حتى لا يتنازع المتصارعون في هذه المنطقة، العالم العربي بغربه وشرقه، فإن المفترض أن تكون هناك مبادرة لعقد قمة عربية عاجلة في القاهرة، ليس لمن سيحضر، وإنما بغالبية القادة العرب، وهذا إن ليس بالإمكان حضورهم كلهم، فحقيقة أنه إن بقيت الأوضاع على ما هي عليه الآن، فإن الخوف كل الخوف أن يتفرق أبناء هذه الأمة «أيدي سبأ» كما يقال… وعلى غرار ما كان قد جرى مرات سابقة متعددة.
الآن هناك انقسام دولي، أو عالمي، لا فرق، والواضح أن البعض ينتظر أنْ يكون هناك انقسام عربي بين هذين المعسكرين المتصادمين؛ المعسكر الذي تقوده وعلى رأسه روسيا «الاتحادية»، بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، والمعسكر الآخر الذي ضم المجموعة التابعة للولايات المتحدة، التي توصف بأنها ملحقة بـ«حلف الناتو».
وبالتأكيد، وكما جرت العادة، فإن هذين المعسكرين المتصارعين اللذين قد أصبح بينهما «ما صنع الحداد»، كما يقال، سيحاولان، لا بل إن البعض يقول إنهما قد حاولا فعلاً، تقاسم الدول العربية، ووفقاً لما كانت عليه فترة صراع المعسكرين، المعسكر الغربي الأميركي بقيادة الولايات المتحدة، والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي الذي كانت تتبع إليه وملحقة به دول أوروبا الشرقية كلها التي كانت توصف لدى البعض بأنها «المنظومة الاشتراكية»، والتي كانت بعض دول أوروبا الشرقية تحاول الانفلات منها… ومن بينها كما كان يتردد، وإن شكلياً، يوغوسلافيا في عهد ذلك القائد المرموق الجنرال جوزيف تيتو.
وحقيقة أنه ما كان بإمكان أي من دول المنظومة الشرقية هذه الإفلات من قبضة الاتحاد السوفياتي، الذي قد أصبح بعد كل تلك الانهيارات التكوينية والسياسية التي ضربت دول أوروبا الشرقية كلها بعد ذلك الزلزال الذي فرق الكتلة الشيوعية أو الاشتراكية لا فرق، وأنهاها نهائياً، وباتت هناك كل هذه الدول التي قد تخلت عن انحيازها السابق، والتحقت بالغرب الرأسمالي، ودفنت في سراديب عميقة كل المجلدات الماركسية – اللينينية… ومعها صور «رفاق الأمس»، على رأسهم كارل ماركس وجوزيف ستالين، وبالطبع فلاديمير لينين، وكل المجلدات والكتب التي كان يتغنى بها الماركسيون واللينينيون، ومعهم بعض «المتمركسين» من بعض الأحزاب والتشكيلات القومية التي كانت تتباهى بأنها: ماركسية – لينينية!!
والمهم، وبما أن الصراع، بعد كل هذه التحولات التاريخية، قد بات كما هو واقع الحال الآن بين روسيا الاتحادية بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، وبين ما أصبح يسمى «المعسكر الشرقي»، وما يسمى «المعسكر الغربي»، أي حلف شمال الأطلسي، الذي يضم دولاً تتبع إلى الولايات المتحدة تبعية إلحاقية… وبدون لا خجل ولا وجل كما يقال!!
وهكذا فإن المقصود، لا بل المطلوب، هو أن لا يستعيد العرب تجربتهم السابقة تلك، وأنْ لا تكون هناك كتلة عربية «تلهث» وراء الشرق، وكتلة أخرى تلهث وراء الغرب، ولهذا فإنه من الضروري أن تكون للعرب كتلتهم الخاصة بهم، وأن تكون هناك قمة عربية تنهي هذا التشرذم الحالي كله، وهنا وإذا أردنا الحقيقة، فإن هذه مسألة إنْ هي ليست متعذرة، كما يقول البعض، فإنها وفي الأحوال كلها في غاية التعقيد والصعوبة!!
وبالطبع، ووفقاً لواقع الحال، فإن هناك من يرى أنه من غير الممكن «لملمة» الحال ووضع حد لهذا التشرذم العربي… وذلك مع أنه قد كانت هناك بعض المستجدات الواعدة، وإن ما اتخذته دولة الإمارات العربية تجاه كل هذه المستجدات الإقليمية الأخيرة يدل على أن هذه الأمة… أمة خيرة، وأنها عندما يلزم اللزوم، كما يقال، تبادر إلى وقفة واحدة… وهذا كان قد حدث في حرب عام 1967 التي كانت وفي الأحوال كلها حرباً قومية فعلية.
والمؤكد لا بل والمفترض أن ما لا خلاف عليه هو أن العرب حتى في التاريخ البعيد كانوا يتناسون خلافاتهم وضغائنهم في الملمات، ويقفون وقفة واحدة، وهذا كان قد حصل مرات عديدة في التاريخ البعيد والقريب، ولهذا وعليه فإنه لا بد من أن تكون هناك طليعة عربية تأخذ هذه الأمور والمبادرات بيدها، وهنا فإن البعض يؤكد في هذا المجال على المملكة العربية السعودية ومصر، وبالطبع الأردن والجزائر والمملكة المغربية… وأيضاً العراق وسوريا وليبيا واليمن… وذلك لو أن الأمور تقف على هذا كله على نحو مؤكد.
وعليه فإنه وفي الأحوال كلها لا بد من أن تكون هناك اتصالات تمهيدية، وأنْ يتم طرح هذا الموضوع المهم جداً في هذه المرحلة التاريخية التي هي ليست صعبة وفقط، لا بل إنها في غاية الصعوبة، ومع الأخذ في عين الاعتبار ألا يكون هناك تجاوز لأي دولة عربية لا صغيرة… وبالطبع ولا كبيرة، فلملمة هذه الأوضاع تحتاج إلى عمل دؤوب ومتواصل، وعلى أنْ لا يكون هناك أي استثناء لأي دولة لا صغيرة ولا كبيرة… ولا آسيوية ولا أفريقية… ولا إذا كانت هناك مجموعة قومية متماسكة في آخر جغرافيا الكرة الأرضية.
والضروري هو أنْ لا تكون هناك قفزات عاجلة، وهذا لأن المثل العربي الشهير يقول: «في العجلة الندامة وفي التأني السلامة»، وأن قطع طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، ولذلك وعندما تكون هناك دعوة لقمة عربية، فإنه لا بد من قطع هذا الطريق الطويل… خطوة… بعد خطوة، وليس بقفزة «انتحارية» واحدة.
إنه من الصعب قطع هذا الطريق الشائك، لا في خطوة واحدة وحتى ولا في عشرات الخطوات، لكن وبالإصرار والنيات الحسنة والطيبة، ومع الوقت، فإنه بالإمكان الوصول إلى الهدف المطلوب، فالعرب في بدايات القرن العشرين والقرن الذي قبله كانوا في حقيقة الأمر في أوضاعٍ مأساوية بالفعل، وكانت معظم دول العالم العربي ومن المحيط إلى الخليج ليست في أيدي أهلها، وكانت السيطرة عليها للدول الاستعمارية (فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها»، وكان البريطانيون في تلك المرحلة قد أعطوا ما لا يملكون إلى من لا يستحقون.
وهكذا فإنه لا بد من لملمة الوضع العربي بالسعي الدؤوب لعقد قمة عربية، وبالتفاهم المنشود، وبدون استثناء ولا دولة واحدة، فالمعروف وفقاً للتاريخ العربي، وحقيقة وحتى الآن، أن أكبر وأخطر نزاعٍ بين دولهم الكبيرة والصغيرة كان ولا يزال ينتهي بتبادل «تبويس اللحى»، وهذا هو ما يميز أبناء هذه الأمة العظيمة حقاً عن غيرهم، إنْ قبل الإسلام العظيم وإنْ بعده… وحتى الآن… حتى هذه اللحظة التاريخية.
نقلا عن الشرق الأوسط