قمة الجزائر والعمل العربى المشترك – الحائط العربي
قمة الجزائر والعمل العربى المشترك

قمة الجزائر والعمل العربى المشترك



كل المؤشرات تدل على إمكان عقد القمة العربية المرتقبة بالجزائر فى موعدها المقرر مطلع شهر نوفمبر المقبل، لكن بعض القضايا الخلافية مازالت تلقى بظلالها على العمل العربى المشترك، قد تؤثر على مستوى المشاركة بالقمة ومسار المناقشات والنتائج العملية لها، وهل تصبح فعلا قمة لم الشمل العربى أم أن هذا الهدف مازال بعيدا؟.

منذ اختتام القمة العربية لاجتماعات دورتها الثلاثين فى تونس خلال شهر مارس 2019 لم تجتمع مرة أخرى خلال الثلاث سنوات الأخيرة، والسبب المعلن فى البداية كان جائحة كورونا وما تسببت به من إغلاق كامل فى العالم بأكمله، لكن مع مرور الوقت ونجاح العالم فى السيطرة على الجائحة والتعامل معها تبين أن هناك أسبابا أخرى تتعلق بالخلافات العربية حول بعض الملفات والذى تحول فى بعض الأحيان إلى صراعات هو السبب الحقيقى فى عدم عودة القمة العربية إلى الانعقاد، خاصة أنه كان يمكن حتى فى ذروة كورونا عقد الاجتماعات عبر الفيديو كونفرانس.

لكن يبدو أن هناك إصرارا جزائريا هذه المرة على عقد القمة فى موعدها المرتقب مهما كان حجم الخلافات، وخاصة مع تأكيد المسئولين فى الأمانة العامة للجامعة عدة مرات على أن غياب اجتماعات القمة يؤثر على فاعلية العمل العربى المشترك، وقد وجهت الجزائر الدعوة إلى كل القادة العرب للمشاركة فى هذه القمة وبدأت فى اتخاذ الترتيبات اللوجستية لها.

ورغم ذلك فما زالت هناك بعض الخلافات العربية العربية التى قد تؤثر على مسارات المناقشات بها أو نتائج أعمالها، فموضوع عودة سوريا للجامعة العربية مازال محل خلاف كبير بين الدول الأعضاء، ولم يتم التوافق عليه حتى الآن ومن المستبعد أن تنجح قمة الجزائر فى اتخاذ قرار حاسم بشأنه، مع استمرار اعتراض بعض الدول العربية رغم تحمس البعض الآخر لعودة سوريا التى تم تجميد عضويتها فى الجامعة منذ عام 2011 فى ذروة ما عرف وقتها بالربيع العربي.

كما أن الأزمة الليبية مازالت موضع خلافات عربية متعددة، ظهرت بعض آثارها فى افتتاح أعمال الدورة 158 لوزراء الخارجية العرب الشهر الماضى، عندما غادر وفد مصر برئاسة سامح شكرى وزير الخارجية الاجتماع عقب تسليم رئاسة الدورة لوزيرة خارجية الحكومة الليبية المنتهية ولايتها نجلاء المنقوش، ووصف المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية انسحاب الوفد المصرى بأنه حق سيادى لها ، موضحا أنه لا يمكن أن يستمر وفد مصر برئاسة وزير الخارجية، فى اجتماع ترأسه شخصية لا تمثل الحكومة الشرعية فى ليبيا، وأن جميع ممثلى الدول العربية فى الاجتماع الوزارى مطلعون على موقف مصر ويعلمونه تجاه هذه الحكومة؛ المنتهية ولايتها، وفقًا لقرارات الحوار الوطنى الليبى والتاريخ المحدد لنهاية ولايتها واعتماد مجلس الأمن بهذه الأمور.

وقد أكدت مصر ضرورة وجود إيضاح قانونى ودراسة قانونية من جانب الأمانة العامة للجامعة العربية، وتوضيح مسألة الصلاحيات الموضوعة وصلاحيات الرئاسة للدورة 158 لمجلس وزراء الخارجية العرب، على أن يتم تقديم هذه الدراسة قبيل اجتماعات القمة العربية لما لها من تأثيرات مهمة، ومن الواضح أن موضوع من يمثل ليبيا فى القمة قد يؤدى إلى إشكاليات جديدة خاصة أن الجزائر وجهت الدعوة رسميا إلى محمد المنفى رئيس المجلس الرئاسى الليبى للمشاركة فى أعمال القمة وحضر تسليم الدعوة وزراء من الحكومة الليبية المنتهية ولايتها، مما يعنى أن بعض المسئولين بتلك الحكومة سيشارك فى الوفد الليبى بالقمة العربية، رغم عدم اعتراف دول عربية كثيرة بها والاعتراض على مشاركتها.

بالإضافة إلى الخلافات الجزائرية المغربية التى قد تمنع الملك محمد السادس من المشاركة فى القمة المرتقبة رغم توجيه الدعوة رسميا له، لكن مجلة (جون أفريك) الفرنسية أكدت مشاركة العاهل المغربى فى القمة، وهو ما اعتبره مراقبون مغاربة تطبيقا لسياسة اليد الممدودة التى انتهجها الملك محمد السادس تجاه الجزائر وأكدها فى خطاب العرش فى شهر يوليو الماضى عندما أعرب عن تطلعه إلى العمل مع الرئاسة الجزائرية لإقامة علاقات طبيعية بين الشعبين الشقيقين، وفى كل الأحوال فإن هذه المشاركة إذا تمت ستكون أحد عوامل نجاح القمة.

وفى كل الأحوال فإن القمة المرتقبة ليست الحل السحرى للم الشمل العربى، ولكنها قد تكون خطوة مهمة على الطريق، فالعمل العربى المشترك من خلال مؤسسات الجامعة العربية يشهد تراجعا كبيرا فى السنوات الأخيرة فى ظل أزمات كبيرة تضرب المنطقة العربية فى اليمن وسوريا وليبيا والعراق مع تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وتزايد حجم التدخلات الإقليمية والدولية فى الشئون الداخلية للدول العربية وصل إلى حد الاعتداء المباشر على أراض عربية والسيطرة على مقدرات البعض، ومشروعات الهيمنة التى بدأت تظهر بشكل واضح وتهدد مستقبل الدولة الوطنية فى بعض البلدان العربية.

ولعل كل تلك الأزمات وتباين المصالح بين الدول العربية وعدم وجود مفهوم محدد للأمن القومى العربى، وغياب أهداف عربية متفق عليها وفق خطة عمل محددة، وتغليب الرؤى الخاصة على الأهداف العامة، كانت الدافع وراء ظهور تكتلات عربية تعمل معا بمعزل عن الجامعة العربية لتحقيق المصالح المشتركة والتى قد تتضارب مع مصالح دول عربية أخرى، وانكفاء بعض الدول على نفسها وابتعادها عن كثير من الأنشطة العربية تحسبا من الدخول فى صراعات جديدة،  وكل ذلك يتطلب جهدا مكثفا لتطوير الجامعة العربية وإعادة فاعليتها لتكون بوتقة العمل العربى المشترك، والبدء بتنشيط الاتحادات النوعية العربية التى يمكن أن تحقق إنجازات مهمة فى مجالات التعاون الاقتصادى والغذائى والتنمية والبيئة والمناخ بعيدا عن الخلافات السياسية.

نقلا عن جريدة الاهرام