على هامش القمّة العربيّة في الجزائر… – الحائط العربي
على هامش القمّة العربيّة في الجزائر…

على هامش القمّة العربيّة في الجزائر…



لماذا يواجه المواطن العربي القمم العربية بلامبالاة تامة؟ بكل بساطة لأن القمم العربية، شأنها شأن مؤسسة الجامعة العربية نفسها، هي أطر عفّى عليها الزمن. إنها جزء من الماضي الذي يرفض أن يعيد تأهيل نفسه. والحال أن الجامعة العربية التي يصفها بعض المراقبين المخضرمين بـ”مخزن” المتقاعدين من وزارات الخارجية العربية، لا تزال تعمل بآليات بيروقراطية بعيدة كل البعد من لغة التواصل مع المواطن العربي من الخليج إلى المحيط. لا بل هذه الآليات جعلت مع الوقت الجامعة وأطرها التنظيمية بعيدة جداً من التطور الكبير المتعدد الوجوه الحاصل على مستوى الكيانات العربية، أكان سياسياً، أو اقتصادياً، أو ثقافياً، أو اجتماعياً.

لذا من المؤسف حقاً أن نرى أن القمم التي يحضرها القادة العرب باتت هي أيضاً مجرد لقاءات رفع عتب، تعقد بين دول عربية تفضل العمل الثنائي أو الإقليمي على العمل العربي المشترك. هذه حقيقة، لا سيما أن البيانات الختامية عادة ما تكون محضّرة مسبقاً، لا تناقش، فيأتي القادة من أجل الصورة فقط. أحياناً تحدث نقاشات مصدرها الخلافات الثنائية بين الدول، مثل ما حدث عندما تصرف مسؤولو الدولة المضيفة للقمة الأخيرة في الجزائر مع الوفد المغربي بأسلوب أقل ما يقال عنه إنه افتقد أدنى معايير اللياقة والأصول الدبلوماسية. طبعاً معروف سبب هذا السلوك الذي رمى إلى دفع ملك المغرب ليلغي مشاركته في القمة أسوة بعدد من القادة الخليجيين الذين آثروا عدم الحضور لأسباب سياسية لم يفصح عنها رسمياً. وقد فهم المراقبون في ما بعد سبب ذلك عند صدور ما سُمّي بـ”إعلان الجزائر” الذي أرادت منه الدولة المضيفة تحييد كل انتقاد للسياسات العدوانية الإيرانية في العالم العربي، من الخليج، إلى العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن، وصولاً إلى الصحراء المغربية.

حكى “إعلان الجزائر” مطولاً عن “رفض التدخلات الخارجية في العالم العربي”، لكنه أصيب بـ”الانفصام” عندما رفضت الجزائر ومثلها العراق العائد إلى حضن طهران مع تشكيل الحكومة الجديدة بتواطؤ من الأميركيين، تسمية إيران كطرف يتدخل في العالم العربي، وقد كان الأمر متوقعاً سلفاً. من هنا غاب قادة عرب مركزيون، فيما تعامل آخرون حضروا القمة بكثير من البرودة واللامبالاة، لعلمهم بأن “الإعلان” كمعظم البيانات السابقة إنشائي لا يقوم على موقف جدي مشترك، لأنه لا يتعدى “الروتين”.

رفض العراق إدانة سلوك إيران، ونحن ندرك وضع العراق المستتبع بقيادته السياسية الممسكة بالسلطة، كما هي حال لبنان الذي يهيمن عليه “حزب الله” بكل مؤسساته ورئاساته. ما لم نفهمه هو تبرع الجزائر للدفاع عن إيران التي تهدد الأمن القومي للعديد من البلدان العربية المركزية. فهل السبب هو هذا التحالف ضد المغرب في قضية الصحراء عبر تسليح “بوليساريو” بمسيّرات وتلقي عناصرها تدريبات على يد “حزب الله” في لبنان؟

هذه عينة بسيطة للدلالة على أن القمة الأخيرة في الجزائر لم تكن قمة “لمّ الشّمل”. لم تكن مختلفة عن سابقاتها سوى بتمادي الدولة المضيفة في الدفاع عن إيران المهددة للأمن القومي للعديد من الدول العربية المركزية. لم تأت القمة حتى على ذكر ميليشيات الحوثي في اليمن وإدانتها، فكيف يكون “إعلان الجزائر” مؤيداً للشرعية اليمنية؟ وبالطبع لا ننسى موضوع “حزب الله” وأنشطته وموقف لبنان الرسمي المستتبع هو أيضاً!

ليس المراد مما سبق انتقاد قمة الجزئر العربية لأنها لم تتطابق مع الشعار الذي رفعته. هي ليست حالة معزولة. معظم القمم العربية تعاني حالة عزلة عن الواقع العربي المشترك والفردي، أكان على مستوى الدول أو على مستوى المواطنين. من هنا ندعو إلى إعادة النظر في مؤسستي القمة والجامعة العربيتين. عندما نسمع بهاتين المؤسستين نستشعر دائماً أن أصحابها هم أقل المؤمنين والمهتمين بها، فكيف يكون موقف المواطن العربي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين؟

نقلا عن النهار العربي