واجهت منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية العديد من التهديدات، فقد نشأت في المنطقة معضلات أمنية عديدة أسهمت في تراجع سلطة الدولة وضعفها، وهو الأمر الذي أفسح المجال أمام تصاعد تهديد التنظيمات الإرهابية، كما أن تراجع الدولة دفع عدداً من الأطراف الإقليمية إلى تبني سياسات توسعية أفضت إلى تعقيد الأوضاع بالمنطقة. وما زاد من تشابكات الأوضاع في المنطقة، التحولات التي شهدتها السياسة الأمريكية وتوجهات الانسحاب الأمريكي من المنطقة، والتي أنتجت حالة من الضبابية والغموض حول مستقبل الشرق الأوسط وديناميات التفاعل بين القوى المؤثرة بالمنطقة.
وفي هذا الصدد، أجرى موقع “الحائط العربي” حواراً مع السيد “كاظم الوائلي”، المستشار السابق للتحالف الدولي لمكافحة داعش والمتخصص في الشئون الأمنية ومكافحة الإرهاب، تطرق خلاله للتحولات التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، وحاول استشراف مستقبل المنطقة في ظل المتغيرات الدولية الراهنة وانعكاساتها على المنطقة. وإليكم نص الحوار:
كيف ترى موقف تنظيم داعش الآن بعد سبع سنوات من نشأة التنظيم؟
داعش انهزمت الآن عسكرياً، ولكن المسألة الأيديولوجية لا تزال موجودة، وهناك من يتبع هذه الأيديولوجيا، وخاصة من الشباب المتحمس للدين، وكذلك الشباب الذي مر بمراحل تجهيل ممنهجة. فعسكرياً، ربما يكون تنظيم داعش قد انتهى كقوة عسكرية، ومن المستحيل إنشاء دولة للتنظيم كما كانت في شرق سوريا وشمال غرب العراق، ووجود داعش حالياً كوجود القاعدة هو وجود هلامي ضعيف، ولكن مع ذلك فإن نمط “الذئاب المنفردة” لا يزال موجوداً، والإرهاب لا يحتاج إلى دولة أو طائرة أو دبابة، فالسترة المفخخة يمكن لأي أي شخص أن يصنعها ويرتديها ويفجر نفسه في أي مكان. إذن هي مسألة أيديولوجية، فتنظيم داعش بدأ في الأفول، ولكن هناك شخصيات منفردة قد تقوم بعمليات إرهابية باسم داعش.
لماذا انتشرت الجماعات الإرهابية في المنطقة خلال المرحلة الماضية؟
كانت هناك ضعضعة أمنية في المنطقة. ففي العراق، على سبيل المثال، كان هناك حنق في المناطق السنية ضد الحكومة، وينظرون إليها كحكومة شيعية لا تهتم بالمناطق السنية، ولذلك استفاد داعش من هذا الحنق، وكذا الضعضعة في الوضع الأمني، لا سيما أن المظاهرات كانت في الأنبار والفلوجة ونينوى وصلاح الدين. أما في سوريا، فقد كان هناك فراغ أمني، لذلك دخل داعش واستقوى وبنى دولته المزعومة.
وظهر ذلك النمط أيضاً في سرت ودرنة بليبيا حينما دخل تنظيم داعش مستغلاً الوضع الأمني المتردي. ولكن في حالة سيناء قضى الجيش المصري سريعاً على داعش، لأن هناك دولة موجودة، وهناك أمن موجود، وهناك جيش موجود. أما في دول الربيع وبعض الدول مثل العراق أو أفغانستان، فإن المشكلة تزايدت لأن هذه الدول كانت لديها حكومات ضعيفة، وهناك مناطق يملكها ويديرها أمراء الحرب، ومن ثم انتشرت الجماعات الإرهابية.
ما هي مصادر تمويل الجماعات الإرهابية؟
بوجه عام اعتمدت الجماعات الإرهابية على مصادر تمويل ذاتي، ولكن بعض شيوخ القبائل والعشائر والمقاولين كانوا يدفعون إتاوات للجماعات الإرهابية بدافع الخوف منهم، كما كان هناك بعض المتعاطفين، وبالذات عندما بدأت أول أيام داعش في سوريا والعراق، حيث كان هناك تعاطف كبير مع الدولة الإسلامية المزعومة التي أعلن عنها داعش، ولكن انقلبت هذه النظرية، وانقلبت العديد من الدول ضد داعش حينما قام التنظيم بحرق الطيار الأردني “معاذ الكساسبة” في سوريا، فقد كان هذا الأمر بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وظهر أن الدواعش لا يمثلون الإسلام السني في حقيقة الأمر، لأن الإسلام السني توجد به خطوط ومدارس كثيرة معتدلة، ولذا ظهر داعش كممثل للتوحش ولا يمثل أي دين.
هل نجح التحالف الدولي في القضاء على داعش؟
بالطبع نجح التحالف الدولي في القضاء على داعش، ويستطيع أن يقضي على أي تنظيم خارج إطار الدولة. المسألة أن التحالف قضى على التنظيم عسكرياً، سواء في سوريا أو العراق، ولكن هل يستطيع التحالف القضاء على الأيديولوجيا؟ هل يستطيع الجندي الأمريكي المسيحي أو البريطاني المسيحي أو الفرنسي أن يقضي على أيديولوجيا معشعشة داخل رأس الشاب العربي أو المسلم الذي يعتقد أن قطع الرؤوس هو ممارسة أو مناسك من مناسك الدين، ويعتبر أن اغتصاب اليزيديات والمسيحيات أو الشيعيات وكذلك ذبح وقتل الشيعة هو لإرضاء الله؟. فالأمريكي أو الروسي لا يستطيع تغيير نظرة هذا الشاب، ولكن كما صارت في مصر في التسعينيات، كانت هناك مناصحة فيما بين الحكومة والجماعة الإسلامية، حيث كان هناك قتال عسكري شرس بين القوات الحكومية والجماعات الإرهابية، ولكن القوات الحكومية قضت عليهم، وفي الوقت نفسه أرادت أن تقضي على الفكر الأيديولوجي والفكر الإرهابي، ولذلك كانت هناك المناصحات. وفي المملكة العربية السعودية أيضاً لا يزال برنامج المناصحة جارياً. وعطفاً على ما سبق، يمكن القول إن التحالف الدولي انتصر على داعش عسكرياً، ولكن المسألة الأيديولوجية لا تزال حتى الآن باقية في فكر الدواعش.
هل هناك علاقة بين الدور الإيراني والتركي في العراق وظهور تنظيم داعش؟
لا أستطيع القول إن هناك مساهمة إيرانية وتركية من الناحية العسكرية أو السياسية في إيجاد تنظيم داعش، ولكن مساهمتهم كانت في ضعضعة الوضع الأمني العراقي والوضع السياسي لصالحهم طبعاً ولصالح شركاتهم وجيوشهم، وبالذات إيران حيث أبلى الحرس الثوري الإيراني “بلاءً شريراً”، وليس بلاءً حسناً، في الوضع الأمني العراقي لأدلجة بعض شباب الشيعة وجعلهم مليشيات تابعة لإيران، وهذا الذي أدى إلى ازدياد الحنق السني ضد الحكومة الشيعية العراقية، وهي لم تكن مسألة طائفية أو مذهبية، ولكن كان أكثرها مسألة سياسية وبدافع سياسي.
أما بالنسبة للدور التركي، فقد رأينا أن القنصل أو السياسي أو الدبلوماسي الوحيد الذي خرج من الموصل في زمن دخول داعش بدون أن يعدم أو يقتل أو يحرق هو القنصل التركي، وكان معززاً مكرماً من قبل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في ذلك الوقت.
وإيران ربما كان لديها بعض الشخصيات المتعاطفة مع الدواعش والقاعدة، وهي شخصيات موجودة داخل إيران، ولذلك هناك علاقة بين الدواعش والإيرانيين من ناحية العداء للولايات المتحدة كما يزعمون، وكذلك من ناحية السيطرة على موارد المنطقة الشمالية الغربية.
هل يمكن أن تلجأ دول غربية إلى التفاوض مع تنظيمات إرهابية، على غرار تفاوض الولايات المتحدة مع طالبان؟
الولايات المتحدة عندما تفاوضت مع طالبان كانت تنظر إليها كمنظمة إرهابية، أما حالياً فإن واشنطن -والعالم معها- تنظر لطالبان باعتبارها حركة تريد أن تكون حكومة، وتطلب من العالم أن يعطيها الشرعية، ولذلك هنالك براهين وإثباتات، والشيء المهم أن طالبان ليست منظمة عابرة للحدود transnational، بل هي منظمة وطنية محلية local كل عملها في أفغانستان ولا تريد الخروج من أفغانستان، ولذا يقول العالم: نعم، إذا كانت تشكل تهديداً فإن التهديد سيكون داخل أفغانستان وليس خارج أفغانستان على غرار داعش والقاعدة، وهما نموذجان للتنظيمات العابرة للحدود تشكل تهديداً للعالم.
أما بالنسبة للتفاوض مع هذه المنظمات، فلا أعتقد أن هذا الأمر ممكن لأن هذه المنظمات ليس لديها وطن أو أرض تتمسك بها، وإنما هي تحاول أن تكون في كل مكان. وعليه، فإن العالم لا يستطيع أن يتفاوض مع المنظمات الإرهابية.
كيف تنظر للدور الإيراني بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان؟
إيران تحاول أن تدخل بكل قوتها إلى الساحة الأفغانية، ولكن أعتقد أنه سيكون دخولاً استنزافياً لإيران يستنزف مقدراتها. وبالعكس، كان التواجد الأمريكي يحمي الهزارة الشيعة، ويحمي بعض الأقليات الموالية لإيران وخاصة المتواجدين في هرات، وهم جماعة “إسماعيل خان” التي تضم شافعيين وحنفيين وأكثرهم أحناف ولديهم علاقة مع شيعة إيران. فإيران لم تدفع دولاراً واحداً، وإنما الشركات الإيرانية تعمل في بعض المناطق مثل كابل وقندوز وهرات وقندهار، وأنا كنت موجوداً هناك في ذلك الوقت، وكنت أرى الشركات الإيرانية تعمل بالأموال الأمريكية، فهناك المقاولون الإيرانيون الذين يحصلون على الأموال من مكاتب الإعمار الأمريكية.
وهناك دور سياسي لإيران في الوقت الراهن، حيث دخلت إيران وتحاول أن تسيطر على طالبان، ولديها علاقة مع حركة طالبان المعتدلة وليس شبكة حقاني، وربما تكون لها علاقة سرية أيضاً مع شبكة حقاني، ولكن ذلك بحجة الدفاع عن الأقلية الشيعية (أقلية الهزارة). حقيقة أنا لا أعرف أين كانت إيران حينما دخلت طالبان في عام 1996 إلى مزار شريف، وذبحت وقتلت كل عنصر من الهزارة، سواء امرأة أو رجلاً أو طفلاً، حينها لم تتحرك إيران ولم تقدم جندياً واحداً لحماية هؤلاء.
تريد إيران الآن أن تدخل إلى الساحة الأفغانية “عناداً” في الدور الأمريكي، ولكن لا أعتقد أن لديها أي فائدة في الساحة الأفغانية، حتى وإن كانت تريد أن تجند بعض الهزارة، وهو أمر كان موجوداً في السنوات الماضية حينما جندت المجموعات المعروفة بالفاطميين والزينبيين في سوريا، الذين عادوا الآن إلى أفغانستان وكذلك للأراضي الإيرانية.
بصفتك مواطناً عراقياً كيف تقرأ الانتخابات البرلمانية الأخيرة؟ وهل يمكن أن تؤثر النتيجة على الدور الإيراني في العراق؟
الانتخابات العراقية هي مسألة هيكلية ليست لها أي أهمية، فهي تعبر عن مجرد تغيير في الشخصيات، وأعضاء البرلمان ليسوا تشريعيين مثل أعضاء الكونجرس الأمريكي أو البرلمان البريطاني. وإن كانت الآن هناك وجوه جديدة، إلا أن هذه الوجوه تسيطر عليها الكتل الكبيرة، وتسيطر عليها الشخصيات المذهبية سواء سنية أو شيعية، وكذلك الشخصيات القومية سواء كانت كردية أو عربية. لذلك، نعم قد يكون العراق قد نجح بنجاح هذه الانتخابات، ولكن -في الوقت ذاته- يبدو البرلمان الذي نتج عن الانتخابات مثله مثل البرلمان السابق والذي قبله.
ومشكلة العراق ليست مشكلة برلمانية أو تشريعية، ولكنها مشكلة تنفيذية أو ما يسمى بالحكومة التوافقية، إذ إن الحكومات التوافقية في بلدان الشرق الأوسط، مثل العراق وباكستان ولبنان، لم تثبت نجاحها، فنحن إزاء دول فاشلة failed states، كما أن الحكومات التوافقية تعني أن القوى السياسية لا تعمل لصالح الدولة وإنما لصالح أحزابها وكتلها التحزبية والمذهبية والقومية. إذن مشكلة العراق لا تحتاج إلى حل تشريعي أو برلماني وإنما إلى حل تنفيذي، حيث يجب أن تكون هناك هيكلية تنفيذية في العراق، بمعنى هيكلية رئيس الدولة ليكون رئيس الجمهورية هو الذي يحكم، وذلك يعني التحول إلى نظام رئاسي كما هو الحال في مصر والجزائر الآن، وكذلك تونس في الوقت الراهن إذ يريد “قيس سعيد” أن يغير النظام إلى نظام رئاسي. وكذلك الحال في النظام التركي. وهكذا، تحتاج المشكلة في العراق إلى حل تنفيذي وليس إلى حلول خاصة بالسلطة التشريعية.
أما بالنسبة لتأثير الانتخابات على إيران، فلا أعتقد أن الانتخابات ستؤثر على الدور الإيراني، لأن الدور الإيراني موجود وهو ليس دوراً سياسياً فقط، وإنما دور عسكري واستخباراتي، ولديها جيوش في العراق تتمثل في الحشد وباقي المليشيات الخارجة عن القانون، وكذلك رجال دين سنة قامت بتجنيدهم، فمثلاً مفتي الديار العراقية “مهدي الصميدعي” يُعتبر الآن إيراني الهوى ويدافع عن إيران. إذن، إيران تغلغلت بالمجتمع العراقي اجتماعياً وسياسياً ودينياً وعسكرياً وأمنياً، ولذلك لا أعتقد أن الانتخابات ستؤثر على الدور الإيراني في العراق، إلا إذا تغيرت الهيكلية السياسية في العراق، ويكون هناك نظام رئاسي، ويكون الرئيس هو الآمر والناهي والذي سيقوم بتخفيف التأثير والدور الإيراني.
صحيح أننا احتفلنا بأن هناك من هو ند لإيران يتواجد في البرلمان، ولكنهم أقلية، وحتى تواجد الأغلبية الصدرية في البرلمان لا يجعلنا ننسى أن “مقتدى الصدر” أول من جاء بالإيرانيين بعد قتاله داخل راية المقاومة، وهو من جاء بالحرس الثوري إلى العراق، وكانت القنابل والعبوات الناسفة ضد الدروع تأتيه عبر إيران، وكذلك كلما ينزعج “مقتدى الصدر” من العراق ويكون في موقع خطر في العراق فهو يذهب إلى إيران ويلجأ إليها. إذن، إيران لديها تأثير وسلطة على التيار الصدري، ولكن هي تريد أن تلعب في كل الساحات، سواء الصدرية أو الولائية أو السنية أو الكردية، حتى تحافظ على تأثيرها بالعراق.
كيف ترى الاستراتيجية الأمريكية لإعادة الانتشار العسكري في المنطقة؟ هل هو انسحاب أمريكي من منطقة الشرق الأوسط؟
كانت الاستراتيجية الأمريكية سابقاً تقوم على التواجد على الأرض، ولكن الولايات المتحدة الآن تعتبر أن لديها التأثير السياسي على دول كثيرة في المنطقة، ولديها حلفاء مثل الدول الخليجية والأردن وكذلك إسرائيل، لذلك فهي تريد أن تعتمد على هذه الدول كما كانت قبل احتلال الكويت، فالولايات المتحدة لم تكن متواجدة عسكرياً، وإنما متواجدة من ناحية بحرية لحماية السفن وحماية تجارة النفط في ذلك الوقت، ولكن بعد تحرير الكويت من نظام “صدام” أعادت انتشارها وبقيت في المنطقة.
وفي السنوات الأخيرة شعرت واشنطن بأن التواجد في المنطقة بات أكثر استنزافاً واستهلاكاً لها، خصوصاً أنها تستطيع أن تبقي تأثيرها السياسي في المنطقة من خلال حلفائها وهي لا تحتاج لأن تكون موجودة، فحلفاؤها لديهم قوات ولديهم جيوش، ولكن إذا احتاجوا، مثلما احتاجوا في زمن احتلال الكويت، إلى الولايات المتحدة فقد تعود واشنطن.
ربما إذا حدثت مشكلة كبيرة في بلدان الشرق الأوسط، كما حدث في التسعينيات، تعود الولايات المتحدة، ولكنّ الولايات المتحدة الآن متجهة إلى إعادة ترتيب البيت الأمريكي وإعادة إعمار المدن والشوارع، لأنّ البنية التحتية في الولايات المتحدة قائمة منذ فترة الخمسينيات، فترة حكم الرئيس الأسبق “أيزنهاور”، وهو ما يعني أنها قديمة ومتهالكة، ولذا فإن هناك خطة بقيمة 3 تريليونات دولار لإعادة إعمار البنية التحتية. وعليه، أعتقد أن “جو بايدن” مهتم بالداخل الأمريكي، وسيترك الشأن الخارجي للدول لكي تحل مشاكلها بنفسها.
كيف ترى موقف الرئيس الأمريكي “بايدن” من استمرار الأزمة في اليمن والموقف من الحوثيين؟
يرتبط موقف الإدارة الأمريكية من الأزمة اليمنية بالمفاوضات النووية مع إيران، فالإدارة تريد أن تكون الأزمة جزءاً من المفاوضات، وتقول لإيران أن تتوقف عن دعم الحوثيين ونحن نتفاوض معكم، وهذا أحد الشروط. ولكن إيران تجد في الحوثيين “كنزاً من ذهب”، فهي تلعب دوراً في محاصرة المملكة العربية السعودية، وكذلك السيطرة على باب المندب والسيطرة على الملاحة الدولية التي في طريقها إلى قناة السويس، وبالطبع إذا تواجد الحوثيون في منطقة باب المندب وهددوا الملاحة الدولية فستتأثر دول العالم كلها.
يبدو أن هناك موقفاً ضعيفاً من قبل إدارة “جو بايدن” تجاه محاربة الحوثيين، لذا فالحوثيون استفحلوا واستقووا في زمن “جو بايدن”. ولكن أعتقد أيضاً أن الإدارة الأمريكية تنظر إلى السعودية على أنها دولة مستقلة، ولها الحق في محاربة الحوثيين ومحاولة القضاء عليهم، وإعادة اليمن. ربما يكون موحداً أو مقسماً إلى جزأين (جنوبي وشمالي)، ولكنه في نهاية الأمر يمن مستقر، وهذا ما تريده الإدارة الأمريكية بأن يكون اليمن مستقراً.
هل ستنعكس الأزمة الأمريكية الفرنسية (الغواصات) على التعاون العسكري الفرنسي الأمريكي في منطقة الساحل الإفريقي؟
كانت الأزمة سياسية أكثر، وردة الفعل من الرئيس الفرنسي “ماكرون” كان مبالغاً فيها، فهو كان يستطيع أن يحصل على الكثير من المنافع من الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، ولكن مع ذلك فقد عَبَرَت الأزمة.
أما بخصوص تأثير الأزمة على التعاون في الساحل الإفريقي، فلا أعتقد أن الأزمة ستؤثر على التعاون بين الدولتين لأن هناك مصالح أمنية واستخباراتية وعسكرية تربط بين الولايات المتحدة وفرنسا في الساحل الإفريقي، وكذلك هناك استراتيجية عسكرية للقضاء على الجماعات المسلحة في دول الساحل الإفريقي، وهذه الدول لديها اتفاقيات مع الولايات المتحدة وفرنسا لمحاربة هذه الجماعات، فضلاً عن محاربة التمدد الروسي-الصيني في قلب إفريقيا والساحل الإفريقي، لذلك فإن التواجد الأمريكي والفرنسي ربما يحد من التمدد الروسي والصيني، حيث إننا إزاء حرب باردة وحرب تجارية، وحرب منافع باردة. ومن واقع خبرتي العملية مع القوات الفرنسية في تشاد ومالي ومنطقة الساحل، أستطيع أن أقول إن هناك علاقات جيدة بين الفرنسيين والأمريكان هناك.
ما هو مستقبل العلاقة التركية الأمريكية في ظل تصاعد التوتر التركي الأمريكي الأوروبي؟
تعتمد العلاقات التركية الأمريكية على العلاقات التركية الأوروبية، وبالذات البريطانية – الفرنسية – التركية، والولايات المتحدة ليست لديها مشاكل مع تركيا وإنما مشاكل مع رئاسة “أردوغان”، وسياسة “أردوغان” التوسعية التي لا تتحملها المنطقة، فهو لديه سياسة توسعية في ليبيا وأذربيجان وسوريا وكذلك العراق، ولذا لا تستطيع الولايات المتحدة أن تغض الطرف عن حليف لها في حلف الناتو يتحول إلى عنصر إزعاج في المنطقة. وفي هذا الإطار، تعتمد واشنطن على حلف الناتو لتقييم علاقاتها مع تركيا.
من وجهة نظرك.. من يملأ الفراغ الأمريكي في المنطقة؟
الدول نفسها هي التي تملأ الفراغ في المنطقة لأن التهديدات التي تواجهها تهديدات وطنية، فمثلاً تستطيع السعودية أن تحمي نفسها بنفسها، ولا تريد أي طرف أن يملأ الفراغ، وكذلك الحال بالنسبة لدول أخرى بالمنطقة، وكل هذه الدول ستعتمد على نفسها، وهذا ما تريده الولايات المتحدة، وهو ما سيؤدي إلى توفير الأموال والمليارات الأمريكية، والجهد العسكري الأمريكي في المنطقة. إذن، مَلْءُ الفراغ سيكون وطنياً بين دول المنطقة، وربما تؤسس هذه الدول جيشاً، على غرار حلف الناتو أو “درع الجزيرة”.