شهد العالم فى الفترة من ١٩ـ ٢١مايو ٢٠٢٣ انعقاد خمس قمم انعقدت كلها فى القارة الآسيوية, فمن القمة العربية فى مدينة جدة يوم ١٩ مايو، الى قمة مجموعة السبع فى مدينة هيروشيما من ١٩ ـــ ٢٢ مايو، الى قمة مجموعة منتدى الأمن الرباعى (الكواد) والذى يضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، وقمة غير مسبوقة استضافتها الصين فى مدينة زيان, ضمت خمس دول فى آسيا الوسطى كازاخستان وقيرغيزستان واوزبكستان وطاجيكستان وتركمنستان، ثم قمة لدول التحالف الثلاثى الامريكى – اليابانى – الكورى الجنوبى.
وباستثناء القمة العربية بجدة التى تدشن لمرحلة تحول نوعى فى المقاربات العربية لتسوية الأزمات العربية سياسيا وسلميا بعيدا عن منطق الصراع، والقمة الصينية مع دول وسط آسيا، نجد أن القمم الأخرى أتت فى إطار المواجهة الغربية بقيادة الولايات المتحدة مع كل من روسيا والصين. واكدت مجددا ان الإدارة الأمريكية نجحت فى حشد الدول الحليفة سواء فى الحلف الأطلنطى ومجموعة السبع او فى المحيط الهادى والهندى وراء أهدافها الإستراتيجية، سواء بالنسبة لروسيا وتشديد العقوبات عليها بسبب الحرب فى اوكرانيا، مع استمرار تقديم جميع أنواع الدعم والمساندة العسكرية والاقتصاديةً والمالية لأوكرانيا، أو التنافس الامريكى مع الصين فى المجالين الأمنى والاقتصادى.
وفى هذا السياق جاءت قمة التحالف الثلاثى التى جمعت الرئيس الأمريكى جو بايدن ورئيس الوزراء اليابانى فوميو كيشيدا ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، والتى شددت على اهمية تعزيز التعاون الأمنى والعسكرى لدول هذا التحالف وبصفة خاصة مواجهة ما وصفته هذه الدول بالتهديدات النووية والصاروخية غير المشروعة لكوريا الشمالية، علاوة على المزيد من التنسيق فى تنفيذ الإستراتيجيات المعلنة لها والمعروفة باسم إستراتيجية المحيط الهندى الهادى.
وفى الوقت الذى أكد فيه قادة دول مجموعة السبع أنهم على استعداد لبناء علاقات بناءة ومستقرة مع الصين، إلا أنها تشدد فى ذات الوقت على الأهمية التى توليها للمصارحة والمكاشفة حول شواغل مجموعة السبع بالنسبة لسياسات الصين. وشدد قادة الدول السبع على أن دولهم لا تسعى لإجهاض التقدم الاقتصادى للصين، أو أنها ستعمل على إحداث قطيعة مع الصين، وبصفة خاصة فى المجالات الاقتصادية والتجارية، وإنما هى تسعى، أى الدول السبع فى المجموعة، لتقليل المخاطر فى إطار تعاملاتهم الاقتصادية والتجارية وفى مجال التكنولوجيا مع الصين . لكن استخدام هذه الدول لمصطلح الإكراه الاقتصادي, فسرته الصين على انها المعنية بذلك. وهى محقة فى ذلك. ولذا جاء رد الفعل الصينى قويا وسريعا حيث أصدرت وزارة الخارجية الصينية بيانا مساء السبت ٢٠ مايو ذكرت فيه انه بينما تتحدث الدول السبع عن سعيها لعلاقات دولية سلمية ومستقرة ومزدهرة، فانها تنتهج فى واقع الأمر سياسات تزعزع السلام العالمى، وتجهض خطط التنمية فى الدول المختلفة، ووجهت الاتهام للولايات المتحدة بممارسة سياسات الإكراه الاقتصادى.
وتزامن مع انعقاد القمة السنوية لمجموعة السبع قمة استثنائية استضافتها الصين لدول آسيا الوسطى، فى إطار إستراتيجية صينية فعالة لمواجهة المخططات الأمريكية والغربية لاحتواء الصين على جميع الأصعدة. فلأول مرة منذ اعتراف الصين باستقلال دول آسيا الوسطى فى عام ١٩٩٢، دعا الرئيس الصينى تشى جين بنج اقرأنه رؤساء تلك الجمهوريات السوفيتية السابقة فى قمة ستغير من علاقات دول آسيا الوسطى مع القوى الكبرى، فبعد أن كانت هذه الدول ترتبط بعلاقات وثيقة مع روسيا مع انفتاح محدود لبعضها على الولايات المتحدة، فإن الصين باستضافتها هذه القمة تثبت انها عازمة على ترسيخ وجودها وتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة فى سياق إستراتيجية طويلة الأمد، وانتظام انعقاد مثل هذه القمة مرة كل عامين بالتناوب فيما بينها، فقد اتفق على عقد القمة الثانية المقبلة فى عام ٢٠٢٥ فى كازاخستان.
أما قمة منتدى التعاون الأمنى (الكواد) فقد اقتصرت على تأكيد مبادئ عامةً، دون إثارة حفيظة الصين، بسبب حرص كل من الهند واليابان، وبدرجة أقل أستراليا، على عدم تعريض علاقاتهم ببكين للتدهور اذا ما ساروا على النهج الأمريكى فى التنافس مع الصين. وشدد البيان الصادر عن هذه القمة على ان الدول الأعضاء فى الكواد تعمل على ألا تكون هناك دولة مسيطرة فى الاقليم، والمقصود هنا هو المحيط الهادى والهندى، أو ان تكون هناك دول تخضع لسيطرة دول أخرى، وهى صياغة تتصف بالعمومية والمقصود منها طمأنة دول الآسيان من ان «الكواد» لن ينتهج سياسات يكون من شأنها الإضرار بعلاقات هذه الدول بالصين.
وبالتالى من خلال خمس قمم يمكن رصد التحولات التى يشهدها النظام الدولى. فلاشك فى أننا أمام عالم متعدد القطبية، مع ظهور القوى المتوسطة، سواء العربية او تلك التى تقع فيما يعرف باسم الجنوب العالمى وهى دول عدم الانحياز فى القرن الماضى التى تستطيع ان تؤثر على قرارات وتحركات القوى الكبرى، ولديها الإرادة السياسية لانتهاج سياسة خارجية مستقلة وبعيدا عن الانحياز للصين أو روسيا أو الولايات المتحدة، وذلك من اجل الدفاع عن مصالحها وأمنها. والأمر المؤكد أن قوة ودور وتأثير القوى الغربية فى النظام الدولى لم تعد مثلما كانت فى عالم أحادى القطبية، وهوً ربما يوفرً الفرصة لان تعيد بعض الدول تقييم علاقاتها مع جميع القوى الكبرى وتعمل على الابتعاد عن انتهاج علاقات خاصة مع إحداها على حساب علاقاتها مع القوى الكبرى الاخرى.
نقلا عن الأهرام