طمأنة الداخل:
طمأنة الداخل: جدل أمريكي حول صفقة تبادل السجناء مع إيران

طمأنة الداخل:

طمأنة الداخل: جدل أمريكي حول صفقة تبادل السجناء مع إيران



أسفرت المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران خلال عامين، قادها وسطاء إقليميون ودوليون، عن قيام إيران، في ١٠ أغسطس الجاري، بنقل خمسة أمريكيين كانوا مسجونين في سجن إيفين إلى فندق في العاصمة طهران مع وضعهم رهن الإقامة الجبرية قبل عودتهم النهائية إلى واشنطن، مقابل حصول طهران على نحو ستة مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني المجمدة والمحتجزة في كوريا الجنوبية، والتي ستُصرف عبر صندوق قطري خاص للمشتريات الإنسانية، إلى جانب الإفراج عن عدد من الإيرانيين المحتجزين في السجون الأمريكية؛ لخرقهم العقوبات المفروضة على إيران.

انتقادات واسعة

أثارت صفقة تبادل السجناء مع إيران موجة انتقادات داخل الولايات المتحدة، ولا سيما بين الجمهوريين بصورة كبيرة. فقد انتقد المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٤، ونائب الرئيس السابق مايك بنس، تلك الصفقة، حيث قال إن “النظام الإيراني سيستخدم الأموال المفرج عنها بموجبها لإنتاج طائرات من دون طيار لصالح روسيا، والتي تستخدمها في استهداف البنية التحتية الأوكرانية، وتمويل الإرهاب ضد الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل”. وقد أعرب عديد من المشرعين الجمهوريين بمجلسي النواب والشيوخ عن معارضتهم للصفقة، حيث وصفوها بأنها “سابقة سيئة”.

ويرى النائب الجمهوري مايكل ماكول رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، أن إيران ستستخدم الأموال المفرج عنها في دعم حروبها بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط، وعمليات الإرهاب، وتطلعاتها للحصول على قنبلة نووية. وقد قارن السيناتور الجمهوري البارز بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جيم ريش، ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، تحويل الأموال لإيران بدفع الفدية، وقالا إن إدارة بايدن تشجع إيران على الاستمرار في سياسة احتجاز الأمريكيين ظلماً.

ووصفت مجلة “واشنطن إكزامينر” في افتتاحية لها، في ١٦ أغسطس الجاري، بعنوان “بايدن يمنح إيران جائزة كبرى”، قرار الرئيس بايدن بإلغاء تجميد ستة مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني بأنه “دفع رشوة لأكبر دولة راعية للإرهاب في العالم” مقابل إطلاق سراح رهائن. وأشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” في افتتاحية لها في ١٣ أغسطس الجاري، إلى أن طهران ستستخدم تلك الأموال بنفس الطريقة التي استخدمت بها الأموال التي تلقتها في أعقاب التوصل إلى الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥، لنشر الفوضى في الشرق الأوسط. وترى الصحيفة أن صفقة الرهائن ستمول فعلياً “العدوان الإيراني على الولايات المتحدة وحلفائها”.

تحركات مضادة

مع تصاعد حالة القلق من صفقة تبادل السجناء مع إيران، سعى عدد من مسئولي الإدارة الأمريكية لتقديم تطمينات للداخل الأمريكي عبر التأكيد على أنها لا تأتي على حساب مصالح وأمن الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط، ولكن على العكس فإنها تتفق مع مقاربة الإدارة تجاه النظام الإيراني. وتتمثل أبرز تلك التطمينات فيما يلي:

1- عدم تغيّر السياسة الأمريكية تجاه إيران: في ظلّ ترجيح بعض التقارير الأمريكية أن الصفقة ستكون الخطوة الأولى نحو اتفاق لإحياء بعض الأجزاء من الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥، وأن الاتّفاق المطروح من شأنه أن يخفف العقوبات على إيران مقابل تعهدها بتجميد تخصيب اليورانيوم، الذي اقتربت نسبة تخصيبه من مرحلة صنع الأسلحة النووية، بحسب افتتاحية “وول ستريت جورنال” السابق الإشارة إليها، فقد أكد وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، في ١٥ أغسطس الجاري، أن الولايات المتحدة ستستمر في ضغوطها على النظام الإيراني لعدم امتلاك سلاح نووي مطلقاً، رغم اتفاق تبادل السجناء، وشدد على أن السياسات الأمريكية تجاه طهران لن تتغير رغم الاتفاق الأخير معها، حيث قال إن “الاتفاق بشأن السجناء الأمريكيين المحتجزين في إيران لا يرتبط بأي جانب آخر من سياسات الإدارة الأمريكية تجاه إيران”، مضيفاً أن “خطوات إيران الإيجابية تجاه إطلاق سراح الأمريكيين المسجونين لا تؤثر على اعتراضات إدارة بايدن على الإجراءات التعسفية الأخرى للجمهورية الإسلامية، بما في ذلك انتهاكاتها لحقوق الإنسان، ودعم الوكلاء الإرهابيين في الشرق الأوسط، والهجمات ضد القوات الأمريكية في المنطقة، وتزويد روسيا بالأسلحة لاستخدامها في أوكرانيا”.

 وقد ذكرت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بير، في ١٤ أغسطس الجاري، أن الإدارة الأمريكية لم تُغير أسلوبها مع إيران الذي يُركز على الردع والضغط والدبلوماسية. وكذلك ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل، أنه رغم تبادل السجناء مع إيران فإن الإدارة مستمرة في تحميل طهران مسئولية “أنشطتها الخبيثة حول العالم”.

2- رقابة أمريكية على الأموال المفرج عنها: في ظل حالة القلق المتصاعدة بالداخل الأمريكي من استخدام إيران الأموال التي سيتم الإفراج عنها بموجب الصفقة في تمويل أنشطتها ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، تؤكد الإدارة الأمريكية على أن الأموال المفرج عنها لن يكون بإمكان النظام الإيراني استخدامها إلا في الأغراض الإنسانية، مثل شراء الطعام والدواء، وعدد محدود من المعدات الطبية التي ليس لها استخدام عسكري مزدوج، وسيدفع البنك في الدوحة ثمن البضائع وستسلمها الشركات القطرية إلى إيران، ولن يكون لدى النظام الإيراني إمكانية للوصول المباشر إلى الأموال على الإطلاق. فضلاً عن أن الأموال المفرج عنها سيتم مراقبتها عن كثب من قبل وزارة الخزانة الأمريكية. وقد أوضح جون كيربي منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، أن الولايات المتحدة ستكون على اطلاع كامل بشأن وجهة أي أموال إيرانية قد يُفرج عنها.

3- استمرار العقوبات المفروضة على إيران: أكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن الصفقة لا تعني أنه سيتم تخفيف أي عقوبات من تلك المفروضة على إيران، ولكن الولايات المتحدة ستستمر في فرض جميع العقوبات مع التصدي بحزم لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وخارجه.

وقد أشارت تقارير أمريكية إلى أن الأموال التي سيتم الإفراج عنها هي أموال تدين بها كوريا الجنوبية لإيران مقابل النفط الذي اشترته سول من طهران قبل أن تفرض إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عقوبات على مثل تلك المعاملات في أعقاب انسحابها بصورة أحادية من الاتفاق النووي الإيراني لعام ٢٠١٥ في 8 مايو 2018.

4- تراجع التهديد الإيراني للقوات الأمريكية بالمنطقة: بينما تشير الانتقادات الموجهة للصفقة إلى أنها ستزيد من دعم إيران لوكلائها لاستهداف الجنود الأمريكيين في العراق، نقل تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”، في ١٠ أغسطس الجاري، عن مسئول عسكري أمريكي كبير أنه كان هناك نشاط أقل للمليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق إزاء القوات الأمريكية في الأسابيع الماضية، بما يوحي، وفقاً لهذه الرؤية، أن التهديد الذي تفرضه أنشطة تلك المليشيات قد تراجع خلال الفترة الأخيرة وبالتوازي مع المفاوضات التي كانت تجري من أجل إتمام الصفقة.

5- استمرار جهود ردع إيران: لن يوقف التوصل للصفقة خطط وزارة الدفاع الأمريكية لوضع القوات الأمريكية على متن السفن التجارية لحراستها وردع إيران من الاستيلاء عليها ومضايقتها عند المرور من مضيق هرمز، إلى جانب استمرار عملية نشر كبيرة لعسكريين أمريكيين وطائرات إف-١٦ وإف-٣٥ وغيرها من الطائرات لمنع طهران من تهديد الملاحة الدولية.

6- الضغط لوقف تزويد روسيا بالدرونز: وسط التفاهمات الأخيرة، كشفت صحيفة “فايننشال تايمز”، في ١٦ أغسطس الجاري، أن الولايات المتحدة تضغط على إيران للتوقف عن بيع الطائرات من دون طيار إلى روسيا، والتي تستخدمها الأخيرة في الحرب في أوكرانيا، فضلاً عن قطع الغيار الخاصة بها، كجزء من المناقشات حول تفاهم غير مكتوب أوسع بين واشنطن وطهران لتهدئة التوترات، وذلك نقلاً عن مسئول إيراني وشخص آخر على دراية بالمحادثات.

رؤى متعارضة

انقسمت الآراء داخل الولايات المتحدة حول تقييم الصفقة بين تيارين رئيسيين: يرى الأول، أنه مع أكثر من مليار دولار لكل رهينة أمريكية، سيلجأ خصوم الولايات المتحدة، ولا سيما إيران وروسيا والصين، بشكل أكبر إلى احتجاز الأمريكيين كرهائن؛ من أجل الضغط على الإدارة الأمريكية للتهرب من العقوبات المفروضة عليهم، وأن الصفقة من شأنها زيادة احتمالات أسر مزيد من الأمريكيين.

بينما يعتبر الثاني، أن الصفقة تمثل نجاحاً للنهج الدبلوماسي الأمريكي مع إيران، وأنه يمكن البناء عليها لمحادثات أكثر شمولاً بين واشنطن وطهران حول القضايا الخلافية الأخرى، ولا سيما هدف إدارة جو بايدن الرئيسي المتمثل في احتواء البرنامج النووي الإيراني، والعقوبات الأمريكية على طهران، والدور الإقليمي الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة، والتهديدات الإيرانية لحركة الشحن في مياه الخليج العربي، وكذلك الدعم الإيراني لحرب روسيا في أوكرانيا. ويذهب أنصار هذا التيار إلى أن الصفقة التي تم التفاوض عليها بشق الأنفس –بحسب بعض التقديرات الأمريكية- تقلل من فرص المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران والتي كانت تلوح في الأفق.