفق المنظومات الأمريكية إلى الجانب الأوكراني، ولتعويض هذه الفجوة ستحتاج كييف إلى المزيد من الوقت للوصول إلى نقطة التعادل. العامل الآخر، هو أن منظومة “ستينغر” قد لا تكون السلاح المثالي لاعتراض الدرونز معظم الوقت، حيث تستخدم في النهار فقط، لكن أنظمة الرؤية الليلية لا تتمكن من تحديدها.

4- تجاوز التحديات الطبيعية: ولا سيما الطقس مع حلول فصل الشتاء، فوفقاً لتقديرات مراقبي الحرب من الجانب الأوكراني، فإن روسيا قد تواجه تحديات ميدانية كبيرة في فصل الشتاء، لكن حصولها على المزيد من تلك الطائرات قد يساهم في التغلب نسبياً على هذه الظروف، وإن كان لا يزال من المبكر تقييم هذا الواقع، إذ لم تعمل تلك الطائرات من قبل في ظروف مشابهة. صحيح أنها اختُبرت في قواعد في كازاخستان، للتغلب على بعض العوائق الجوية، لكن لا يزال مستوى تحسين هذه القدرات غير معروف.

فاعلية مشروطة

على الجانب الآخر، وبمرور الوقت فإن تقليل فاعلية الهجمات التي تشنها الدرونز الإيرانية سيتوقف على عدة عوامل، منها على سبيل المثال:

1- دور أكبر للحرب الإلكترونية من الجانب الأوكراني: تحتاج الطائرات “شاهد ١٣٦” بشكل رئيسي إلى تفعيل نظام (GPS) لتتغلب عملية التشويش كما سلفت الإشارة على هذا الجانب، لكن للتغلب على هذه النقطة تقوم القوات الروسية بتشغيل أسراب من الطائرات، بالإضافة إلى الاعتماد أكثر على طائرات “مهاجر ٦”، التي تلعب وظيفتي الاستطلاع والهجوم، وفي بعض الأحيان يمكنها توجيه الطائرة “شاهد”. وبالتدريج اكتسبت القوات الأوكرانية خبرات التعامل مع هذه الأوضاع، على الأقل في المرحلة الأولى يمكن تصور أن أوكرانيا تمكنت من اعتراض ثلث الطائرات المهاجمة على الأقل منذ سبتمبر، حيث دخلت تلك الطائرات ساحة الحرب، لكن بمرور الوقت ارتفع مستوى الاعتراض. لكن يؤخذ في الاعتبار أيضاَ أنها تستخدم في ساحات مختلفة وربما غير متوقعة للقيام بوظيفة ما في توازنات القوة على الجانبين، على الأقل تعول موسكو على استنزاف قدرات القوات الأوكرانية على صعيد التحركات والبنية التحتية.

2- استغلال ثغرة العمل كمنظومات مستقلة: فقد تتضاعف خطورة الدرونز في حال إدماجها في المنظومات الروسية الأخرى، وهناك بالفعل بعض النماذج المدمجة، مثل orlan- 10 التي تستخدمها روسيا مع منظوماتها المدرعة في استكشاف المنظومات المضادة، لكن على الأرجح هناك صعوبات في الدمج بالنظر للاختلاف التقني، وتشكل هذه الفجوة في التكامل نقطة ضعف بالنسبة للقوات الروسية سيكون من الصعوبة بمكان التغلب عليها، كما أن أنظمة orlan- 10 بها مكونات أوروبية سيكون من الصعب تعويضها، لذا سيتعين على روسيا باستمرار استخدام الدرونز الإيرانية بهذا الوضع بشكل مستمر.

3- الاستمرار في تعزيز التغطية الدفاعية الرئيسية: لا يمكن القول إن هناك اتجاهاً رئيسياً لتحويل الحرب إلى “حرب درونز”. صحيح أنه لا يمكن تجاهل تداعياتها كتهديد، لكنها تظل سلاحاً تكتيكياً، في حين أن تأثيرات الأسلحة الهجومية ولا سيما الاستراتيجية كالصواريخ أكثر أولوية في إحداث فارق في الحرب.

وسيط “منحاز”

سياسياً، فشلت إيران في التأكيد على أنها طرف محايد في الحرب رغم العلاقات الدفاعية بينها وبين روسيا وفقاً لما أعلنه وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان عند اندلاع الحرب، بل كانت إيران تقدم نفسها كوسيط على غرار الموقف التركي، لكنها لم تتمكن من ذلك، على عكس أنقرة التي تمد أوكرانيا بالطائرات دون طيار، لكن لديها حجة ربما تقدمها أن هناك تعاقدات سابقة مع الجانب الأوكراني منذ عام ٢٠١٩، وكانعكاس لعدم مصداقية الموقف الإيراني قامت كييف بطرد الدبلوماسيين الإيرانيين.

الزاوية الأخرى، أنه من المؤكد أن اصطفافات طهران المقلقة بالنسبة للقوى الغربية ستنعكس على مسار التقارب الخاص بالعودة إلى الاتفاق النووي، وربما ستكسب طهران نقاطاً مع روسيا التي تساندها سياسياً وربما عسكرياً، كما ستكسب أيضاً نقطة تتعلق بتحسين قدرات منظومات “الدرونز” واكتساب خبرات في ساحات صراعات مختلفة لهذه القدرات، لكن في الوقت ذاته لا يمكن تجاهل أن الطرف المقابل يستفيد من اختبار قدرات الردع للحد من فاعلية هذه الأسلحة.