تقييد التمويل:
ضغوط أمريكية لتفكيك شبكات اتجار المخدرات في سوريا

تقييد التمويل:

ضغوط أمريكية لتفكيك شبكات اتجار المخدرات في سوريا



أقر الكونجرس الأمريكي، في ١٥ ديسمبر الجاري، مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية ٢٠٢٣ بموافقة ٨٣ سيناتور في مقابل معارضة ١١، والذي تضمن في أحد بنوده (البند ١٢٣٨) مشروع القانون الذي قدمه النائبان فرينش هيل وبريندان بويل، اللذان طالبا الإدارة الأمريكية بصياغة استراتيجية مكتوبة، مع مرفق سري إذا لزم الأمر، بالتعاون بين وزارتي الخارجية والدفاع ومختلف الوكالات الأمريكية في موعد لا يتجاوز ١٨٠ يوماً من تاريخ سن القانون، تتضمن خطة مفصلة لاستهداف وتعطيل وتفكيك الشبكات التي تدعم بشكل مباشر وغير مباشر نظام الرئيس السوري بشار الأسد لتصنيع وتهريب الكبتاجون، الذي يهدد دولاً مجاورة لسوريا، وهو الأمر الذي من شأنه، وفقاً لهذه الرؤية، زعزعة استقرار أجزاء من الشرق الأوسط.

محاور رئيسية

تقوم الاستراتيجية الأمريكية التي يقترحها المشروع على عدد من المرتكزات التي من شأنها، وفقاً لرؤية داعميه، إنجاح جهود إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لتفكيك شبكات تصنيع وتهريب المخدرات في سوريا، ومن أبرزها ما يلي:

1- استهداف مصادر التمويل غير القانونية: ترى اتجاهات عديدة أن كل العوامل اللازمة للاتجار بالمخدرات تتوافر في مناطق عديدة داخل سوريا. إذ أن بعض الأطراف المنخرطة في الصراع لديها الخبراء والآلات الخاصة وعشرات المعامل لتصنيع الكبتاجون، وكذلك المرافئ المتصلة بممرات الشحن عبر البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن وجود طرق تهريب برية إلى الأردن ولبنان والعراق، وهو ما جعل سوريا تحتل، خلال وقت قياسي، المرتبة الأولى في سوق المخدرات وفقاً لمؤشر الجريمة المنظمة العالمي لعام ٢٠٢١. ولكون تجارة المخدرات مصدراً للنقد الأجنبي داخل سوريا، فإن الهدف الرئيسي من الاستراتيجية الأمريكية هو تجفيف أحد منابع التمويل لبعض الأطراف ومنها النظام السوري.

2- مواجهة الوكلاء الرئيسيين لإيران: تركز السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط على استهداف مصادر تمويل وكلاء إيران، ولا سيما حزب الله اللبناني، الذي ينشط على الأراضي السورية، ويتورط في تجارة المخدرات، وفقاً للعديد من التقارير التي تشير إلى أن المناطق التي يُسيطر عليها في سوريا بالقرب من الحدود اللبنانية، وخارج العاصمة دمشق، وحول مدينة اللاذقية الساحلية؛ تضطلع بدور رئيسي في عمليات تهريب الكبتاجون، وفي بعض الحالات تقع مواقع الإنتاج تحت الإشراف المباشر للحزب.

ووفقاً لذلك، فقد أقام ممثلو النظام السوري شراكات مع الحزب لتجارة الكبتاجون للاستفادة من خبراته الواسعة في التجارة العالمية للمخدرات. ويوفر تهريب الحزب للمخدرات من سوريا إلى أوروبا التمويل في مواجهة العقوبات الدولية والأمريكية المفروضة عليه، ولكل من يقدم له الدعم والتسهيلات المالية، بما يساعده على تهديد استقرار الدولة اللبنانية، وحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وزعزعة الاستقرار والأمن الذي يعد أولوية رئيسية للسياسة الأمريكية في المنطقة.

3- تقديم الدعم لبعض الحلفاء الإقليميين: نص مشروع القانون على ضرورة أن توضح الاستراتيجية الخطة الأمريكية لبناء قدرات الدول الشريكة للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، التي يُهرب إليها النظام السوري الكبتاجون أو تكون ممراً لتهريبه لدول أخرى، على مكافحة المخدرات من خلال تقديم المساعدة والتدريب لخدمات إنفاذ القانون فيها، وكذلك تقييم قدرة هذه الدول على مكافحة المخدرات لمنع تهريب الكبتاجون، وبرامج المساعدة والتدريب الحالية التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لبناء هذه القدرات.

وتعد الأردن من أكثر الدول العربية تأثراً بانتشار تجارة المخدرات في سوريا، والتي تتدفق بشكل رئيسي من جنوب سوريا، حيث تشير التقديرات الأمنية إلى أن الحدود الأردنية مع سوريا التي يبلغ طولها ٣٦٠ كم أصبحت القناة الرئيسية للتجارة منذ أن استعادت قوات النظام السوري المنطقة في عام ٢٠١٨ بعد اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. ولذلك تكثف العمليات الحدودية في الأشهر القليلة الماضية لتعطيل تدفقاتها من المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري والمليشيات الموالية لإيران.

4- فرض عقوبات على الأطراف المنخرطة: دعا مشروع القانون الإدارة الأمريكية إلى الاستناد إلى العقوبات المصرح بها بموجب قانون “قيصر” لحماية المدنيين السوريين لعام ٢٠١٩، لاستهداف الأفراد والكيانات المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالبنية التحتية للمخدرات لنظام الأسد. وبالفعل، فرضت الإدارة الأمريكية العديد من العقوبات على شخصيات بالنظام السوري، وأخرى قريبة منه، تحت مبررات متعددة، وكذلك على أعضاء بحزب الله اللبناني، ومن يقدمون الدعم له لتوفير التمويل والنقد الأجنبي من خلال الاتجار في المخدرات.

5- قيادة الجهود الدولية للمكافحة: طالب المشروع الإدارة الأمريكية بالقيام بحملة علاقات عامة لزيادة الوعي بمدى ارتباط نظام الأسد بتجارة المخدرات غير المشروعة، والاستفادة من المؤسسات متعددة الأطراف والتعاون مع الشركاء الدوليين لتفكيك شبكات اتجار نظام الأسد بالمخدرات. وفي رؤية اتجاهات عديدة، فإن الدور الدولي لمواجهة هذه الشبكات لن يتحقق دون قيادة الولايات المتحدة الأمريكية له، لا سيما أن الدول الأوروبية المتضررة من تهريب المخدرات من سوريا إليها لن تتخذ خطوات فعلية لمكافحتها ما لم تكن واشنطن منخرطة في ذلك، وبالتالي، فإن اهتمام الإدارة الأمريكية بذلك، بعد تجاهل الضغوط السابقة للمشرعين الأمريكيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لتجفيف مصادر النقد الأجنبي عن النظام السوري من المخدرات، ستكون له تأثيرات فاعلة على أرض الواقع.

6- منع وصول الكبتاجون إلى الأراضي الأمريكية: أبدى النائب هيل عند حديثه عن أسباب تقديمه مشروع القانون تخوفه من احتمالات انتقال الكبتاجون إلى الولايات المتحدة الأمريكية وذلك بعد وصوله بالفعل إلى أوروبا. فخلال عام ٢٠٢٠ تمكنت السلطات الإيطالية من ضبط حوالي ١٥ طناً من مخدر الكبتاجون، أي حوالي ٨٤ مليون حبة تصل قيمتها المالية إلى حوالي مليار دولار. وقد كشفت التحقيقات والبحث أن مصدرها سوريا. وعلى الرغم من أن هناك تقديرات تقلل من احتمال تهريب الكبتاجون إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هناك قلقاً أمريكياً متزايداً من توسيع نطاق تجارته ليشمل جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي بما يشكل تهديداً للمصالح الاقتصادية الأمريكية ومكافحة الإرهاب في المنطقة.

غياب الثقة

رغم ضغوط المشرعين الأمريكيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على الإدارة الأمريكية لصياغة استراتيجية لاستهداف وتعطيل وتفكيك شبكات تصنيع وتهريب الكبتاجون في سوريا، وقيادة الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق ذلك؛ فإن هناك عدم ثقة بين السوريين في الخطوات الأمريكية لمواجهة تلك الشبكات، خاصة بعد سابقة تخلي إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما عن “الخط الأحمر” الذي وضعته في عام ٢٠١٢ بشأن استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيميائية، على نحو يعني أن الأمر يتطلب أكثر من تشريع من الكونجرس لمحاصرة شبكات تهريب الكبتاجون.