يتوقع أن يسفر تعيين “بونيت تالوار” سفيراً للولايات المتحدة لدى المملكة المغربية عن مباحثات تفصيلية حول مختلف القضايا الأمنية والسياسية إلى جانب قضايا التنمية المستدامة على نحو يعزز من فرص التدريب الأمني المشترك بين الجيشين الأمريكي والمغربي، ويبلور آليات وسبل مكافحة الإرهاب، ويدفع العلاقات التعاونية بين الجانبين من خلال عدد من الآليات والأطر المؤسسية، ناهيك عن تحديث الجيش المغربي، ودعم فرص التدريب العسكري، وتحسين قابلية التشغيل البيني العسكري. وفي سياق متصل، تتعدد القضايا التي من المتوقع أن يلعب فيها “تالوار” دوراً بارزاً يشمل تطورات العلاقات الجزائرية-المغربية، وسبل مضاعفة حجم التجارة المتبادلة، وصفقات التسلح المبرمة بين الجانبين، وموقف المغرب من الحرب الروسية-الأوكرانية.
صادق مجلس الشيوخ الأمريكي، في 9 سبتمبر الجاري، على تعيين “بونيت تالوار” سفيراً للولايات المتحدة لدى المملكة المغربية. وقد رشح الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في شهر مارس الماضي، الدبلوماسي الأمريكي من أصول هندية ليكون سفيراً فوق العادة ومفوضاً لدى المغرب. وفي أعقاب عملية التصديق أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن الشراكة بين الولايات المتحدة والمغرب محورية من أجل تحقيق السلام والأمن الإقليميين. ويتمتع “تالوار” بخبرة في العمل بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، حيث شغل منصب كبير مستشاري الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” لشؤون الشرق الأوسط، وكبير مستشاري وزارة الخارجية، ومساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية والعسكرية، وكبير موظفي لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، وذلك من بين مناصب أخرى.
ملامح العلاقات
من المرجح أن يسفر تعيين ” تالوار” عن تعميق العلاقات الأمريكية-المغربية، لتتبلور أبرز ملامح تلك العلاقة في النقاط التالية:
1- تعميق العلاقات الاستراتيجية الثنائية: تَعتبر الولايات المتحدة المغرب حليفاً استراتيجياً خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ عام 2004. كما تتعدد المخاوف الأمنية المشتركة بين الدولتين ولا سيما على صعيد ليبيا وأمن البحر المتوسط والتجارة غير المشروعة، وغير ذلك. ومن المتوقع أن يسفر تعيين السفير الأمريكي الجديد في المغرب عن مزيدٍ من المباحثات التفصيلية حول مختلف القضايا الأمنية والسياسية إلى جانب قضايا التنمية المستدامة من ناحية، وتعزيز فرص التدريب الأمني المشترك بين الجيشين الأمريكي والمغربي من ناحية ثانية.
2- تكثيف جهود مكافحة الإرهاب: تتعدد الجهود المغربية على صعيد مكافحة الإرهاب، وهو ما دفع كثيراً من المحللين المغاربة للقول إن المغرب شريك قوي وطرف فاعل في جهود مكافحة الإرهاب ولا سيما بالنظر إلى التعاون الوثيق بينه وبين الولايات المتحدة سواء في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب أو التحالف الدولي ضد تنظيم داعش. ومن المتوقع أن يسفر تعيين “تالوار” عن مزيد من بحث آليات وسبل مكافحة الإرهاب بين الجانبين الأمريكي والمغربي وذلك من بين تهديدات أمنية أخرى.
3- زيادة الدعم الأمريكي العسكري للمغرب: قد تمتد جهود “تالوار” إلى تحديث الجيش المغربي، ودعم فرص التدريب العسكري لتحسين قابلية التشغيل البيني العسكري الأمريكي والمغربي بالتعاون مع مختلف الجهات الأمنية لا سيما المكتب الدولي لشؤون المخدرات وإنفاذ القانون والشرطة الوطنية المغربية وإدارة السجون والقضاء، على نحو يعزز من أمن الحدود، بل وقدرة المغرب على مكافحة انتشار الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية.
4- تعزيز جهود المجتمع المدني المغربي: يمكن للسفير الأمريكي الجديد أن يدفع العلاقات التعاونية بين الولايات المتحدة والمغرب من خلال عددٍ من الآليات والأطر المؤسسية، منها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والتي تتجاوز أدوارها الأنشطة الاقتصادية لتشمل: دعم المجتمع المدني، وتعزيز التعليم الابتدائي والتدريب المهني، ودعم مبادرات المجتمع المدني التي تلبي احتياجات الشباب المهمشين، وتعمل على توسيع مشاركة المواطنين في الحكم وتمكين المرأة، ودعم القيادات الشبابية والعمل التطوعي، وزيادة المشاركة المدنية وريادة الأعمال، وغير ذلك.
قضايا الاهتمام
ستتصدر جملة من القضايا الداخلية والدولية اهتمام الولايات المتحدة والمغرب في أعقاب تعيين “تالوار”، وهي القضايا التي يمكن الوقوف على أبرزها في النقاط التالية:
1- مغربية الصحراء الغربية: أعلنت الولايات المتحدة في ديسمبر 2020 اعترافها الكامل بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وأكدت رغبتها في فتح قنصلية بمدينة الداخلة فيها، وهو الأمر الذي سبق أن وصفه السفير الأمريكي السابق في المغرب “ديفيد فيشر” بالتطور الطبيعي في المواقف الثابتة للإدارات الأمريكية، بيد أن السفير الأمريكي الجديد سيجد نفسه أمام تطورات متلاحقة في العلاقات الجزائرية-المغربية توشك على التحول من الأزمة إلى حرب استنزاف دبلوماسية تتجاوز آثارها المنطقة بالتوازي مع جهود دبلوماسية مغربية عدة لدفع دول جديدة إلى دعم مواقفه، وهو ما يثير مخاوف من تفجّر الوضع في ظل استمرار انسداد آفاق الحلول المحتملة.
2- سبل تطوير العلاقات الاقتصادية: يعد المغرب هو الدولة الإفريقية الوحيدة التي لديها اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، وهي الاتفاقية التي وقعتها الدولتان في عام 2004، وإن دخلت حيز التنفيذ في عام 2006، وقد تكرر تأكيد الدولتين مراراً على أهميتها الاستراتيجية. ومن الجدير بالذكر أن اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب هي اتفاقية شاملة تدعم الإصلاحات الاقتصادية والسياسية المهمة، وتوفر فرصاً تجارية أفضل للصادرات الأمريكية إلى المغرب من خلال تقليل وإزالة الحواجز التجارية. وفي هذا الإطار، من المتوقع أن تناقش الدولتان سبل مضاعفة حجم التجارة المتبادلة على نحو يسمح لمئات الشركات الأمريكية بالعمل في الداخل المغربي.
3- صفقات التسلح الأمريكية-المغربية: من المتوقع أن يشرف السفير الأمريكي الجديد على عدد من صفقات التسلح المبرمة بين الدولتين والتي تضمن آخرهابيع أنظمة لا سلكية تكتيكية بقيمة تصل إلى 141,1 مليون دولار. كما طلبت الحكومة المغربية ستة أنظمة راديو تكتيكية تستخدم في المجال العسكري لنقل المعلومات أو الأوامر عبر نقاط مختلفة، وهي الصفقة التي يرى فيها المغرب تأكيداً على أهميته الاستراتيجية، وضماناً محتملاً للاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في شمال إفريقيا؛ إذ إن تلك المعدات من شأنها أن تحسن قدرته على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية من خلال توفير الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع بشكل آني لردع التهديدات الإقليمية وتعزيز آليات الدفاع عن النفس.
4- الحرب الروسية-الأوكرانية: دفعت بعض الأصوات المغربية بأن الحرب الروسية-الأوكرانية إنما تمثل شكلاً من أشكال الحرب بالوكالة بين المعسكرين الشرقي بقيادة موسكو من ناحية، والمعسكر الغربي بقيادة واشنطن من ناحية ثانية. وبالتالي، من المتوقع أن يركز السفير الأمريكي الجديد جهوده الدبلوماسية من أجل ضمان تأييد المغرب للولايات المتحدة من ناحية، والدور الأمريكي المتوقع للتخفيف من تبعات الحرب على الاقتصاد المغربي ولا سيما تباطؤ مستويات التشغيل ومستوى الاستهلاك من ناحية ثانية، وهو الأمر الذي تتزايد أهميته بالنظر إلى امتناع المغرب عن إدانة التدخل الروسي العسكري في أوكرانيا، وغيابه عن مختلف جلسات التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أدانت موسكو.
محددات ثابتة
ختاماً، من المقرر أن يبدأ السفير الأمريكي الجديد لدى المغرب عمله بعد تسليم أوراق اعتماده إلى وزارة الخارجية المغربية، وتتمحور مهمته حول تعزيز العلاقات بين البلدين وزيادة التعاون في جميع المجالات. وفي هذا الإطار، يمكن الدفع بعدم وجود أي تغير جذري في علاقات المغرب بالولايات المتحدة بتغير السفير الأمريكي، لأن هناك محددات ثابتة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاهه لاعتبارات متعددة، منها ما هو تاريخي ومنها ما هو استراتيجي ومنها ما هو جغرافي، ولا سيما مع خصوصية موقع المغرب وأهمية الدور الذي لعبه على مستوى مكافحة الإرهاب.